وقال الدكتور عبد الرحيم على، إنه على الرغم من إطلاق السترات الصفراء على تظاهرات أسبوعهم الخامس، "يوم الاختبار"، إلا أن أعداد المتظاهرين ليست بزخم المرات السابقة، موضحا أن هذا لا يعنى نهاية حركة السترات الصفراء، فإلى الآن كل ما يجرى على الأرض لا يعدو كونه اختبارا متبادلا على الأرض بين السلطة والمحتجين.
وبشأن ربط البعض أحداث فرنسا بالأوضاع فى مصر وتوقعات بإمكانية حدوث ذلك هنا، أو فى بعض الدول العربية، أكد "على" أن هذا الربط غير منطقى بالمرة، ولا يمت للواقع بصلة، وأوضح أن من يفعل ذلك ليس لديه أية دراية حقيقية بما يحدث هنا فى باريس.
وتابع "على" أن الأوروبيين لم يجربوا الفوضى؛ ولكننا هنا فى مصر عانينا منها طويلا وعرفنا ما معنى أن تتفكك الدولة، شاهدنا ذلك بأم أعيننا عقب أحداث 25 يناير 2011، ودفعنا ثمننًا كبيرًا كى نستعيدها من براثن الخاطفين فى 30 يونيو 2013، موضحًا أن الفرنسيين مروا بأحداث كتلك التى عانينا منها ولكن منذ أزمنة بعيدة لا تعيها الأجيال الجديدة التى تمثلها حركة السترات الصفراء.
فبعيدا عما حدث عقب الثورة الفرنسية الأولى عام ١٧٨٩ وما تلاها وصولا للثورة الثانية عام ١٨٤٢، لم تشهد فرنسا ومنذ ١٩٥٨ أى صراع على السلطة أدى إلى ضياع الدولة وتفككها.
وأضاف "على" أنه منذ عودة الجنرال ديجول إلى السلطة عام ١٩٥٨ والجمهورية الخامسة فى حال استقرار سياسى واجتماعى يتم تبادل السلطة فيه من خلال دستور تم التصويت عليه فى تلك الفترة، ولم يتم إدخال تعديلات جوهرية عليه حتى الآن.
وأكد "على" أن فرنسا دولة راسخة تحكمها مؤسسات دستورية وتحتل المركز الخامس عالميا من حيث القوة والثروة، ولا يمكن المقارنة بينها وبين دولة تحاول استعادة مكانتها وصناعة استقرارها وبناء اقتصادها من جديد، متابعا أنه على المصريين أن يتعلموا جيدًا من التجارب السابقة، ويعرفوا وجه المقارنة الحقيقية بين الدول، حتى لا يأتى أحد يعبث بعقولهم، مؤكدًا: "احنا أخدنا حقنا تالت ومتلت" من المظاهرات والاحتجاجات والمسيرات منذ 25 يناير وحتى 30 يوليو، عرفنا جيدًا ما معنى أن تسقط الدولة وماذا يعنى لنا عناء بنائها من جديد.
وبشأن ملامح السبت الخامس لاحتجاجات السترات الصفراء، قال "على" إلى الآن الهدوء النسبى ما زال سيد الموقف، الأمر الذى دعا الشرطة الفرنسية إلى فتح الحركة المرورية فى الشوارع خاصة من وإلى الشانزليزيه، بعد غلقه طوال أيام التظاهرات السابقة وقبل تلك التظاهرات بساعات.
وأوضح "على" أنه بالرغم من تراجع الرئيس الفرنسى ماكرون عن القرارات الأخيرة إلا أن أوضاع الحياة السياسية فى البلاد تدفع القوى السياسية خاصة الأحزاب التقليدية كالجمهوريين والاشتراكيين (قطبى الحياة السياسية فى فرنسا) إلى الغضب، مشيرًا إلى رسوخ التوازن فى الحالة السياسية الفرنسية لعقود طويلة بين المعارضة والأغلبية حتى جاء ماكرون فألغى حالة التوازن عبر الدفع بشباب حزبه (الجمهورية إلى الأمام) لتسيد المشهد والاستحواذ على الأغلبية المطلقة فى البرلمان، دافعا الأحزاب التقليدية الكبرى إلى خلفية المشهد، مما خلق حالة من الفراغ السياسى لم تستطع حركة ماكرون (الجمهورية إلى الأمام) ملئها نظرا لضعف خبرة أعضائها وحداثة سنهم، الأمر الذى ظهر جليا فى معالجة أزمة السترات الصفراء، حيث توارى أعضاء حزب ماكرون ولم يسمع لهم أحد صوت.
وشدد "على" أن هذه الحالة لم تدم كثيرا فى فرنسا لأن التوازن السياسى بين القوى السياسية وبخاصة التقليدية فى فرنسا كان ولا يزال هو رمانة الميزان التى يبحث عنها المتظاهرون، الأمر الذى دفعهم اليوم للكشف عن أهدافهم الحقيقية عبر رفع شعار "لا للأوجاركية" (حكم الأقلية)، فى إشارة لحكم ماكرون ولصالح قلة من رجال المال والبنوك.