قال حزب التحالف الشعبى الاشتراكى، ، فى بيان له، تعليقا على قرار البنك المركزى، إن السلطات الحكومية فاجئت البلاد والعباد بإعلانها أكبر تخفيض للسعر الرسمى لصرف الجنيه المصرى، فبدلا من 73.7 قرش للدولار، طرح البنك المركزى عطاء استثنائيا بسعر 85.8 قرش للدولار، كما أصبح السعر الرسمى فى البنوك 95.8 قرش، أى أن الدولار ارتفع رسميًا 112 قرشًا مرة واحدة .
وأوضح البيان أن هذا الإجراء يأتى عكس ما كانت تتحدث عنه من نجاحها فى السيطرة على السوق الموازية أو السوداء، وتراجع سعر الدولار، وإزاء جسامة تلك الزيادات، وآثارها غير المحتملة على الاقتصاد والمواطنين حاولت الحكومة تبرير خطواتها ببيان أصدره البنك المركزى يحاول فيه تفسير وتمرير تلك السياسات غير الشعبية، إلا أنه لم يضف جديدا، بل زاد المخاوف من الأوضاع والسياسات الراهنة. وبتحليل ورصد الأوضاع، وقراءة بيان البنك المركزى المشار إليه، تسترعى انتباهنا مجموعة من الملاحظات والاستخلاصات المهمة والخطيرة:
أولا: إذا كان بيان البنك المركزى يبرر الإجراءات التى أقدمت عليها الحكومة المصرية بالتحديات والصعوبات التى واجهتها، خاصة خلال الأشهر الأربعة الماضية، وخاصة تراجع التدفقات من السياحة والاستثمار المباشر وتحويلات المصريين فى الخارج، بالإضافة للإقرار الصريح بخطأ الإجراءات والقرارات التى اتخذتها منذ فبراير 2015، وأدت إلى فقدان الثقة فى الأسواق، والهروب من منظومة النقد الرسمية، فإنها تقر علنا بهذا كله بإفلاس سياساتها، وسياسات حكومات سبقتها، كما تكشف الأوهام التى روجتها مؤسسات الحكم عن قدرة المؤتمر الاقتصادى (شرم الشيخ) على جذب عشرات بل مئات المليارات من الاستثمارات الأجنبية. وإزاء الفشل والأزمة المحدقة التى تسببت فيها بيدها وليس بيد غيرها، فليس من حق تلك الحكومة سياسيًا ولا أخلاقيًا أن تتصدى لحلول وهمية بسياسات جديدة، والواجب الواضح هو أن ترحل، وتترك لغيرها محاولة إصلاح ما أفسدته.
ثانيا: يتحدث البيان عن تحول البنك المركزى لسياسة أكثر مرونة فيما يتعلق بسعر الصرف، ويتوقع أن تؤدى إلى مستويات لسعر الصرف تعكس القيمة الحقيقية للعملة خلال فترة وجيزة. ولننتبه لكون ذلك كلامًا بالغ الخطورة، فالمعنى الواضح أن هذا الارتفاع لسعر الدولار لن يكون الأخير فى الفترة القريبة، بل ستتلوه ارتفاعات أخرى. وتلك مصيبة كبيرة لأنه يسير فى طريق الدولار بـ12 جنيهًا كما يتوقع البعض، وكما يتردد عن تفاهمات حكومية مع جهات خارجية، ودوائر مالية، وهذه الارتفاعات غير المحكومة تؤدى لتعويم الجنيه.
ثالثًا: يروج البيان لكون تلك السياسات الجديدة وذلك الارتفاع لسعر الدولار سيعالج الأوضاع المختلة، وسينعكس إيجابيا على مستويات التنمية الاقتصادية، ولنتذكر أن هذا النوع من الخطاب هو الذى تبنوه دائمًا، وفى سياقه ارتفع سعر الدولار من حوالى 3 جنيهات إلى 9 جنيهات أى بما يقارب 300% خلال 15 سنة كاملة، ومع ذلك فلم نشهد تلك النتائج الإيجابية الوهمية، ولم نقطف قط الثمرة الموعودة.
رابعًا: لا يبدو رهان البيان والحكومة منصبا سوى على ما يأمله من زيادة الاستثمارات الأجنبية، وهو رهان ثبت دائما أنه رهان ضعيف، حيث يتوقف على متغيرات لا نتحكم فيها، وأن التدفق الدائم والثابت لمثل تلك الاستثمارات أمر مشكوك فيه، إلا أنه وبالإصرار على تكرار تلك الفكرة، وبتتبع الخطوات الأخيرة، فإن أشد ما يقلقنا فى الأمر هو توجه الحكومة للتوسع فى الاقتراض من دوائر المال وصندوق النقد الدولى وصناديق الاستثمار الأجنبية التى اجتمع محافظ البنك المركزى مع ممثليها مؤخرًا، مما قد يكشف عن العلاقة بينها وبين القرارات الأخيرة، وكل هذا ينذر بتفاقم خطير للديون الخارجية التى كنا قد نجحنا فى تحجيمها فى مرحلة سابقة.
خامسًا: إننا إذ نحذر من الآثار الصادمة لتلك الإجراءات على مستويات دخول المواطنين، ومستويات معيشتهم، وعلى زيادة التضخم المرتفع بالفعل، وعلى تآكل القيمة الحقيقية لأجور كل العاملين، ومدخرات المواطنين بالعملة المحلية فى البنوك لصالح أصحاب الودائع الدولارية والمستثمرين الأجانب والمصدرين، فإننا لابد أن نحذر بقوة أكبر من الآثار الأخرى الخطيرة على الأوضاع الاجتماعية فى البلاد، والناجمة عن مشروطية وشروط التفاهمات والاتفاق مع صندوق النقد الدولى الذى زارت بعثة منه مصر الأسبوع الماضى، لم تعلن الحكومة تفاصيلها، فيما يرجح أن يكون له صلة بالسياسات الجديدة. و فى حين يتردد بقوة سعى السلطات المصرية للعودة للاقتراض من الصندوق بقيمة 5.4 مليار دولار، فإن الشروط التى يدور التفاوض عليها كلها تحابى المستثمرين ورجال المال خاصة الأجانب، وتوجه ضربات جديدة للقطاعات العريضة من المواطنين فى مجال الأجور وتقليص الدعم للسلع الغذائية والخدمات الأساسية كالمياه والكهرباء والمواصلات. وهذا كله مما يسير فى الاتجاه المعاكس للشعارات التى طالب بها الشعب المصرى فى ثورته فى 25 يناير، ومن شأنها توتير وتفجير الأوضاع الاجتماعية فى البلاد، و إزاء كل ما تقدم فإن حزب التحالف الشعبى الاشتراكى يعرب عن اعتراضه الشديد على الخفض الرسمى الكبير لسعر صرف الجنيه المصرى، من حيث الحجم والأسلوب المتبع، الذى لم تشارك فى صنعه أى جهة شعبية أو مجتمعية مصرية، بينما تم التشاور والتنسيق مع دوائر المال والأعمال، وخاصة الأجنبية، وإن كان بتعتيم وتكتم شديدين .
كما نؤكد ضرورة الوقف الفورى للسياسة الجديدة المعلنة المسماة المرونة فى مجال سعر الصرف، والتى تعنى مزيدا من التخفيضات للجنيه المصرى، لما سيكون لها من عواقب وخيمة، والالتزام بسياسة تدافع عن قيمة الجنيه بقدر الإمكان، والحد من المضاربات.
ويؤكد الحزب ضرورة مراجعة النهج الاقتصادى بأكمله، وضرورة التوجه نحو تعبئة الفائض الاقتصادى المحلى من الفئات القادرة بدلا من التوجه للاقتراض الخارجى، والتوقف فورًا عن تنفيذ كافة المشروعات العبثية غير المنتجة، وغير المدروسة، والاهتمام بتطوير وتوسيع الصناعات كثيفة الاستخدام للعمالة، وتشجيع حماية المستهلك، وتعزيز آليات مكافحة الفساد، وتطوير النظام التعاونى.
كما نعيد تأكيد التزامنا بالتمسك والدفاع عن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمواطنين المصريين فى الغذاء والصحة والتعليم والسكن، ورفضنا المسبق لمخططات المساس بها فى الموازنة المقبلة، فى سياق التفاهمات مع دوائر المال الأجنبية وصندوق النقد والبنك الدوليين.