أكد الدكتور كريم عادل، رئيس مركز العدل للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية، أن استقرار سعر الصرف ساهم في القدرة على السيطرة نسبياً على معدل التضخم باعتباره أحد أهم المؤشرات الاقتصادية الكلية، وذلك بإعلان الجهاز المركزي للتعبئة والاحصاء تراجع معدل التضخم السنوى لشهر فبراير 2025 إلى 12.5%،لافتا إلى أن ذلك سيكون له أثره على طمأنة الجهات المالية ومؤسسات التمويل والتصنيف الائتمانى العالمية، ومن ثم تحسن مؤشرات التصنيف الائتماني والنظرة المستقبلية للاقتصاد وطمأنة المستثمرين على رؤوس أموالهم واستثماراتهم سواء المباشرة أو الغير مباشرة في أدوات الدين الحكومي.
واعتبر الخبير الاقتصادي، أن مستقبل سعر الصرف ومعدل التضخم، بمثابة المحددات الرئيسية لمستقبل السياسة النقدية على المدى القصير، لاسيما وأن انضباط سوق سعر الصرف يحقق استقرار واستدامة عجلة التشغيل والانتاج في القطاعات الاقتصادية المختلفة، وهو أمر محفز وداعم في تحسن المؤشرات الاقتصادية وتقارير مؤسسات التصنيف الائتماني والمؤسسات المالية الدولية التي يصدر عنها تقارير دورية حول توقعاتها بشأن معدلات التضخم والنمو الاقتصادي وتحسن المؤشرات الاقتصادية عن ما كانت عليه سابقاً، وكذلك تعديل النظرة المستقبلية للاقتصاد المصري ، في انخفاض مخاطر التمويل الخارجي وتعزيز الاستثمار الأجنبي المباشر على المدى القصير سواء في صورته المباشرة أو الغير مباشرة .
ونوه بأن السياسة النقدية للبنك المركزي المصري لن تتأثر بتراجع معدلات التضخم كون التراجع جاء على أساس سنوي، وإن كان أثر الأساس ( فترة أساس المقارنة ) له دور مهم لأن شهر فبراير 2024 بلغ فيها معدل التضخم السنوي ارتفاعاً كبيراً عن يناير السابق عليه بحوالى 6% وبلغ قمة في معدلات التضخم السنوي للعام كله، موضحا أن الفرق بين يناير وفبراير من العام الماضي (29.8-35.7) لا يبرر وحده تراجع معدلات التضخم السنوي بين الشهرين لهذا العام بتلك الوتيرة السريعة.
وقال "عادل" إن "المركزى" يقوم بحساب التضخم الأساسى فقط بعيداً عن السلع الاستهلاكية التى يعتمد عليها المواطن يومياً وبشكل أساسى فى معيشته، وهي تلك السلع التى تتأثر أسعارها بالعرض والطلب، وهذا القياس على عكس مقياس التضخم بالجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء الذي يدرج تلك السلع الاستهلاكية في قياسه للتضخم، لذا نجد أن معدل التضخم المعلن من البنك المركزى شهرياً أقل من المعدل المعلن من الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
وتابع : يضاف إلى ذلك أن هناك محددات عديدة تحول دون الاستفادة من هذا الانخفاض الكبير ، أولها ضرورة عدم تخفيض الفائدة كإجراء تحوطي بهدف متابعة وترقب مستويات الأسعار خلال المرحلة الحالية والقادمة للوقوف على حقيقة معدل التضخم وانعكاس أثر ارتفاع أسعار الكهرباء والمحروقات والاتصالات على مؤشر أسعار المستهلك من خلال تتبع التغيرات في الأسعار التي يدفعها المستهلكون مقابل سلة من السلع والخدمات بمرور الوقت، أخذاً في الاعتبار إعلان صندوق النقد الدولي بأن الدولة المصرية ملتزمة بإنهاء دعم الوقود كلياً في ديسمبر 2025 وهو اتفاق مسبق مع الصندوق ضمن برنامج الإصلاح الاقتصادي الحالي، والذي يتم مراجعته وصرف الدفعات بناء على مدى تنفيذه في المراجعات الدورية للصندوق.
كما أن البنك المركزي المصري يتبع سياسة التشديد النقدي بمعنى المزيد من رفع معدلات الفائدة أو حتى الإبقاء على ما هي عليه، وفقاً لتوصيات صندوق النقد الدولي في ذلك الشأن باعتبارها أحد أدوات كبح جماح التضخم وسحب السيولة النقدية من السوق، وهو الأمر الذي يجعل قرار التثبيت هو الخيار الأمثل خلال الاجتماع القادم بوجه خاص، والمرحلة المقبلة بوجه عام حتى نهاية النصف الأول من العام ٢٠٢٥ على أدنى تقدير.
وأكد رئيس مركز العدل للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية أن حجم الأموال الساخنة الموجودة حالياً في الدولة المصرية والتي يقترب من ٤٠ مليار دولار، وهي بطبيعتها تبحث عن معدلات الفائدة المرتفعة وبالتالي أي خفض في الفائدة قد يترتب عليه خروج جزء كبير من تلك الأموال آنذاك وهو ما يؤثر على استقرار سعر الصرف وقيمة العملة المحلية مقابل الدولار الأمريكي، لا سيما وأن اتجاه الأسواق الناشئة المجاورة لرفع معدل الفائدة لجذب استثمارات غير مباشرة إليها قد يدفع البنك المركزي المصري لرفع معدلات الفائدة على أدوات الدين قصيرة الأجل، كما أن شهادات الإدخار المطروحة من العام السابق أوشكت على الانتهاء واستحقاق آجالها.
وأشار إلى أن كل ذلك يجعل قرار التثبيت هو الأقرب للتطبيق حفاظاً على عدم خروج هذه الأموال من القطاع المصرفي والاتجاه للدولرة وشراء الدولار ومن ثم عودة السوق الموازي أو شراء الذهب المتوقع أن يشهد مزيد من الارتفاع، كما أن المعطيات والمتغيرات الحالية سواء جيوسياسية أو اقتصادية على المستويين الداخلي والخارجي، تجعل ضرورة وجود حالة من الرصد والتحليل والمتابعة والتقييم، ليكونوا قرار تثبيت معدلات الفائدة هو الأقرب والأصح للتطبيق خلال الاجتماع القادم للجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي المصري ، المقرر له تاريخ 17 إبريل 2025.
وشدد "عادل" قائلا : مما لا شك فيه أن ضبط سوق العملة وعدم وجود السوق الموازية ساهم بدوره في استقرار نسبي لسعر صرف العملة المحلية مقابل الدولار الأمريكي وسلة العملات الأجنبية الأخرى، والسيطرة على أحد أهم أسباب حدوث تغيرات سريعة ومتتالية في سعر الصرف ليبقى التأثير والأثر من خلال العوامل والمتغيرات الأخرى وعلى رأسها قوى العرض والطلب، وهو ما يسمح بمزيد من القدرة على المتابعة والقياس والتوقع المصرفي لتغيرات سعر الصرف على المدى القصير والمتوسط.
التضخم، مؤشرات التضخم، الجهاز المركزي للتعبئة والاحصاء، ارتفاع الأسعار، معدلات النمو الاقتصادي