كتب مدحت صفوت
لم تعد الأصولية قاصرة على التطرف الدينى، وإنما تجاوزت إلى أبعد من ذلك، الأمر الذى يكشف عنه مواقف أعضاء مجلس النواب من الفقرة ومن المادة 98 من قانون العقوبات والمتعلقة بازدراء الأديان، التى انتهت لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية بمجلس النواب إلى رفض مقترح إلغاء الفقرة.
وكانت لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية بمجلس النواب برئاسة المستشار بهاء الدين أبو شقة، خلال اجتماعها المنعقد اليوم الإثنين، رفضت مقترح النائبة آمنة نصير بإلغاء الفقرة ومن المادة 98 من قانون العقوبات والمتعلقة بازدراء الأديان، بعد أن صوّت 20 نائبًا على إبقاء الفقرة فيما وافق 3 آخرين على إلغائها وامتنع النائب جمال الشريف عن التصويت.
ترجع القصة إلى شهر مايو الماضى، حين تقدمت الدكتورة آمنة نصير، عضو مجلس النواب وأستاذة الفقه المقارن بجامعة الأزهر الشريف، بمشروع قانون لحذف الفقرة الخاصة بازدراء الأديان من المادة 98 لقانون العقوبات، مبررة ذلك بـ"من أجل حماية الشريعة الإسلامية وحرية الفكر"، بدت الآراء رافضة لمشروع الأكاديمية الأزهرية من النواب "غير الأزهريين" والمحسوبين "خطأ" على ما يُعرف بالتيار المدنى، وهى مفارقة تؤكد ما بدأناه تقريرنا من انتشار الأصولية وتوغلها فى أغلب فئات المجتمع.
"المقترح المستنير" الذى يدفع نحو مزيد من حريات الرأى والتعبير، لم يجد من يسانده داخل لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية بالبرلمان سوى ثلاثة نواب هم: سوزى ناشد "عضو حزب المصريين الأحرار" وإيهاب الخولى "عضو حزب المحافظين" وأمير سر اللجنة، وعلاء عبد المنعم "مستقل".
مصطفى بكرى النائب الذى عُرف طوال تاريخه بالانتماء إلى الفكر القومى والعروبى، وتبنيه للرؤى الناصرية، بدا هذه المرة أكثر المعارضين عن وجود مادة ازدراء الأديان، محذرا من تكرار الرسوم الدنماركية المسيئة للرسول فى حالة إلغاء تلك المادة، وأنها لا تمنع حرية الفكر والإبداع، بل تحمى المعتقدات الدينية من الازدراء!!
من خلال تتبع الصفات الحزبية للنواب الرافضين وقراءة انتماءاتهم الاجتماعية والاقتصادية ومستوى تحصيلهم "العلمى"، فإننا يمكن أن نتأكد من المنطلق الذى أوردناه فى البداية، فبعد انتشار الأصولية لم يعد مستبعدًا أن يصر نائب وفدى "ليبرالى" على بقاء مادة ازدراء الأديان! أو أن يدافع "قانونى" عن وجودها!، وربما يبدو منطقيا موقف النائب محمد صلاح خليفة عضو حزب النور السلفى وأكثر اتساقًا مع معتقداته وأجندة حزبه الإيديولوجية.
ورفض إلغاء مادة ازدراء الأديان 20 نائبًا من أعضاء اللجنة التشريعية وهم، دعاء الصاوى، حسن بسيونى، خالد حنفى، عبلة الهوارى، مصطفى بكرى، محمد محمود مصطفى سليم، محمد سليم، محمد صلاح خليفة، عبد المنعم العليمى، أبو المعاطى مصطفى، علاء عبد النبى، لطفى شحاتة، محمد مدينة، محمد أبو زيد، سامى رمضان، محمد عطا سليم، نبيل الجمل، أحمد حلمى الشريف، والمستشار بهاء الدين أبو شقة رئيس اللجنة.
بات شبه يقين، أن المجتمع المصرى يعانى من حالة مزمنة من الإفراط فى الأصولية وتفحلها فى الخطابات الدينية الرسمية وغير الرسمية، وأدى ذلك إلى تغول شكل من أشكال الغرام بالاستفتاء فى كافة مناحى الحياة، إلا أن أصبح الفرد لا يتحرك فى مجتمعنا إلا باستفتاء دينى مسبق!، ولا نستثنى أحدًا من الإصابة بالهوس، فأغلب المصريين تدار شئون حياتهم الاجتماعية والسياسية والروحية والشخصية عبر سلطة دينية رسمية أو غيرها، ما يغدو بنا أن نقول بأننا نعيش فى "مجتمع العفريت الدينى"!