بعد شهور من تجاهل الحديث عن الأمر، أعلنت الحكومة المصرية رغبتها فى الحصول على قرض من صندوق النقد الدولى قيمته 12 مليار دولار خلال ثلاث سنوات، وسط شكوك من جدواه على الاقتصاد المصرى، الذى يعانى من تضخم الدين الخارجى الذى يحصل على نصيب الأسد من بنود الموازنة العامة للدولة، وارتفاع قيمة الدولار لمستويات غير مسبوقة.
وجاءت زيارة وفد صندوق النقد الدولى لتعيد مرة أخرى الحديث عن ماهية الشروط التى وضعها الصندوق للموافقة على إقراض مصر ، خاصة فى ظل الإجراءات الاقتصادية الصعبة التى اتخذتها الحكومة بداية من رفع الدعم عن بعض السلع والخدمات، وقانون الخدمة المدنية وقانون ضريبة القيمة المضافة، الأمر الذى دفع عدد من نواب البرلمان لتحذير الحكومة من مهبة الانصياع لشروط الصندوق، مؤكدين أن الفقراء وحدهم سيدفعون ثمن هذه الشروط.
معتز محمود يطالب الحكومة بالبحث عن بدائل لقرض صندوق النقد الدولى
وفى هذا السياق أكد النائب معتز محمود، رئيس لجنة الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية الجديدة بمجلس النواب، ضرورة أن تعتمد الحكومة على بدائل لقرض صندوق النقد الدولى، مثل تعديل قانون الجنسية المصرية، وتعديل القوانين المكبلة للاستثمار وإعفاء المستثمرين فى محافظات الأقاليم.
وقال "محمود" لـ"برلمانى"، إن الحكومة تبرر طلب القرض بوجود أزمة دولارية تستوجب الحصول على القرض، ومحاولة للحصول على ثقة البنك الدولى فى الاقتصاد المصرى، مضيفًا أن بعض أعضاء الحكومة يؤكدون أن القرض الهدف منه سياسى قبل أن يكون اقتصاديًا.
وأضاف "محمود" أن مصر تدفع 240 مليار سنويًا فوائد للديون فقط، ومع ارتفاع قيمة الدولار مقارنة بالجنيه سيزداد عجز الموازنة العامة، مطالبًا الحكومة بالبحث عن بدائل، مؤكدًا أن الحكومة بدأت فى اتخاذ بعض الإجراءات الاقتصادية للحصول على القرض وأهمها الخدمة المدنية وقانون ضريبة القيمة المضافة.
خالد شعبان يحذر من الحكومة من الانصياع لشروط النقد الدولى.. ويؤكد: يدفع ثمنها الفقراء ومحدودى الدخل
فيما حذر النائب خالد عبدالعزيز شعبان، عضو لجنة القوى العاملة بمجلس النواب، من انصياع الحكومة لشروط صندوق النقد الدولى، مشيرًا إلى مصر تمر بأزمة اقتصادية طاحنة لا يمكن معالجتها بأزمة اقتصادية أخرى، قائلًا: "شروط صندوق النقد قاسية وسيدفع ثمنها الفقراء ومحدودى الدخل".
وأوضح "شعبان" لـ"برلمانى"، أن الحكومة بدأت منذ فترة، فى تنفيذ شروط الصندوق، بإجراء إصلاحات اقتصادية منها قانون الخدمة المدنية، ورفع الدعم عن بعض المواد البترولية والكهرباء والمياه، بالإضافة إلى خفض المرتبات، وتحريك الأسعار، وتعويم سعر الجنيه مرة أخرى.
وتابع: "الحكومة لم تعلن حتى اآتن، شروط الصندوق لمنح مصر القرض، الأمر الذى فتح باب التوقعات والاجتهادات، ولكن ما يثار بشأن خصخصة بعض أملاك الدولة أمر فى غاية الخطورة"، مطالبًا الحكومة بصياغة رؤية حول استخدام القرض.
وأشار إلى ضرورة أن تبدأ مصر فى تشغيل عجلة الإنتاج المحلى لتكون بداية نحو انطلاقة اقتصادية ضخمة، مؤكدًا أن الفقراء لن يستمروا فى دفع فاتورة سوء الأحول الاقتصادية فى ظل تمسك المستثمرين فى عدم تحمل مسؤولية أى شىء.
السيد عبدالعال: قرض "النقد الدولى" انعكاس لعجز الحكومة عن تدبير موارد
ومن جانبه قال النائب السيد عبدالعال، عضو لجنة الشؤون الاقتصادية بمجلس النواب، إن زيارة وفد صندوق النقد الدولى غير مرحب بها فى مصر، مشيرًا إلى أن طلب قرض الصندوق يدل على "عجز " الحكومة عن تدبير موارد محلية لمواجهة عجز الموازنة العامة، بالإضافة إلى عدم قدرتها على التحكم فى الميزان التجارى، الذى يحقق عجزًا كبيرًا بين الصادرات والواردات بسبب السياسيات الخاطئة للحكومة فى مجال الصناعة والزراعة والتجارة والخدمات.
وأضاف "عبدالعال" لـ"برلمانى"، أن البسطاء هم من يدفعون ثمن الاتفاق بين لحكومة المصرية وصندوق النقد الدولى حتى الآن، مؤكدًا أن هذا القرض تم رفضه فى وقت سابق عندما طلبت الحكومة مبلغ 4.8 مليار ، وذلك تحت ضغط شعبى.
وتابع: "عندما تدعى الحكومة والصندوق أنه لا توجد شروط للقرض فهو "كذب" لأن الشروط قد تم إقرارها والتزمت بها الحكومة، الخدمة المدنية وتخفيف الجمارك على الواردات وتخفيض الإنفاق الاستثمارى وتخفيض بند الأجور كلها اشتراطات"، لافتًا إلى أن الصندوق يطلب مزيد من الإجراءات.
وأكد "عبدالعال" أن القرض فى جوهره بديل لعجز الحكومة عن تحصيل الضرائب من كبار الرأسماليين الذين يحققون أرباح بالمليارات وغير قادرة على فرض ضريبة إضافية وفشلها فى الوفاء بالتزامات مشروعات التنمية، مؤكدًا أن الصندوق يشترط فرض مزيد من الضرائب المباشرة.
الفقراء يدفعون الثمن.. نائب يطلب استدعاء وزراء المجموعة الاقتصادية بسبب قرض صندوق النقد
وبدوره تقدم عبد الحميد كمال، عضو مجلس النواب عن حزب التجمع بمحافظة السويس، بطلب استدعاء رئيس الحكومة ووزراء المجموعة الاقتصادية لمجلس النواب، بسبب قرض صندوق النقد الدولى.
وقال "كمال" فى بيان له: "أطالب بتوجيه طلب الإحاطة بشكل عاجل إلى رئيس مجلس الوزراء ووزراء المجموعة الاقتصادية حول الأسباب التى دعت الحكومة إلى طلب اقتراض 12 مليار دولار من صندوق النقد الدولى، رغم عدم إعلانها عن ذلك ضمن برنامج وبيان الحكومة أثناء عرضه على مجلس النواب.
وأضاف "ما يحدث يعد مخالفة صارخة وإخفاء للسياسات العامة والاقتصادية، بالإضافة إلى أن شروط صندوق النقد الدولى سوف تحمل الفقراء وأغلبية الشعب المصرى أعباء خطيرة على أسعار الخدمات فى مجالات النقل العام والسكة الحديد ومترو الأنفاق ومياه الشرب والصرف الصحى".
وحذر كمال من هذا القرض وتبعياته الذى سيؤدى إلى زيادة البطالة وجيش العاطلين، وتأثيرات ذلك على الأوضاع المعيشية للمواطنين وعلى عكس تصريحات الحكومة المتكررة بتخفيف الأعباء وتحسين مستوى الحياة للمواطنين.
خبير اقتصادى يحذر من إغراق مصر فى الدين الخارجى.. ويؤكد: لن ينصلح اقتصادنا إلا بالتنمية المستقلة
وبدوره قال الخبير الاقتصادى، رائد سلامة، إن زيارة وفد من صندوق النقد الدولى هذه الزيارة مرتبطة بطلب الحكومة المصرية لاقتراض ١٢ مليار دولار جديدة من الصندوق، قائلًا: "هى زيارة مشؤومة تشبه ما كان يقوم به الدائنون الدوليون أيام الخديوى إسماعيل من تفتيش على المالية المصرية وصندوق الدين".
وأضاف "سلامة" لـ"برلمانى"، أن بعثة الصندوق أتت الآن للتأكد من أن الشروط التى تم وضعها يتم تطبيقها من جانب الحكومة المصرية سواء بتطبيق الضرائب المجحفة وخاصة ضريبة القيمة المضافة ورفع الدعم وتحرير الأسعار وتعويم للعملة والبدء فى الخصخصة ببيع الأصول المملوكة للشعب والاستمرار فى نفس نمط الاقتصاد المصرى البائس.
وتابع: "الاقتصاد بهذا الشكل لا يعد حتى اقتصادًا رأسماليًا لكنه نموذج تابع وتعس جدًا لاقتصاد الخدمات فقط والصندوق بصفته الذراع الاقتصادى لأمريكا يسعى لإغراقنا فى الديون لندخل الى ما أسميه الدائرة الجهنمية للاقتراض والتى بموجبها يغرقونا فى الديون، وعندما يحين ميعاد السداد فإننا لا نستطيع السداد لعدم استخدام هذه الديون فى التنمية ولكن فى سد عجز الموازنة لنعود فنقترض لسداد ما اقترضناه من قبل و هكذا".
وحذر الخبير الاقتصادى من هذا التوجه قائلًا: "أنا أرفض هذا التوجه العام للحكومة وأرفض هذا القرض حيث لن ينصلح وضعنا الاقتصادى دون التنمية المستقلة المتمحورة على الذات التى تحقق اكتفاءً ذاتيًا من السلع و الغذاء و هو ما قدمنا بشأنه دراسات عديدة".