الجمهوريون يحسمون 33 مقعدا من حكام الولايات وبقاء ولايتين للإعادة
حزب "ترامب" يحافظ على 51 مقعدًا بمجلس الشيوخ والإعادة على مقعدين
236 مقعدا للجمهوريين فى مجلس النواب و192 للديمقراطيين و7 فى الإعادة
تفوق واضح للجمهوريين فى 17000 مقعد بمجالس الولايات والمدارس والصحة
إذا كنت ممن استيقظوا اليوم على مفاجأة فوز الجمهورى دونالد ترامب برئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، بفارق كبير عن منافسته الديمقراطية هيلارى كلينتون، وأحدثت المفاجأة أثرها المدهش والصادم فى نفسك، فأنت ممن وقعوا فى فخ "الميديا الأمريكية" نفسها، لا أحد غيرها، وممن تورّطوا فى بروباجندا شركات ومؤسسات قياس اتجاهات الرأى العام، متناسين اتجاهات الرأى العام نفسها، ومنفصلين عن الأصل لصالح التورّط فى الصورة التى اختار المعلنون وأصحاب المصالح السياسية والاقتصادية تصديرها وترويجها عالميًّا، بعيدًا عن معيار الأفضلية وكونها أكثر إنسانية حسب تصوراتنا أو لا، وبعيدًا عن انحيازاتنا الأيديولوجية التى تسوّق لنا أوهام الاقتراب من فصيل أمريكى على حساب آخر، وكأن ليبراليتنا كليبراليتهم، أو اشتراكيينا مثل اشتراكييهم، الحقيقة أن المعادلة مختلفة تمامًا، وأننا هنا والآن، ونحن نتلقى نتائج الانتخابات الأمريكية وتفاصيلها وتبعاتها، نثبت أننا ما زلنا أسرى الصور النمطية، وجاهزون للتلقى والاقتناع والتسليم، ثمّ تبنّى وجهات النظر نفسها، والإيمان بها، والترويج لها والدفاع عنها، والتأثر والصدمة إن جاء الواقع بغير ما دفعونا لتوقعه، واليوم بالفعل فعلها الواقع وجاء على العكس تمامًا.
دونالد ترامب.. اليمينى "غير المنضبط" يهزم الميديا غير المحايدة
ربما لم تشهد الولايات المتحدة الأمريكية مرشّحًا رئاسيًّا بالتركيبة التى يتمتع بها دونالد ترامب، لاعب المصارعة السابق، ورجل الأعمال، والمتحرش الجنسى، والشخص "غير المنضبط" حسبما قال عن نفسه، وهو فى كل هذا يسير وفق منطق دعائى واضح، لا يهرب من معاركه الصغيرة ولا الكبيرة، ويفجر معارك أخرى جانبية طوال الوقت، بل ويسير وكأنه يتعمّد صدمة الرأى العام وخلخلة مفاهيمه وتصوراته، فإذا وُوجه بتهمة العنصرية فإنه يخرج مؤكّدًا عداءه للمهاجرين ورفضه لهم ودعوته لطردهم، وهو فى هذا التصور لا يبتعد كثيرًا عن الرؤية العميقة لليمين الأمريكى، والتأسيس العملى والفكرى للحزب الجمهورى بتوجهاته القومية الأمريكية المحافظة، ويحمل من التذبذب والاضطراب ما يقدم مؤشّرًا كافيًا وكاشفًا لشكل الإدارة الأمريكية خلال السنوات الأربعة الماضية، فإلى جانب أننا قد نكون بصدد رئيس لا يخضع للابتزاز، نحن بصدد شخص فوضوى وغير منضبط، حسبما وصف نفسه، مزاجى ويفعل ما يحلو له فى أى وقت، حتى ولو كان التحرش بالآخرين/ الأخريات، ويمكنه أن يفجر معارك وصراعات جانبية على هامش معركة رئيسية تصب كل تركيزك وطاقتك فيها، ومعه ينبغى أن تكون لاعبًا مختلفًا، بمنطق المصارع الذى يحترف "البيزنس" ويجيد تقديم البرامج، ولا يتحدث بطلاقة، ولكنه لا يصمت ولا يخجل ولا يتراجع.
ربما نكون أمام شخص موتور وغير موضوعى، أو لنقل إنه منحاز وغير حيادى، وهذا أمر كافٍ لإثارة مقدار لا بائس به من القلق والرهبة لدينا، ولكن إن كان الانحياز وسبق الإصرار فى المواقف والأقوال والانحيازات أمرًا مقلقًا من "ترامب" وهو بعد مرشّحًا رئاسيًّا، فالأمر يصبح جناية كبرى وكارثة لا حدود لها حينما تصدق التهمة نفسها فى حق الماكينة الإعلامية، التى يفترض فيها أن تكون تجسيدًا للموضوعية فى وجهها الأولى المفهوم للجميع، أى توازن العرض وعدالة النقل والإخبار، حتى وإن اختارت أن تصطف إلى جانب فريق على حساب فريق، ولكنها فى الانتخابات الأخيرة، التى أُسدِل الستار عليها اليوم، سجّلت سقطة تاريخية كبرى، بانحياز واضح وسافر لمرشح على حساب مرشح، والأدهى أن هذا الانحياز لم يأت من أرضية الاختيار والدعم الواضحين، ولكنه فى جانب منه جاء على أرضية التدليس والتضليل والمغالطة العمدية، فكان فوز "ترامب" اليوم خسارة كبيرة للماكينة الإعلامية الأمريكية، وأدواتها المساعدة من شركات ومؤسسات العلاقات العامة والتسويق واستطلاعات الرأى.
المزاج الأمريكى يتغير.. تَجاوُز الديمقراطيين وتَسليم البلاد للجمهوريين
منذ اللحظة الأولى للسباق الانتخابى كان واضحًا أن الماكينة الإعلامية لا تحب دونالد ترامب، أو لا تأخذ موقفًا موضوعيًّا منه، وبناء عليه تتابعت المشاهد وتكوّنت الصورة موقفًا بعد موقف، لنجد أنفسنا أمام اصطفاف شبه كامل من المؤسسات الإعلامية، المسموعة والمقروءة والمرئية، خلف هيلارى كلينتون وحزبها، أو خلف الحزب الديمقراطى ومرشحتها، ربما لرغبة خالصة فيهما، أو لخوف من دونالد ترامب وما قد يحمله من سياسات يمينية متشدّدة، المهم أن قنوات وصحفًا ومحطات إذاعية ومؤسسات استطلاع رأى وشركات دعاية وعلاقات عامة، جميعها تبنّت هيلارى كلينتون، ودعمتها، وروّجت لها، وهاجمت دونالد ترامب وانتقدته وأخذت موقفًا حادًّا منه، حتى وصلت إلى محطة التوجيه الاستباقى الكامل، بإعلان مؤشرات التقدم الكاسح لـ"كلينتون" واستمرارها على هذه الأسطوانة حتى بدء فرز الأصوات، وربما حتى دقائق أو ساعات قلية من إعلان النتيجة النهائية المفاجئة.
المفارقة المدهشة فى هذا السياق، أن الأمر لم يتوقف على غلبة صوت دونالد ترامب على إيقاع المعركة، ولا تفوقه على الماكينة الإعلامية الضخمة المحتشدة ضده، فالحقيقة أن الأمر لا يرتبط بذكاء أو قدرات خاصة لديه، وربما كان محدودًا على هذه الأصعدة، ولكنه يرتبط بالدرجة الكبرى بتغيّر المزاج الأمريكى، أو الغربى بشكل عام، وشيوع حالة من النزوع إلى "اليمين"، وتصاعد موجات الليبرالية والنيوليبرالية فى مقابل الأصوات اليسارية ومجموعات وأحزاب الاشتراكية الديمقراطية، وهو ما تجلّى واضحًا فى الانتخابات الأمريكية الأخيرة، التى لم تتوقف على ثنائية "ترامب/ كلينتون" فى انتخابات رئاسية يخوضها ثمانية مرشحين، ولكنها شملت تغييرًا كاملاً لمجلس النواب بمقاعده الـ435، وتجديدًا ثلثّيًّا لمجلس الشيوخ بعدد 34 مقعدًا، إضافة إلى 17 ألف مقعد فى المناصب الفيدرالية فى هيئات الولايات ومجلسى "المدارس/ التعليم" والصحة، والصدمة الكبرى إن كنت محتفظًا إلى الآن بجزء من توازنك بعد صدمة فوز "ترامب" ووصوله للبيت الأبيض، أن الأمريكيين سلّموا كل هذه المقاعد، ومفاتيح السلطات المهمة فى الولايات والنظام الفيدرالى، للحزب الجمهورى، الذى حاز إلى الآن 236 مقعدًا فى مجلس النواب مقابل 192 للديمقراطيين، مع تعليق 7 مقاعد حتى الآن من المرجح أن يحسم الجمهوريون 4 منها، كما حسموا 33 مقعدا من مقاعد حكام الولايات مع تعليق ولايتين للإعادة، إضافة إلى 21 مقعدًا فى مجلس الشيوخ لتصل حصتهم الحالية لـ51 مقعدا مع تعليق مقعدين للإعادة، ليتغيّر وجه أمريكا بشكل كامل، على الأقل خلال السنتين المقبلتين، اللتين يحكم فيهما دونالد ترامب بدعم كامل من الكونجرس بغرفتيه، قبل موعد تجديد مجلس النواب وثلث مجلس الشيوخ فى 2018.
دلالة فوز ترامب.. هل نقف على أعتاب مرحلة يمينية عالمية؟
الصدمة التى حملها فوز دونالد ترامب للبعض لا يجب أن تتوقف عند حدود المشهد الأمريكى فى تصورى، فالحقيقة أنه لا يمكن فصل النتيجة التى أحرزها "ترامب" عن تراجع اليسار، أو الاشتراكية الديمقراطية، وتقدم النازيين الجدد ومجانين "مارى لوبان" فى ألمانيا وفرنسا وغيرهما من أقطار العالم الأول، مخزن القيم الرأسمالية المتذبذب بين ماكينته الموثوقة وإنسانيته النازفة، العالم ينقلب على محايثة القيم والأفكار والتوزع الرومانسى بينها، يريد أن يخلص لجنونه وحيوانيته بدلا عن مزج الاقتصادى بالاجتماعى، الذى يخصم من فوائضه، أو بمعنى أدق، يعود العالم إلى يمينيته لمراكمة الثروة والسلطة، التى ستكفى لسبع أو ثمانٍ عجاف مستقبلا، عندما يعود لإنسانيته - بشكل نسبى - فاتحًا درب عبور لليسار ليُهذّب هذه الفوائض ويُهندم الوفرة ويحفظ للماكينة الغربية آخر رمق فى إنسانيتها قبل إزهاقه.
أما عن السبب وراء حالة المدّ اليمينة التى تشهدها أقطاب مهمة فى العالم، فربما تعود إلى الاختلالات الاقتصادية التى تعترى منظومة التجارة العالمية، وخلخلة بنية الاتحاد الأوروبى بخروج بريطانيا واتجاه هولندا ودول أخرى لمسالك مشابهة، ومؤشرات الأداء الاقتصادى الثابتة فى الداخل الأمريكى، وتنامى موجات الأصولية الدينية والمذهبية عالميًّا، وحالة التوتر والصراع السياسى/ العسكرى التى تشهدها مناطق واسعة من خريطة العالم، وهو ما يدفع فى اتجاه مواقف راديكالية أكثر حدّية وجدية فى التعامل مع الصورة الجديدة الناشئة من رحم الأداء الديمقراطى، الذى يراه الجمهوريين متخاذلاً وباهتًا، وربما رآه الأمريكيون انكماشيًّا وخاصمًا من قوة القطب العالمى الأوحد، داخليًّا وخارجيًّا، فاختاروا أن يعيدوا التوازن على طريقتهم، ويلقوا كل البطاقات والمفاتيح فى حِجر الجمهوريين.
على صعيد علاقة المنطقة، ومصر، بالتغيرات السياسية التى تشهدها أمريكا، وما ستتبعها من تغيرات تكتيكية واستراتيجية فى السياسة الخارجية، فالمؤكد بدرجة ما أن حالة من الوفاق والعلاقات الدافئة تنتظر مصر وبعض دول المنطقة مع الولايات المتحدة الأمريكية، على خلفية التوافق الكبير فى الرؤى حول الملفات الحيوية فى المنطقة، وأبرزها الأوضاع فى سوريا والعراق واليمن، والانحياز لإنهائها على أرضية الانتصار للهويات الوطنية والمؤسسات السياسية والإدارية الرسمية، والسعى لتحجيم تنظيم داعش والدول ذات المرجعيات الدينية الراديكالية، ما يعنى أننا قد نجد حليفًا قويًّا لنا فى مسألة إنهاء تهديد داعش لعدد من دول المنطقة، والسيطرة على الجموح الذى تمارسه جماعة الإخوان الإرهابية وداعميها الدوليين، وأبرزهم تركيا وقطر، وبهذا فإن الدولة المصرية ستكسب من وجود "ترامب".
الجملة الأخيرة، والتى أراها موضوعية رغم ما تحمله الصورة من منغصات وإشارات رمادية مقلقة، أن العالم فى حاجة ماسة لليمين، فلكى يدور الترس دورة كاملة على محوره، لا مفر من أن تصل كل سنّ فيه إلى موقع الدفع والاحتكاك، وكى نخرج من أنفاق كثيرة لا حل إلا مع اليمين، وكى يجدد العالم دمه لا حل إلا مع اليمين، وكى نكسر عنق اليمين نفسه - الذى يراه البعض متطرّفًا - فلا حل أيضًا إلا مع اليمين.