الأزهر يحارب المواطنة ويعتبر المدنيون كفارا
وصيتى للبرلمان: لا تعدلوا قانون الأزهر ولا تحولوا شيخه بطلا
السلفيون لا ينفصلون عن الإخوان ولا بد من محاربتهم
منى برنس حرة ولم ترتكب جريمة
أؤيد الرئيس فى انتقاده للإعلام وأقول للهيئات الإعلامية: ورونا الشغل
وزارة الثقافة كلها فساد ويجب مراجعة مجانية التعليم
فى مكتبه بالدور السادس بمقر جريدة الأهرام، يجلس على مكتبه الدكتور جابر عصفور المفكر والكاتب ووزير الثقافة الأسبق، وأمامه ما يزيد عن 20 كتابا، وقبل بدء حديثنا معه تلقى مكالمة هاتفية من أحد الأصدقاء، قال له فى سياق حديثه معه: "أنا خايف على عقول المصريين"، ولكى يكشف سر خوفه مر بنا على مكاتب الدور الذى يجلس به، مشيرا إلى المكاتب قائلا: "لما كنت شاب صغير، كنت آتى إلى هذا الدور، لأتعلم وأنير عقلى، كان يجلس هنا نجيب محفوظ، وهنا كنا يجلس توفيق الحكيم، وهنا لويس عوض، وهنا يوسف إدريس، ولطفى الخولى، وبنت الشاطئ، أنظر الآن وقل لى من فى هذا الدور أو فى مصر كلها على قدر هؤلاء، وعشان كده أنا خايف على عقول المصريين"، ثم عدنا إلى مكتبه وإلى الكتاب الذى كان يقرأه، وكان عنوانه "الإسلام وإنسانية الدولة" للدكتور سعد الدين الهلالى، ثم بدأنا معه هذا الحوار، عن العقل والثقافة والدين وكل مايدور حولهم من أسئلة يسعى الجميع للإجابة عليها وتفسيرها حسب قناعته.
بداية.. ما سر إعجابك الدائم فى أغلب أحاديثك بالدكتور سعد الهلالى، وهل للكتاب الذى تقرأه علاقة بالجدل الدائر حاليا حول شيخ الأزهر؟
أولا إعجابى به سببه أنه الوحيد الذى بيجدد الخطاب الدينى فى مصر، لكن هذا ليس علاقة بأزمة شيخ الأزهر الحالية، لأنى لا أرى فى وقتنا الحالى من يصلح شيخا للأهر، فلم يعد هناك نموذج الشيخ محمد عبده رحمه الله، باستثناء الدكتور محمود حمدى زقزوق، لكن جلوسه على كرسى وزير الأوقاف جعل الجميع لا يراه كمفكر ومجدد، رغم أنه مجددا من الطراز الرفيع.
لكن الأزهر ملىء بالعلماء.. لماذا تستبعدهم رغم علمهم وخبرتهم؟
لأن الأزهر حاليا أقرب لمذهب الأشاعرة.. وهم معروفون أنهم يسمكوا العصا من النصف.. والحال الذى وصلنا إليه والتقهقر الذى أصابنا، جعلنا نحتاج إلى شخصية شجاعة صاحبة نزعة جسورة، وهذا لا يتوفر إلا فى فكر وفلسفة المعتزلة، وهم من أقترب منهم فكر الإمام محمد عبده.
هل ما تقوله معناه أنه لا أمل فى تجديد الخطاب الدينى؟
لا، ما زال هناك أمل، لكن أجهزة إعلام الأزهر تغطى على المستنيرين فيه، ويرفعون شأن واحد مثل عباس شومان وغيره، ويتركون واحدا مثل محمود زقزوق وهو أستاذ شيخ الأزهر نفسه، ويحاربون آخرون أمثال الدكتور أحمد كريمة وسعد الهلالى.
بهذا التحليل، لن يصل إلى كرسى المشيخة من تراه مجددا، أهذا صحيح؟
أنا الحقيقة لم تعد قضيتى من يصلح شيخا للأزهر، أنا قضيتى أصبحت البحث عن تيار كامل مجدد، وليس شيخ الأزهر فقط.
وما صعوبة تحقيق ذلك؟
صعوبته فى أنه للأسف التيار السلفى أخذ صدارة المشهد فى الأزهر، وللأسف أصبح المجتمع كله يتسلف فى كل شىء، وتجديد الخطاب الدينى الحقيقى يبدأ بصراع مباشر مع السلفية التى يمثلونها، لأنها مصدر اعتبار الأقباط أهل ذمة، ومصدر فتوى "لايؤخذ المسلم بدم الذمى"، وهذه فتوى معمول بها فى الفقه الشافعى والمالكى والحنبلى.
لكن مصر على المذهب الحنفى.. والأزهر يعتمده رسميا؟
هذا لحسن حظنا، وهو فعلا الفقه الوحيد الذى يحاسب المسلم على دم الذمى.. لكن المشكلة أن هذا كلاما فقط، لكن ما يحكمنا فعليا السلفية وأغلب الأزهر متسلف، أضف إلى ذلك أن انتشار التيار السلفى فى المجتمع ليس مشروعا، حتى دعمهم لثورة 30 يونيو لم يكن إلا انتهازية، وكونهم حلفاءنا كارثة، لأن ذلك لا يسمح لنا باقتحام قضية تجديد الخطاب الدينى بشكل صحيح.
ألا يجب أن تبقى مؤسسات الدولة بعيدة عن الدين؟
صحيح، لكن يجب أن تعيد الدولة حساباتها مع السلفيين، فهم فئة انتهازية، منذ متى وهم يثورون على حاكم، هذا ليس فى منهجهم وإن جار الحاكم عليهم.
لكن الأزهر فى بيان هيئة كبار العلماء رد على منتقديه بأنهم مدلسون ويزيفون وعى الناس!
الحقيقة أنهم هم من يزيفون وعى الناس، لأنهم يدرسون فى مناهجهم فتاوى وآراء تكفيرية وتؤيد إراقة الدماء، وحجتهم فى عرض كل الآراء الفقهية خاطئة، فكيف يكون من أمانة العلم أن أعرض رأيا يريق الدماء ويقدم أفكارا دموية، وضد كافة الحقوق والثوابت.
لكن الأزهر دائما يؤكد على إيمانه بالمدنية والمواطنة!
هم يعلنون ذلك عندما يكونون فى أزمة وحرج فقط، لكن الحقيقة أن الأزهر وشيخ الأزهر ضد المدنية وضد المواطنة، ونسيوا أن النبى "صلى الله عليه وسلم" صنع أول تجربة دولة مدنية حديثة فى يثرب عندما أرسى قواعد التعايش بين المهاجرين والأنصار والمسيحيين واليهود، لكنهم فى الأزهر يعتبرون من يؤمن بالدولة المدنية كافر أو علمانى، وإذا كانو مؤمنين بها حقا فليلغوا كلمة ذمى من كتبهم وفقههم.
هل تؤيد حرية الاعتقاد بسقفها الأعلى، بما فى ذلك الإلحاد؟
طبعا، ولكن لست مع الدعوة إليه، ولست مع أن يدعو أحد شخصا إلى دين آخر، حتى لا يرتبك المجتمع، فلا يدعو مسلم مسيحى إلى الإسلام ولا العكس، لأن ذلك يدخلنا فى حرب أهلية.
وهل حرية الاعتقاد تتضمن حرية ممارسة الطقوس أيا كانت الديانة.. ولو كانت عبادة الشيطان؟
نعم، وأنا ضد القبض عليهم، ويجب أن نتركهم يمارسوا طقوسهم بحرية، طالما أنهم لايدعون أحدا إليها.
للتأكيد.. هل ما قلته عن المدنية والمواطنة يتضمن شيخ الازهر أيضا؟
نعم، لو سألته سيقول لك أنا مع مدنية الدولة، لكن المشكلة فى الأفعال وليس كلام، لأن شيخ الأزهر محافظ جدا، ولايريد أن يترك ما ألفه وتربى عليه، ولا يريد فتح باب الاجتهاد، وتلك هى مشكلته.
ألا تشعر أبدا أنك متحامل على الأزهر الذى خرج منه علماء كبار مثل الشيخ محمد متولى الشعراوى وحمدى زقزوق والهلالى الذين تضرب بهم المثل فى الاستنارة؟
لا لست متحاملا، لأن الأزهر يتكون من أغلبية تقليدية، يخرج منها أقلية شديدة، تحمل فكرا مختلفا، وهذا لأسباب من خارج الأزهر، مثل طبيعة الشخص وعلاقاته وثقافاته، وليس منهج الأزهر.
لكن البعض يرى أن السيدات فى مجتمعنا سافرات بابتذال وليس باستنارة؟
الحقيقة هذا موجود وهذا موجود، لكن دع أعيننا ترى الحسن وليس القبح، انظر إلى الوزيرات فى الحكومة، انظر إلى أستاذات الجامعة.
بمناسبة أستاذات الجامعة.. هناك نموذج منى برنس.. هل تراه حرية أم ابتذال؟
هذا خارج عن سياق حديثنا.. لكن إجابتى أنها حرة فىيما تفعل ولا أحد يستطيع منعها، هى تريد أن تصدم المجتمع وهذه حريتها، والتحقيق الذى يتم معها لن يثمر عن شىء، لأنه لاعقوبة إلا بجريمة ولا جريمة إلا بقصد جنائى.
نعود إلى مؤسسة الأزهر.. هل توافق بعض التحليلات التى ترى أن هناك صداما بين الأزهر والرئاسة، واتضح بقوة فى قضية الطلاق الشفهى؟
لا أرى ذلك مطلقا.. كل الحكاية كلام فى كلام، لكن فى قضية الطلاق الشفهى الرئيس كان معه كل الحق، وهذا يؤكد حرص الرئيس على تجديد الخطاب الدينى اكثر من الازهر وشيخ الأزهر نفسه.
وهل يجب أن يكون للرئيس علاقة بالخطاب الدينى وتجديده والخوض فى تلك التفاصيل؟
طبعا، لأنه يرعى مصالح المجتمع، الرئيس السيسى مجدد أكثر من الأزهر وشيخ الأزهر، لأن ضرورة الحياة تقتضى خدمة الدين لأهداف الحفاظ على الأسرة، وهو ما يطلب الرئيس مراعاته فى حين رفض ذلك الأزهر وشيخه، وهنا أنا مع الرئيس ضد الأزهر.
البعض يطرح سيناريوهات لحل الأزمة مثل تعديل قانون الأزهر أو عزل شيخ الأزهر؟
لا "أوعى حد يقربله"، لا بتعديل القانون ولا الدستور ولا عزله، ويفضل فى منصبه لآخر الحياة شيخا للأزهر، والحل أن تستمر حملات التقويم والنقد ونواجهه بأخطائه حتى يستجيب، أو يستقيل، لكن عزل شيخ الأزهر سيكون بابا ينهمر منه جحيم لا حدد له، لأنك ستحول شيخ الازهر لبطل، وسيصبح مجلس النواب كالدبة التى قتلت صاحبها؟
هل لك علاقة مباشرة بشيخ الأزهر؟
طبعا، وأعتبره صديقا، وأتحدث معه فى كل تلك الأمور، وأخوض معه جدلا كبير، وأنا أتذكر قضية تحريم ظهور الأنبياء فى السينما، وقلت له إنى أرى أن تلك الأفلام تدفع للإيمان، وفيلم آلام المسيح دليل على ذلك، لأنك ترى كم تعذب المسيح من أجل رسالته السماوية.
وهل أنت مع تجسيد النبى محمد؟
لا النبى محمد لا.. لأن له خصوصية عند المسلمين، لكن أصحاب الديانات الأخرى من حقهم تجسيد أنبيائهم.
هناك قانون يتم مناقشته فى مجلس النواب لضبط الفتوى وقصرها على الأزهر ودار الإفتاء.. هل توافق عليه؟
أنا أرى أن الفتوى ليست حكرا على أحد، والاستجابة للفتوى حرية شخصية، ولا إجبار فيها.
وما رأيك فى أداء الحكومة؟
بالنسبالى كله زى بعضه، الفرق الوحيد أن تأتى حكومة تنهض بالتعليم والثقافة والصحة، كل ما غير ذلك لن يفرق بالنسبة لى.
وماذا فعلت أنت وقت توليك لوزارة الثقافة؟
خضت حربا شرسة ضد الفساد، وكتبت تصورا كاملا لما يجب أن تكون عليه الوزارة فى مصر، وكان يمكن لهذا التصور أن يغير وجه الثقافة المصرية فى 10 سنوات، لكنى تركت منصبى بعد 9 أشهر ولم أتمكن من تنفيذه.
تتحدث عن الفساد فى وزارة الثقافة.. هل قضيت عليه؟
لا بالطبع، الفساد متجذر ويحتاج مواجهة شاملة ومستمرة، لكنى خضت حروبا قوية مع أكثر من قيادة فاسدة بالوزارة وأحلت أحدهم للنيابة العامة.
وهل تستطيع وزارة الثقافة بوضعها الحالى أن تكون فاعلا فى تجديد الخطاب الدينى؟
لا طبعا مش هتقدر، لكن إذا طبقنا التصور الذى وضعته سكتون فاعلة وبقوة.
هل بسبب أداء الوزير الحالى حلمى النمنم؟
لا خالص، حلمى النمنم أدائه جيد، لكن الملف ده بكل مشاكله لابد أن يكون توجها من الرئيس السيسى شخصيا، وأن يتبناه كشمروع قومى.
وهل دور الرئيس أن يتبنى الثقافة والخطاب الدينى وكل هذه القضايا الفكرية بالأساس؟
للأسف هناك ملفات قدر الرئيس أنها لن تتم إلا بتحرك مباشر منه.
وماذا عن أوضاع التعليم، وهل أنت تؤيد مقترحات إلغاء مجانية التعليم؟
أنا لست مع استمرارها بوضعها الحالى ولست مع إلغائها كاملة، لكنى مع وضع شروط للمجانية، بحيث لا يتمتع بها إلا المتفوقين.
ما رأيك فى تشكيل قيادات الهيئات الإعلامية الجديدة؟
الأسماء بعضها جيد، لكن أنا عايز أقولهم ورونا الشغل، لأن المؤسسات القومية وماسبيرو خرابات، إذا استطاعوا انقاذ تلك المؤسسات هضرب لهم تعظيم سلام.
وما تقييمك لأداء الإعلام الخاص؟
الحقيقة أنه أصبح عبئا، ودوره سلبى ولا يقدم إعلاما تنويريا، ويعتمد على المكاسب المادية فقط، حتى أننى لا أشاهد أيا من البرامج المسائية، فقط نشرات الاخبار، والأفلام الأجنبى.
إذا أنت تؤيد موقف الرئيس السيسى الذى يبدو غير راضيا عن الإعلام؟
الإعلام دوره فى غاية الأهمية لكنه للأسف لا يقوم به، ودى وجهة نظر من منطلق وطنى جدا، وأنا أدعم الرئيس فى هذا الموقف أيضا.
وهل أنت متفائل بفكرة تشكيل المجلس الأعلى لمكافحة الإرهاب؟
جدا جدا جدا، لأن الحقيقة أنا كان نفسى أقول للرئيس من زمان إنك طول ما أنت معتمد على إن اللى هيصلح الخطاب الدينى هو الأزهر، يبقى مش هتشوف فايدة، لأن الأزهر هو سبب الكارثة، ولايمكن هو اللى يحلها، لكن هذا المجلس قد يغير من الواقع إذا استطاع جمع المستنيرين وأصحاب الخبرات والأمنيين والدعاة المجددين.
أخيرا.. ما وصيتك للرئيس بعد 3 سنوات من حكمه؟
وصيتى له عقول المصريين المنتهكة، وأن يراجع ما تم فى السنوات الماضية، واعتقد أنها كانت أصعب ثلاث سنوات بحياته، ربنا يكون فى عونه، والحقيقة أن مصر ليس أمامها بديل غيره، لأنه رجل مخلص ووطنى، وهذا مانجتاجه الفترة المقبلة، وصوتى سيكون له رئيسا لفترة ثانية.