يوما بعد يوم يعمل أمير الإرهاب، تميم بن حمد آل ثانى، حاكم دويلة قطر، على تعميق الجراح مع محيط إمارته عربيا، خاصة بعد أن أعلن عن زيارته إلى طهران للمشاركة فى مراسم حفل تنصيب الرئيس الإيرانى حسن روحانى لولاية رئاسية ثانية يوم السبت المقبل 5 أغسطس، فضلا عن مطالبة حكومته بتدويل مناسك الحج.
أسباب تميم لتعميق الأزمة
بات واضحا أن الدوحة لديها رغبة محمومة فى تعميق الأزمة القطرية ـ العربية، وتوسيع نطاق الاختلاف وتحويله إلى خلاف يتخذ فى أحد أشكاله صراعا عربيا ـ إقليميا مع دول الجوار الكبرى وعلى رأسها تركيا وإيران.
إضافة إلى ذلك يريد تميم، ليس الخروج من مجلس التعاون لدول الخليج العربى، بل إفشال المجلس وتقويض دوره فى رعاية الأمن والسلم الخليجيين، وبدا أنه بالاتفاق مع الإيرانيين يسعى إلى إنشاء كيان موازى للمجلس يكون بمثابة "حلف بغداد"، ولذلك طالعنا السفير الإيرانى السابق فى الدوحة، عبد الله سهرابى، يقول فى وسائل الإعلام الإيرانية الرسمية إن "رفض قطر لوصاية السعودية يعد معطفا وبداية لانهيار مجلس التعاون الخليجى".
وفقا لتلك الرؤية يتضح الغرض الأساسى من المغامرات القطرية فى الإقليم وما بات يعرف بـ"المهاترات" السياسية والمكايدات الإقليمية وعلى رأسها الذهاب إلى طهران لأول مرة منذ تولى تميم إمارة البلاد فى 25 يونيو من العام 2013م.
ولو كان تميم، لديه رغبة حقيقية فى بناء علاقات على المستوى الاستراتيجى مع إيران بعيدا عن المناكفات والمكايدات والخروج عن الإجماع العربى فى كل المناسبات، لكان شارك فى حفل تنصيب روحانى رئيسا بالدورة الأولى فى أغسطس من العام 2013 خاصة أنه كان قد أمضى أكثر من شهر وعشرة أيام فى قمة السلطة بالإمارة.
ومع كل ذلك تعطى الوقائع انطباعا جوهريا عن أن الأمير القطرى الذى سيذهب للمرة الأولى إلى طهران، يستغل الطموح الإيرانى فى الإقليم ويلعب على كل التناقضات لإحراج مركز أشقائه العرب فى سجالهم التاريخى والراهن مع اللاعب الفارسى لدرجة جعلت السياسيين الإيرانيين يتبنون مواقف مؤيدة للخط القطرى بالرغم من سلوك الدوحة الذى بات مزعجا لصناع السياسيات فى طهران أكثر من أى وقت مضى، لاسيما مع الاستدعاء القطرى لقوات أجنبية غير خليجية للمرة الأولى فى تاريخ المنطقة ممثلة فى القوات التركية وهو الشىء غير المسموح به فى السياسة الإيرانية.
بالغوص فى العقلية الاستراتيجية الإيرانى ندرك أن إيران لا تقبل أن تلعب دورا هامشيا فى قطر بعد الدور التركى، ولذلك تعاير إيران باستمرار قطر على انضوائها سابقا تحت اللواء العربى والإجماع الخليجى، ولا أدل على ذلك من الإعلان الإيرانى عن المناكفة مع السعودية لحساب قطر من خلال قول قائد مقر الدفاع الجوى الإيرانى العميد فرزاد إسماعيلى إن "طهران لن تسمح للطائرات السعودية بالعبور من الأجواء الإيرانية".
وبالغ العميد إسماعيلى فى المعايرة لقطر، قائلا: "إن بلدا كقطر اصطف مع السعودية ومن يدور فى فلكها منذ سنوات والآن انظروا كيف أغلقوا المنافذ البرية والبحرية والجوية أمام القطريين"، وفق ما نقلته وكالة الأنباء الإيرانية شبه الرسمية "مهر".
فى هذا السياق أيضا طالب رحمت إله مه أبادى، المدير التنفيذى للمطارات والملاحة الجوية الإيرانية، الدوحة بحفظ الجميل وتذكر دائما أن إيران فتحت أجواءها الجوية أمام الطيران القطرى من دون مقابل مادى رغم الثروة الطائلة التى تتمتع بها الإمارة الخليجية التى تعد أضخم منتج ومصدر للغاز الطبيعى المسال فى العالم، والتى يبلغ احتياطيها النقدى بالإضافة إلى رؤوس الأموال قرب التريليون دولار.
وقال المسؤول الإيرانى رفيع المستوى إن على إيران تذكير الدوحة بضرورة حفظ الجميل لفتح أجوائها أمام قطر، بعد يوم الخامس من يونيو الماضى إذ قررت مجموعة من الدول العربية مطالبة قطر بالكف عن تمويلها الإرهاب ونشر العنف فى الإقليم.
بين التنصيب والتدويل
اللافت فى السلوك القطرى أنه ليس اعتباطيا ولا يخرج من تلقاء هوى النفس، بل هو خطوات مدروسة تريد قطر منها توسيع نطاق الأزمة مستغلة فى ذلك كل ما يمكنها من أوراق بطرق سياسية شريفة أو غير ذلك من الطرق، والدليل على هذا دعوات الدوحة لتدويل مناسك الحج تقليدا للإيرانيين الذين طالبوا بذلك فى الأعوام الماضية.
ويستهدف نظام الحمدين الحاكم فى قطر من هذه الدعوة إسقاط عدد من العصافير بحجر واحد، أولا: التماهى مع الموقف الإيرانى وإقناع طهران بتطابق وجهات النظر الإيرانية والقطرية حول هذه المسألة ومن ثم الحصول على أكبر قدر من المكاسب عن طريق اللاعب الإيرانى. ثانيا: الخصم من الرصيد المعنوى الهائل الذى تحظى به المملكة العربية السعودية لدى العالم الإسلامى ككل والذى يرجح كفتها فى أى منافسة سياسية وهو الأمر الذى يجعل قطر بالغة الضآلة بالقياس إلى المكانة الروحية والسياسية والإستراتيجية العظمى للمملكة. ثالثا: إخراج الأزمة القطرية ـ العربية عن نطاقها السياسى وتحويلها إلى أزمة دينية، تكون أطراف دولية مثل منظمة الأمم المتحدة طرفا فيها.
وبات معلنا أن تميم سيشارك فى حفل تنصيب روحانى، رغم توقيعه على بيان القمة الإسلامية ـ الأمريكية، التى اعتبرت إيران دولة راعية للإرهاب، فهل يعى الأمير أن تلك المشاركة تتناقض مع توقيعه على البيان الختامى للقمة التى عقدت فى 21 مايو الماضى؟ أم إنه يريد الهروب إلى الأمام واللعب بالكروت المكشوفة أمام أشقائه العرب وأمام اللاعبين الإقليميين والدوليين على حد سواء؟!