بمناورات لا تعرف خطوطاً للنهاية وتعجز عن أن تجد طريقاً للعودة.. تسير العلاقات الأمريكية القطرية من سيئ إلى أسوأ منذ تنصيب الرئيس الأمريكى دونالد ترامب يناير الماضى، خلفاً للرئيس السابق باراك أوباما الذى ارتبط بعلاقات وثيقة مع نظام تميم بن حمد الذى تسبب عبر وكلائه فى العديد من الاضطرابات والأزمات فى الدول العربية ومناطق النزاعات فى الشرق الأوسط.
ومن الجفاء إلى المواجهة، دخلت العلاقات بين إدارة ترامب، وقطر ـ الراعى الأول للإرهاب فى المنطقة ـ مرحلة جديدة خاصة بعدما أعلن الرئيس الأمريكى انحيازه للمطالب العربية المشروعة التى قررت من خلالها كل من مصر والمملكة العربية السعودية والإمارات والبحرين التصدى لممارسات تنظيم الحمدين الإرهاب الذى يؤوى جماعات إرهابية متطرفة من بينها الإخوان والقاعدة وداعش وطالبان.
وعلى مدار شهرين من المواجهة الصريحة بين واشنطن والدوحة، خرجت العديد من مراكز الأبحاث والصحف الأمريكية الكبرى بدعوات جادة لمراجعة العلاقات بين البلدين لما تمثله قطر من تهديد على الأمن القومى الإقليمى والدولى.
وقبل أقل من أسبوع، عقد الكونجرس جلسة تاريخية لمناقشة دور قطر فى دعم الإرهاب والكيانات المتطرفة، حيث طرحت إيلانا روز ليتنين، رئيسة لجنة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا المنبثقة عن لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكى، أثناء جلسة اللجنة، تساؤلات جديدة بشأن مدى ملائمة قطر لاستضافة القاعدة الجوية الأمريكية "العديد" فى ظل فشلها فى التحرك ضد ممولى الإرهاب، موضحة أن دور نقل تمويل للإرهابيين أو فشلها فى منع الآخرين من إرسال أموال للجماعات المحظورة، يجب أن يثير تساؤلات بشأن استمرار الوجود العسكرى الأمريكى فيها.
وقالت روز: "لا يمكننا أن نسمح بأن تستغل قاعدتنا كوسيلة لتبرير هذا النوع من السلوك.. لقد عرف عن قطر، كونها بيئة متسامحة مع تمويل الإرهاب.. وبحسب تقارير فهى مولت منظمات مدرجة على قائمة الإرهاب الأمريكية بالإضافة إلى مجاميع عدة متطرفة تنشط فى سوريا".
وأوضحت أن السعودية والإمارات العربية حاولتا إثناء قطر عن هذه الممارسات منذ فترة طويلة، مستطردة: "كاترين باور وهى موظفة سابقة رفيعة المستوى فى وزارة الخزانة الأمريكية قالت مؤخرًا فى محاضرة ألقتها، إن المملكة العربية السعودية والإمارات حاولتا لفترة طويلة من الزمن إيقاف تصرفات قطر فيما يخص تمويل الإرهاب.
وفى السياق ذاته، تحدث جوناثان سكانزر، نائب رئيس مركز الدفاع عن الديمقراطيات البحثى الأمريكى، فى شهادته أمام اللجنة عن دعم قطر للكيانات الإرهابية ودعمها للجهاديين فى سوريا وليبيا وللإخوان وطالبان، مشيرًا إلى أن دعمها لمثل هذه الكيانات مزعج على وجه التحديد فى ظل استضافتها للقاعدة العسكرية الأمريكية التى تشن منها واشنطن عملياتها على الإرهاب.
وأكد سكانزر، على أن قطر استغلت ثروتها الهائلة وقوتها الناعمة لتقويض المصالح الأمريكية بما فى ذلك حلفاء أمريكا، مضيفًا أنه عندما واجهت الولايات المتحدة الدوحة فى هذا صلتها بالإرهاب كان الرد القطرى متراخيا أو مقللًا من أهميته.
وأوضح سكانزر أن قطر عملت من أجل القاعدة فى سوريا، ووعدت بتقديم دعم مالى إضافة لو قامت جبهة النصرة بتغير علاقتها بالقاعدة وأن تنأى بنفسها عن التنظيم الإرهابى، حيث رصد أيضا فشل قطر فى ملاحقة أى من ممولى الإرهاب لاسيما من يقومون بتمويل القاعدة، مشيرًا إلى أن مسئولى وزارة الخزانة وثقوا هذا الأمر ففى مارس 2014 على سبيل المثال وصف مساعد وزير الخزانة للاستخبارات المالية والإرهاب ديفيد كوهين قطر بأنها متساهلة قضائيا مع ممولى الإرهاب، واتهم الدوحة فى أكتوبر هذا العام بمنح حصانة قضائية لأبرز ممولى الإرهاب ومنهم خليفة الصبيحى وعبد الرحمن النعيمى القطريين اللذين يواجهان اتهامات من الأمم المتحدة والولايات المتحدة لجمع ملايين الدولارات لصالح القاعدة.
وفيما يتعلق بدعم قطر للإخوان، قال سكانزر، إنها سبب الخلاف الحالى سببه هذا الدعم، موضحًا أن وجود الإخوان فى قطر يعود إلى عام 1974، عندا أراد الطلاب الذين درسوا فى دول مثل الكويت ومصر تشكيل فصل خاص بهم من هذا التنظيم، ومنذ هذا الوقت استضافت قطر قادة الحركة ودعمت أنشطتها الإقليمية لاسيما منذ اندلاع العربى، مشيرًا إلى أن قطر استثمرت 18 مليار دولار فى مصر عقب وصول الإخوان للحكم، وقدمت أموال لحزب النهضة فى تونس.
ودعا الخبير الأمريكى، فى شهادته الولايات المتحدة إلى البحث عن بدائل أخرى للقاعدة العسكرية الأمريكية فى الدوحة، على الأقل لتمنح واشنطن حرية كافية فى الضغط على الدوحة عندما تخطئ، موضحًا أنه من غير المعقول أن تكون هناك قاعدة أمريكية جوية تقوم بعمليات على بعد أميال قليلة من عناصر حماس والدوحة الموجوين فى قطر، ومن بين البدائل التى طرحها قاعدة الظفرة فى الإمارات الواقعة جنوب شرق أبو ظبى، وقاعدة الشهيد موفق الجوية فى الأردن والتى لعبت دورا فى الحرب على داعش، وقاعدة الشيخ عيسى الجوية فى البحرين، ومطار أربيل الدولى بكردستان العراق.
وقدم سكانزر فى النهاية عدة توصيات للسياسة الأمريكية إزاء قطر، وقال إن على الكونجرس أن يبحث تشريعات يفرض رقابة مشددة على تمويل قطر للإرهاب.
من ناحية أخرى، قال إيلان جولدنبرج، مدير برنامج الشرق الأوسط بمركز أمن أمريكى جديد، إن قطر تمثل شريكًا معقدا للولايات المتحدة، فمن ناحية اتبعت سياسة تتضمن بناء علاقات مع عدد من الأطراف التى تجدها الولايات المتحدة مقلقة للغاية منها الجماعات المتطرفة فى سوريا وطالبان وحماس والإخوان، ومن ناحية أخرى، تستضيف قاعدة جوية أمريكية، كما أن تعاملها مع هذه الأطراف جعلها طرف اتصال مفيد عندما تكون الدبلوماسية مطلوبة.
وفيما يتعلق بالأزمة الحالية بين قطر ودول الخليج، دعا جولدنبرج إدارة ترامب إلى اتخاذ عدة خطوات لتعديل سياستها الحالية فى التعامل معها، أولها أن يكون لديها رسالة واحدة لجميع شركائها، فلا يمكن أن ينتقد الرئيس قطر علانية فى الوقت الذى يقوم فيه وزير خارجيته بدور الوسيط.
ومن الكونجرس إلى معهد هادسون الأمريكى للدراسات لم تختلف الإدانات أو المطالب بقطع العلاقات مع قطر، حيث نظم باحثون وخبراء أمريكيون وعرب حلقة نقاشية للإجابة على سؤال: "كيف مولت قطر الإرهاب فى الشرق الأوسط"، أكد خلالها المشاركون على أن نظام تميم بن حمد يحمل مسئولية الأزمة القائمة والتى تقترب من دخول شهرها الثانى بين الدوحة والدول العربية الداعية لمواجهة الإرهاب الممول من قطر، مؤكدين أن الدوحة مولت منذ عام 1995 كيانات وتنظيمات إرهابية من بينها جماعة الإخوان والقاعدة، ومؤخراً تنظيم داعش الإرهابى.
وقال خالد، الباحث بمعهد رفيق الحريرى، خلال مشاركته فى الحلقة النقاشية إن قطر دولة صغيرة يعيش على أراضيها ما 200 ألف قطرى فقط، بخلاف الجنسيات الأخرى، مشيراً إلى أنها لعبت منذ بداية الانقلاب داخل الإمارة عام 1995 على القيام بدور مشبوه تجاه دول المنطقة كافة.
وأضاف فى كلمته أن قطر تقوم بالعديد من المغامرات غير المحسوبة على الصعيد السياسى وعلى صعيد تسليح الكيانات المتطرفة كما هو الحال فى ليبيا واليمن، فضلاً عن تمويلها تنظيم حزب الله اللبنانى بملايين الدولارات، وتمويل تنظيم القاعدة للقيام بعمليات على الحدود السعودية.
واستنكر الباحث فى كلمته إيواء قطر لجماعة الإخوان واستضافة قياداتها، إلا أنه أكد فى الوقت نفسه أن الحكومة القطرية لا تخشى على نفسها من التنظيم نظراً لأن مواطنيها على قدر عالى من المستوى الاقتصادى ومن المستبعد أن يستجيبوا لخطاب الجماعة القائم على العنف.
وعلى مدار 60 يوما من المراوغة بين واشنطن والدوحة، توالت دعوات قطع العلاقات ما دفع مجلة فوربس الشهيرة إلى طرح السؤال الشائك "متى تقطع الولايات المتحدة علاقتها مع إمارة قطر"، وتؤكد أن قرار الدول العربية الداعية لمواجهة الإرهاب الممول من تنظيم الحمدين تكشف أن العرب لم يعودوا يتحملون استمرار قطر فى تقديم الدعم المالى والغطاء السياسى للكيانات الإرهابية التى تثير النزاعات فى دول الشرق الأوسط، فيما دعت دورية فورين بوليسى لقطع العلاقات أو مراجعتها بدقة على أقل تقدير، معتبره أن سياسات الإمارة ومواقفها "ذات وجهين"، فى الوقت الذى وصفت فيه صحيفة نيويورك بوست نظام تميم بن حمد بالممول الرئيسى للكيانات الإرهابية، معتبره أن عدم قيام إدارة الرئيس الأسبق جورج بوش، والسابق باراك أوباما ، بإدارج قطر ضمن قائمة الدول الراعية للإرهاب كان خطأ جسيم.
ورغم إدانة ترامب الصريحة للدور الذى تلعبه الدوحة فى دعم وتمويل الإرهاب، ونقل الخلاف من الغرف المغلقة فى البيت الأبيض إلى العلن قبل شهرين ، ورغم الدعوات المتتالية لقطع العلاقات، إلا أن الدور الذى يلعبه وزير الخارجية الأمريكى ريكس تيلرسون، الرئيس السابق لشركة إيكسون موبيل النفطية والذى يرتبط بعلاقات وثيقة مع مسئولين ورجال الأعمال القطريين، قوض الكثير من التحرك الأمريكى لقطع العلاقات مع قطر.
وحاول وزير الخارجية الأمريكى الذى أجرى قبل أسابيع جولة خليجية للوساطة فى الأزمة دون جدوى الترويج للرؤية القطرية عبر محافل إقليمية ودولية عدة، الأمر الذى دفع وسائل إعلام أمريكية ومراكز أبحاث إلى الكشف عن جذور علاقاتها القديمة مع الإمارة الراعية للإرهاب قبل توليه منصبه.
وفى الوقت الذى كشفت فيه منظمة كلاريون الأمريكية للدراسات تفاصيل علاقة تيلرسون بالقطريين وعضويته السابقة فى مجلس الأعمال الأمريكى القطرى، ذكرت شبكة سى إن إن الأمريكية نقلاً عن مصدرين بالإدارة الأمريكية تأكيدهم أن تيلرسون يعتزم التقدم باستقالته ومغادرة منصبه قبل نهاية العام الجارى.
وبعد 60 يوما من المواجهة والمراوغة بين واشنطن والدوحة، كشف مراقبون وتقارير إعلام غربية وجود انقسام داخل الإدارة الأمريكية، موضحين أن ترامب ومستشاريه يميلون إلى فرض عقوبات صارمة على نظام تميم بن حمد، مقابل وزير الخارجية الذى يميل إلى حلول أقل حدة، ويتبنى الرؤية القطرية على حساب الدول العربية الداعية لمواجهة الإرهاب الممول من الدوحة.
إلا أن مراقبون أكدوا أن خروج تيلرسون الوشيك ربما يكون بمثابة رصاصة الرحمة التى تنهى العلاقات الأمريكية ـ القطرية بغير رجعة فى ظل تمسك الدول العربية الكبرى بمواقفها من مقاطعة الدوحة وفرض رقابة على مسارات تمويلها ودعمها للإرهاب.