وتستقبل اللجنة مذكرات بالملاحظات على هذه التعديلات من الفئات الثلاثة التى عقدت لها جلسات استماع خلال شهر أغسطس الجارى ( القضاة، وأساتذة القانون بالجامعات، والمحامين )، وذلك وصولاً إلى صيغة نهائية للمشروع الذى أعدته الحكومة ووافق عليه مجلس الوزراء فى مايو الماضى.
كثير من الأوصاف أطلقت على هذه التعديلات سواء من ناحية الحكومة أو النواب وأيضا كافة المختصين الذين شاركوا فى ورش العمل الخاصة بإعداد هذا المشروع ( عقدت فى يناير الماضى )، من نوعية أنها التعديلات الأضخم والأوسع والأهم منذ نشأة قانون الإجراءات الجنائية عام 1950 ، وربما تكون هذه الأوصاف حقيقة نظراً لما يحويه المشروع من تعديلات كثيرة وجوهرية، منها ما يغير شكل النظام القضائى، وذلك تنفيذاً لمواد دستور 2014، لكن الشواهد هنا تؤكد أن الفترة القادمة فى المناقشات سوف تشهد الكثير من الخلاف والجدل حول مواد بعينها، ربما ليست كثيرة ولكنها مواد جوهرية، من المتوقع أن تفجر خلافاً سواء بين النواب وبعضهم أو بينهم وبين المختصين لوجود أكثر من رأى حولها.
سماع الشهود وجعل القرار سلطة تقديرية للمحكمة
فى 10 أبريل الماضى وافق مجلس النواب على تعديل المادة ( 277 ) من قانون الإجراءات الجنائية ضمن 5 مواد أخرى فى القانون من خلال مشروع قدمه عدد من النواب، وتم التصديق عليها ونشرت بالجريدة الرسمية بتاريخ 27 أبريل الماضى، وهو التعديل الذى جعل من سماع الشهود فى القضية أمر يرجع لسلطة وتقدير المحكمة، بحيث يمكنها عدم الالتزام بسماع جميع الشهود، مع إلزامها بأن تسبب ذلك فى حكمها.
ويهدف التعديل بحسب ما قال النواب إلى تحقيق العدالة الناجزة، مفسرين أن المحكمة كانت تظل بالشهور تستمع فقط للشهود الذى يمكن أن يصل عددهم فى بعض القضايا لمئات الأشخاص، فضلاً عن استخدام المحامين لهذا الأمر لإطالة أمد القضية فى المحكمة، بينما جاء فى مشروع الحكومة الذى يناقش حالياً باللجنة التشريعية بالبرلمان، صيغة مغايرة للتعديل الذى صدر بالفعل على هذه المادة، حيث ألزم المحكمة بأنه فى حال إذا ما أصر الدفاع على سماع شاهد بعينه أن تأتى به، وفى حال إذا ما لم تأتى به عليها أن تكتب فى حيثياتها السبب.
وهنا فى مشروع الحكومة حاول أن يجد توازن فى مساءلة السماع للشهود بدلاً من أن يترك الأمر برمته لسلطة المحكمة، خاصة وأنه سبق لقسم التشريع بمجلس الدولة رفض هذا التعديل مرتين، كما أنه عكس المستقر به لدى محكمتى النقض والدستورية العليا.
ولذلك فإن ما يخص الاستماع للشهود سيصبح محل جدل وخلاف خلال المناقشات القادمة خاصة مع اختلاف بين ما أقره مجلس النواب من قبل، وبين ما هو موجود فى مشروع الحكومة.
جواز حضور المحامى بتوكيل عن المتهم غيابياً فى قضايا الجنايات
ووافق أيضا مجلس النواب على هذا التعديل فى المشروع المقدم من النواب، السابق ذكره، لكن الأمر سيظل محل خلاف خلال المناقشات القادمة، حيث أن هناك وجهتين نظر حول هذا التعديل، الأول الذى يتبناه النواب من أن هذا التعديل يأتى لمعالجة أزمة الأحكام الغيابية، بجعل حضور الوكيل الخاص يعتبر حضور للمتهم، وحال صدور حكم يكون حضورياً وليس غيابيا، كما هو كان يحدث، وهو أمر يختصر من الإجراءات التى تتعلق بإعادة المحاكمة من جديد.
وواجه هذا التعديل ( الصادر فى نهاية أبريل الماضى ) صدام على أرض الواقع، ففى بداية تطبيقه رفضت محكمة جنايات دمنهور ( مايو الماضى ) إثبات حضور المحامى عن المتهم غيابيا فى أحد القضايا، بل أن رئيس الدائرة أحال هذا التعديل للمحكمة الدستورية لما أرتأه من شبهة عدم دستورية به، فى حين طبقت محاكم أخرى التعديل وأثبتت حضور المحامين غيابياً عن المتهمين فى الجنايات.
ومن المتوقع أن ينفجر هذا الخلاف مجدداً خلال المناقشات القادمة، خاصة وأن هناك عدد من القضاة يرفضون التعديل.
جمع النيابة بين سلطة الاتهام والتحقيق
بالرغم من أن المادة ( 189 ) من الدستور نصت على أن النيابة هى صاحبة سلطة الاتهام والتحقيق، إلا أن المناقشات الأخيرة باللجنة التشريعية بالبرلمان أفرزت عن اتجاه لدى النواب وبعض المشاركين فى جلسات الاستماع بضرورة النص على ما يسمى بـ "مستشار الإحالة"، بحيث يتم انتداب قاضى فى أى دعوى تحال إليه ما تنتهى إليه النيابة من تحقيقات ليقرر هو فى النهاية إذا ما كانت الدعوى ستتم إحالتها للمحاكمة من عدمه.
مشروع الحكومة فى هذه الجزئية الذى لازال محل مناقشة ، أبقى على أن تجمع النيابة بين سلطتى الاتهام والتحقيق، إلا أن كثير من أعضاء اللجنة التشريعية بالبرلمان يتبنون اتجاه وجود "مستشار الإحالة" بمبرر أنه لا يجوز للنيابة العامة أن تكون خصم وحكم فى ذات الوقت، كما أنه فى أى نظام قضائى بأى دولة لا تجمع النيابة بين السلطتين.
ومن المتوقع أن تشهد هذه المادة أيضا جدل ما بين ما يتبناه النواب، وبين الآراء الأخرى التى تصطدم مع اتجاههم.
إقامة الدعوى بطريق الإدعاء المباشر
أبقت التعديلات فى مشروع الحكومة على تحريك الدعوى عن طريق الإدعاء المباشر فى الجنح ، بمعنى تحريك الشخص للدعوى أمام المحكمة مباشرة، وهناك حول هذه المادة 3 اتجاهات، الأول إلغائها تماما ، لما يراه البعض من أنها يمكن اساءة استخدامها، كما أنها تؤدى لتكدس القضايا فى المحاكم ، واتجاه ثانى يرى الإبقاء عليها، وثالث يرى الإبقاء عليها فى بعض الجرائم فقط وليس فى المطلق.
ربما تكون تلك هى المواد التى يمكن أن تمثل تحديدا فى المناقشات حول مشروع القانون، وأن تخلق حالة كبيرة من الجدل والاختلاف حولها، وصولاً إلى صيغة يتفق عليها الجميع، لكن يظل الأمر فى النهاية فى ملعب مجلس النواب الذى له الكلمة الأخيرة حول شكل هذه التعديلات والصورة التى ستخرج عليها.
270 تعديل أجرى على قانون الإجراءات الجنائية
يعرف قانون الإجراءات بأنه القانون الاجرائى الذى يجعل قانون العقوبات موضع التنفيذ، فهو الذى يحكم الدعوى الجنائية منذ بداية الجريمة وحتى صدور حكم نهائى بات، وكيفية تنفيذ هذا الحكم.
ولم يدخل على القانون منذ صدوره عام 1950 هاذ الكم من التعديلات فى المشروع الذى أعدته الحكومة، حيث بلغت المواد محل الاستبدال ( 99 ) مادة ، بالإضافة إلى عدد 150 مادة تم استبدالها والخاصة بمواد التحقيق بمعرفة النيابة العامة، وقاضى التحقيق ، وبلغت المواد محل الإلغاء ( 21 ) مادة، وبلغت المواد المستحدثة محل الإضافة ( 44 ) مادة وبالتالى تكون جملة التغيير نحو ( 270 ) مادة من جملة ( 560 مادة ) هى أصل مواد القانون الحالى.
ويلاحظ أنه فى المشروع تم الإبقاء على الهيكل الأساسى لقانون الإجراءات الجنائية من حيث التبويب والعناوين الرئيسية، مع إحداث نوع من التطوير به.
وراعى المشروع بحسب ما يقول من شاركوا فى إعداده، الإبقاء على كافة الضمانات الدستورية الواردة بنصوص قانون الإجراءات الجنائية الحالى، مع إضافة كافة الضمانات الدستورية التى استحدثها الدستور الحالى.
تنفيذ الالتزامات بدستور 2014
وركزت التعديلات على محاور أساسية، أولها تنفيذ الالتزامات الدستورية الواردة بدستور 2014 ذات الصلة بالقواعد الإجرائية الجنائية، وتحت هذا العنوان وضعت العديد من المواد المستحدثة من بينها، عدم صدور أى أوامر من النيابة أو القاضى إلا وكانت مسببة، وعدد من الحقوق الخاصة بالمتهمين منها، حق المتهم فى الصمت، وحق المتهم فى أن يحاط كتابة بالتهم المنسوبة إليه، والاتصال بذويه ومحاميه فور القبض عليه، وعدم جواز الاستئناف على استئناف أمر الحبس الاحتياطى بجعل الاستئناف من النيابة لمرة واحدة فقط.
أيضا جاء التعديل الخاص باستئناف الجنايات على درجتين تنفيذا للدستور، وأيضاً المساعدات القضائية، والتعويض فى الحبس الاحتياطى فى حال إذا ثبت حبس المتهم عن تهمة لم يرتكبها.
وأيضا جاء النص على حماية الشهود، بحيث يجوز أن يكون محل إقامة الشاهد قسم الشرطة، وإذا كان سماع الشاهد من الممكن أن يعرض حياته للخطر ، يجوز للمحكمة أن تسمع شهادته دون ذكر بياناته.
ونصت التعديلات على عقوبات صارمة فى حال إفشاء بيانات الشاهد، فتكون العقوبة الحبس إذا مع تم افشاء بيانات الشاهد، وتصل للسجن إذا ما تعرض الشاهد للإصابة، وتصل للإعدام فى حال وفاة الشاهد.
أيضا جاءت التعديلات الخاصة بتنظيم أوامر المنع من السفر تنفيذاً للالتزامات الدستورية ، فجاء المشروع بفصل خاص لتنظيم المنع من السفر بالنص على من له حق المنع ومدة المنع وطعن المتهم على القرار ، وهى أمور لم تكن موجودة فى أى قانون من قبل.
تحقيق العدالة الناجزة
المحور الثانى الذى قامت التعديلات عليه هو تحقيق العدالة الناجزة من خلال وضع قواعد تعمل على سرعة إنجاز القضايا الجنائية، من بينها تطوير منظومة الإعلان، والذى كان بسببها تطول إجراءات المحاكمة لمجرد عدم الوصول لمحل إقامة للمتهمين أو أطراف الدعوى، فتم ربط الإعلان ببطاقة الرقم القومى، واستحداث الهاتف استخدام المحمول فى الإعلان وانشاء مراكز متخصصة للإعلان بالوسائل الحديثة فى دائرة كل نيابة كلية ومحكمة استئنافية.
وإلغاء الطعن بالمعارضة فى مواد الجنح ، بحيث لا تكون هناك أحكام غيابية فى الجنح ، وكذا السماح للمتهم بالحضور بواسطة وكيل خاص فى مواد الجنايات ، وأيضا تنظيم مساءلة سماع الشهود.
أيضا استحداث نظام لإجراء التحقيق والمحاكمة عن بعد أسوة بالتشريعات المقارنة ، بمعنى إمكانية أن يكون التحقيق من خلال وسائل تكنولوجية مثل الفيديوكونفرانس.
الأخذ بالوسائل البديلة
محور ثالث قام عليه هذا المشروع يتعلق بالأخذ بالوسائل البديلة لتسوية المنازعات الجنائية قليلة الأهمية أو ذات الطابع الاقتصادى فجاء من بين التعديلات، التوسع فى الصلح وأجازته التعديلات حتى فى قضايا الإدعاء المباشر ومنحت المحكمة والنيابة الحق فى إنهاء الدعوى صلحاً حتى بعد صدور حكم بات ، ومنح المتهم إذا كان موجود خارج البلاد الصلح عن طريق توكيل محاميه تيسيراً للإجراءات.
أيضا إيجاد بدائل للحبس الاحتياطى، حيث نصت التعديلات على 4 بدائل له هى، إلزام المتهم بعدم مبارحة مسكنه أو موطنه، وإلزام المتهم بأن يقدم نفسه لمقر الشرطة فى أوقات محددة، وحظر ارتياد المتهم أماكن محددة، ومنع المتهم من مزاولة أنشطة معينة.
تنقية نصوص القانون
محور رابع وأخير يتعلق بتنقية العديد من مواد القانون الحالى سواء من حيث الألفاظ والعبارات المستخدمة وتطويرها، على سبيل المثال، عدلت كافة الغرامات الواردة بالمشروع برفع قيمتها لتتناسب مع الوقت الحالى، حيث كانت الغرامات تتراوح بين جنيهان إلى 5 جنيهات.
كما تم استبدال كلمة بات بنهائى فى جميع مواد المشروع، أيضاً استبدلت العديد من الكلمات والعبارات مثل قاضى بمستشار، فضلا عن بعض الألفاظ التى لا يعمل بها فى الوقت الحالى، مثل بوليس ، قلم السوابق ، الكموسطبل، لائحة الرسوم وغيرها.