فى جلسة موسعة للحوار المجتمعى حول قضية الزيادة السكانية تنظمها لجنة التضامن الاجتماعى، برئاسة النائب عبد الهادى القصبى، وبحضور ممثلى الأزهر والكنيسة والمجتمعى المدنى، أكد الحضور خطورة الزيادة السكانية والتى تعد بمثابة قضية أمن قومى، لا تقل مواجهتها أهمية عن الإرهاب، لاسيما أنها تلتهم التنمية فى البلاد، مشددين على أهمية تضافر الجهود للتصدى لها واستخدام أدوات العصر فى مقدمتها "السوشيال ميديا" بشكل مدروس وتجديد الخطاب الدينى والشبابى.
وعن الجانب الدينى اتفق ممثلو الأزهر والكنيسة على أهمية إيجاد آليات للحد من الزيادة السكانية، وأكد ممثلو الأزهر أن تنظيم الأسرة لا يتعارض مع أى نصوص قرآنية، فيما لاقت كلمة وزير الشباب والرياضة حول أهمية رفع سن زواج الفتيات ترحيبا شديدا من القاعة.
بداية قال الدكتور شوقى علام، مفتى الجمهورية، إن قضية الزيادة السكانية تعد بمثابة قضية أمن قومى، ومسئولية مواجهتها تقع على عاتق الجميع، مضيفا: "كلنا مسئولون ولن أستثنى أحدا".
وأضاف علام أن الأمر له أبعاد اقتصادية وتعليمية واجتماعية، بالإضافة إلى البعد الدينى الذى يعد من أخطر الأبعاد على مر التاريخ فى معالجة تلك القضية، مشددا على أهمية إدخال التدابير اللازمة لتنظيم الأسرة بما لا يتعارض مع مشيئة الله، قائلا: هناك فرق بين اتخاذ تدابير لتحسين الحياة وإيجاد التوازن بها، وبين إيجاد وسائل لقتل الإنسان.
وتابع المفتى أن الفتاوى الصادرة من دار الإفتاء تؤكد أنه إذا جاء الجنين فله الحماية، وقبل ذلك يجوز اتخاذ وسائل لتحقيق التوازن، قائلا: "قصدنا من ذلك إيجاد التوازن بالمجتمع، وهو أمر لا يتعارض مع المشيئة الإلهية".
وشدد على ضرورة قراءة النصوص الشرعية بشمولية حتى تتضح لنا المقاصد الحقيقية لهذه النصوص، لافتا إلى أن اجتزاءها يختذل الفهم، مشيرا إلى أن فرقا بين كثرة العدد وبين بناء المجتمع القوى، فالمقصود من النصوص الشرعية ليس الكم وإنما الكيف، حيث توجد هناك قوة علمية وثقافية واقتصادية بالمجتمع تمثل أسلحة للردع.
ونوة علام إلى أن الأرقام التى يعلنها الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء تعطينا جرس إنذار يجب بناء عليها اتخاذ سياسات وخطى قرارات صائبة، ولذلك نتحمل جميعا المسئولية، مطالبا الإعلام باستعادة دوره فى التوعية بالأزمة، وكذلك تحمل مؤسسات التعليم والأسرة دورها فى مواجهة القضية.
من جانبه قال سعيد عامر، أمين عام الدعوة بمجمع البحوث الإسلامية، وممثل شيخ الأزهر، إن هناك عدة حقائق عن الزيادة السكانية، تتمثل فى أن الأديان السماوية جاءت رحمة وسعادة للبشرية، ولغرس المعانى الفاضلة فى نفوس الناس جميعا، وبالتالى فإن الكلام فى الأمور الدينية يجب أن يكون مبنيا على الفهم والعلم الصحيح.
وأضاف "عامر" أن الحقيقية الأخرى تتمثل فى الخلاف فى بعض الأمور التى تقبل الاجتهاد، ما دام القصد الوصول إلى الحق، متابعا: "نعلم جميعا أن الأولاد زينة الحياة الدنيا، ولكن فى نفس الوقت أمانة فى يد الآباء، لذا عليهم أن يراعوها حق رعايتها، بإخلاص فى إحسان تربيتهم، والحقيقة الأخرى تتمثل فى أن هذا الكون الذى نعيش فيه أقامه الله على نظام بديع محكم، ونحن نعيش فى عصر لا تتنافس فيه الأمم بكثرة تناسلها أو أراضيها ولكن بالابتكار العلمى.
وتابع ممثل الأزهر: "من الضرورى توضيح رأى الدين فى حل هذه المشكلة، خاصة أن هناك مفاهيم مغلوطة وجب على أهل العلم توضيح الصحيح فى هذا الاتجاه، ومن التفسيرات الخاطئة التى تشيع بين الناس أن الله تكفل بالرزق لكل كائن حى، ويستشهد هؤلاء بآيات القرآن، ولهذا فإن الدعوة لتنظيم الأسرة لا تتعارض مع النص، والجميع يعلم أن الله هو الرزاق، وجعل لكل شيئا سببا والسعى والأخذ بالأسباب ولا بد من السعى كما أمرنا الله، واستخدام عقولنا لتدبير أمور حياتنا وعدم استخدام العقل يعد من الذنوب الكبرى، خاصة أن العقل لا يتعارض مع الدين.
بدوره أكد القس بولس سرور، ممثل الكنيسة المصرية، إن الكنيسة تنادى منذ زمن بعيد بتنظيم الأسرة، وفى سبيل تحقيق ذلك توظف عددا من الآليات للوصول للهدف المنشود، مشيرا إلى أن الدين نص صراحة على هذا الأمر من خلال عدد من الآيات، منها أن السيد المسيح قال: "من أراد أن يبنى برجا فلا يجلس أولا"، ويحسب حساب النفقة حتى لا يبتدئ ولا يكمل، ولهذا فإن تنظيم الأسرة أمر خطير، ومن الآيات أيضا "لا تشتهى كثرة الأولاد الذين لا خير فيهم، ولا تفرح بكثرتهم إن لم تكن فيهم مخافة الرب".
وطالب ممثل الكنيسة المصرية بتصحيح المفاهيم الدينية المغلوطة لدى البعض فى القرى والنجوع والكفور، وأن القضية ليست بالكم، وعلى الأسرة أن تكون نواة حل هذه المشكلة، وهذا لن يتحقق سوى من خلال تغيير المفاهيم المغلوطة ونشر الثقافة الحقيقية والتنويرية للمواطنين فى كل أنحاء الجمهورية، وعليهم أن يعلموا أن هناك فرقا بين التواكل والاتكال على الله.
من جانبه أكد وزير الشباب والرياضية خالد عبد العزيز، أهمية رفع سن زواج الفتيات كأحد الوسائل للحد من الزيادة السكانية، قائلا: "يجب خلق قنوات حوار مع الفتيات من الجيل الجديد، والتأكيد على أهميه رفع سن الزواج، وعمل المرأة والإنتاج، وتوجيه الرسائل التى مفادها أن الحمل المتكرر يؤثر على الدخل".
وشدد عبد العزيز على ضرورة تجديد الخطاب الشبابى بتغيير أسلوب الحديث معهم والاعتماد بشكل أكبر على الوسائل التكنولوجية الحديثة التى يتعامل من خلالها الشباب، واستخدام أدوات العصر، بقوله: "للأسف بنستخدم اساليب قديمة لحل مشكلة العصر.. وربما هذا الحديث لا يصل إليهم".
ولفت وزير الشباب والرياضية إلى أهمية استخدام مواقع التواصل الاجتماعى الحديثة بشكل علمى ومدروس فى التواصل مع الشباب حول قضية الزيادة السكانية، علاوة عن أهمية توظيف الدراما من خلال مسلسلات توضيح مخاطر هذه القضية.
ونوه عبد العزيز إلى أهميه القضية ليست فى توفير وسائل تنظيم النسل فى الوحدات الصحية، بقدر أهمية خلق حالة تدفع المواطنين للذهاب لهذه الوحدات للحصول على تلك الوسائل.
فى سياق متصل، قال اللواء أبو بكر الجندى، رئيس جهاز التعبئة والإحصاء، إن الزيادة السكانية أهم تحد يواجه المجتمع حالياً، وفى هذه اللحظة تعد بمثابة نقمة ومشكلة وكارثة لعدم وجود موارد، قائلا: "البعض يتحدث أن السكان أهم مورد للدولة.. نعم صحيح، ولكن عندما يكون هناك موارد يخرجوا سكانا، أما فى حال عدم وجودها هيخرجوا حاجة تانية".
وأضاف "الجندى" أن أحد انعكاسات الزيادة السكّانيّة، وجود 8 ملايين تلميذ، فى ضوء التعداد السكانى المتوقع بحلول 2030، بحاجة إلى 100 ألف فصل، تقدر تكلفه الفصل الواحد 300 ألف جنيه، بإجمالى 300 مليار جنيه لتستوعب الأعداد بمتوسط 20 مليار جنيه سنويا، كذلك الانعكاس على سوق العمل بحلول 2030 يتمثل فى 10 ملايين خريج، وتصل تكلفه فرصة العمل الواحدة 50 ألف جنيه.
ونوه الجندى إلى أن أهم أسباب قضية الزيادة السكانية يتمثل فى عدم إدراك المجتمع حتى تلك اللحظة أن هناك مشكلة تواجهه، مرحباً بحديث الرئيس عبد الفتاح السيسي فى هذا الصدد بتأكيده أن الزيادة السكانية قضية لا تقل خطورة عن مواجهة الإرهاب.
خطورة الزيادة السكانية أيضا أشار إليها مكرم محمد أحمد، رئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، مشددا على ضرورة أن تضعها الدولة وضعها نصب عينيها مع وضع آليات واضحة وصريحة للتغلب على الأمر.
وأوضح مكرم محمد أحمد أن الأديان السماوية جميعا لم تنادِ بكثرة الإنجاب للتباهى، ولكن التفاخر يكون بالابتكار والعلم، منتقدا عدم توفير وسائل تنظيم الأسرة لـ12.5% من سيدات مصر، مشدداً على ضرورة عمل شبكة وحدات صحية مترابطة ومتكاملة، تتوفر بها كل الخدمات فى هذه الصدد وتوفيرها مع نشر الثقافة بين المواطنين.
وأشاد رئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام بجهود الضمان الاجتماعى فى هذا الصدد، حينما قرر عدم تكفل الأسرة التى تزيد عن ثلاثة أفراد، إن كان فيهم ولد، وأربعة إن لم يكن فيهم ولد، مشددا على ضرورة أن تسلك الحكومة هذا النهج، وأن يكون هناك قانون رادع يحاسب الأب الذى ينجب ويلقى أولاده فى الشارع دون اهتمام ورعاية.
فى ذات السياق، أكد رئيس لجنة التضامن والأسرة وذوى الإعاقة بمجلس النواب، النائب عبد الهادى القصبى إن الزيادة السكانية من أخطر التحديات التى تواجه المجتمع، وتؤثر بشكل فعال فى حياه كل مواطن، مؤكدًا أن هذه الزيادة تعد بمثابة خطر دائم يهدد أمن وسلامة المواطن لاسيما إنها تلتهم التنمية.
وأضاف القصبى أن عدد السكان فى مصر حاليا يصل إلى 100 مليون نسمة منها 8 ملايين خارج الوطن، موضحًا أن بعض الإحصائيات بشأن المواليد تضعنا أمام المسئولية الوطنيّة، والتى تشير إلى أن ولادة 4 أطفال كل دقيقة بواقع 240 طفلًا كل ساعة و5760 طفلًا يوميًا، وسط متوقع زيادة قدرها 30 مليون حتى عام 2030 ليصل تعداد السكان حوالى 130 مليون نسمة.
وأوضح القصبى، أن اللواء أبو بكر الجندى رئيس الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء أدلى بتصريحات مؤخرا أنه من المتوقع أن نصل إلى 150 مليون نسمة بحلول عام 2030، مشيرًا إلى أنه بحسبه بسيطة نجد أن عدد سكان مصر أكثر من عدد تعداد السكان بـ3 دول عربية هم الأردن والكويت وقطر.
وأشار القصبى إلى أن الواقع يتحدث عن أن مصر شهدت زيادة فى عدد السكان خلال الـ6 سنوات الماضية بواقع 16.5 مليون نسمة، مشددًا على أهمية الوقوف لمواجهة النفس فيما يتعلق بالقضايا الحيوية المهمة التى تحتاج الصدق والوضوح والشفافية.
وقال طلعت عبد القوى، رئيس الاتحاد العام للجمعيات الأهلية، إن الزيادة السكانية تعود لعدد من الأسباب تتمثل فى خلل مباشر وصريح فى معدل النمو السكانى والنمو الاقتصادى، وسوء توزيع السكان وبعض المواريث الثقافية والمعتقدات الدينية الخاطئة، ولهذا تعد الزيادة السكانية قصية أمن قومى، ولا بد من الاستعانة ببعض تجارب الدول فى هذا الصدد، مشيرا إلى أن معدل النمو السكانى زاد بكثرة فى الآونة الأخيرة وطبقا للإحصائيات السابقة منذ عام 1800 كان من المفروض أن يصل تعداد السكان فى عام 2000، إلى 40 مليون، ولكن ما حدث أن وصل الرقم إلى الضعف وهذا يعد ناقوس خطر يحتاج إلى تدخل فورى، للوقوف على الأسباب، وإيجاد حلول لها.
وأرجع رئيس الاتحاد العام للجمعيات الأهلية الأسباب إلى وجود بعض المعتقدات الخاطئة لدى البعض، مثل وجود 12% من السيدات يردن الحصول على وسائل لتنظيم الأسرة ولكن لا يحصلون عليها، وهذا للعديد من الأسباب المختلفة، بالإضافة إلى تدنى خصائص السكان.