فى مارس الماضى تعرض 312 طالبًا بمدارس أسيوط لحادث تسمم، عقب تناولهم وجبة التغذية المدرسية، بعدها أصدر وزير التربية والتعليم الدكتور قرارًا بوقف التغذية المدرسية، ورغم أن الملف ظل مطروحا على مكتب الوزارة وعلى أعلى مستويات منذ هذه اللحظة، إلا أن التغذية المدرسية لم تعد من جديد إلى المدارس حتى يومنا هذا رغم اقتراب الفصل الدراسى الأول على الانتهاء.
قد يبدو الأمر بسيطا لدى بعض القراء، لكن المسألة هامة للغاية، فبحسب الأمم المتحدة وفى دراسة أجرتها على 54 دولة حول العالم من بينها مصر، فإن التغذية المدرسية ساهمت فى معدلات الالتحاق بالمدارس وتقليص معدلات الغياب وترك الدراسة، وتسهم بشدة فى تحسين قدرتهم على التعلم وتحسن من قدراتهم الغذائية وقدراتهم الذهنية والاستيعابية، والوجبات خاصة لأطفال المدارس الابتدائية تؤثر على معدلات حضورهم للمدرسة وتحصيلهم وناتجهم الدراسى وينعكس على نموهم.
الدراسة الضخمة والتى جاءت فى أكثر من 140 ورقة، ضربت نماذج لأهمية التغذية المدرسية بتجربة مصر منذ عام 2006 وحتى 2009، حين قررت 3 وزارات مجتمعة المضى فى مشروع للتغذية المدرسية يستهدف بشكل أساسى تقليص ظاهرة عمالة الأطفال، عبر إيجاد مصادر أخرى للدخل لهم، وكانت التغذية المدرسية هى الوسيلة الأفضل لتكون هذا البديل.
بدعم من وزارة العدل الأمريكية، قدره 5.5 مليون دولار قدمت الدولة وجبات غذائية خفيفة للأطفال فى ثلاث محافظات هى الأكثر فقرا فى ذلك الوقت هى سوهاج وأسيوط وبنى سويف فكانت النتائج مذهلة، تقول الدراسة أن هذه الطريقة نجحت فى إلحاق 17 ألف طفل إلى المدارس بدلا من تسربهم، إلى الدرجة التى احتاجت المحافظات الثلاثة إلى افتتاح 97 مدرسة جديدة لاستيعاب الزيادة فى التلاميذ.
"برلمانى" سأل النائب فايز بركات، عضو لجنة التعليم بالبرلمان، عما إذا كانت اللجنة فى اجتماعها مع الوزير قد تناولت مسألة التغذية وعودتها، فقال: إن النواب تناولوا مسألة التغذية المدرسية فى لقائهم مع الوزير الذى عقد أواخر شهر نوفمبر الماضى، لافتًا إلى أن ما تم الاتفاق عليه هو سلامة هذا الغذاء حتى لا تتكرر واقعة أسيوط، وهناك وسطاء كثير منذ التصنيع وحتى الوصول إلى يد الطالب، وما تفعله الوزارة اليوم أنها تحاول تقليل عدد هؤلاء الوسطاء من أجل إيصال غذاء أمن وصحى للطلاب يؤدى دوره المنوط به.
فايز بركات والذى عمل فترة طويلة فى حقل التعليم من قبل، روى تجربته الشخصية لـ "برلمانى"، موضحًا أن التغذية هامة وخاصة فى الريف، وفى بعض الفترات كانت هناك تغذية تأتى على هيئة وجبات ساخنة، وهى تعتبر بمثابة حوافز للأطفال للحضور، وكذلك وسيلة للحماية الاجتماعية فى ظل ارتفاع الأسعار.
وشدد عضو مجلس النواب، على أنه من المهم اليوم إعادة تقديم مثل هذه الوجبات وليس أن نقدم لهم فطائر وبسكويت، مؤكدًا فى الوقت نفسه على رفض الاقتراحات بإعطاء بديل نقدى عن هذه الوجبات.
وبدوره قال أحمد خيرى المتحدث باسم وزارة التربية والتعليم، إنه ليس مخولا بالحديث فى مسألة التغذية المدرسية لأن الملف تابع حاليا فى يد مجلس الوزراء، وهو الذى شكل لجنة من 9 أعضاء ممثلين لعدد من الوزارات والهيئات، ورغم ذلك توقع خيرى فى تصريحه لـ "برلمانى"، أن التغذية لن تعود قبل بداية التيرم الثانى، نظرا لإصرار الحكومة على أن تعود التغذية المدرسية فى صورة سليمة ومتكاملة، وأن تكون الوجبات ذات صلاحية 48 ساعة فقط، وأن يتم وضع آليات واضحة وسليمة للرقابة عليها.
وعن الوجبة السليمة والمتكاملة والمثالية التى يمكن تقديمها للطلاب، قال أحمد رامى خبير التغذية، إنها من الممكن أن تتكون من رغيف خبز طازج، وقطعة جبن، وبيضة، وكذلك وحدة مربى أو حلاوة طحينية، كما يجب تقديم فاكهة معهم مثل البرتقال أو التفاح وكذلك خضروات مثل خيار وجزر، وبهذا تكون وجبة غذائية متكاملة بها كافة العناصر الغذائية اللازمة للطفل.
دراسة الأمم المتحدة عن التغذية المدرسية أيضا كانت قد أكدت على ضرورة فيتامين "أ" والحديد للأطفال، وهو ما قال عنه خبير التغذية فى تصريحه لـ "برلمانى"، إنها من الممكن أن تضاف إلى البسكويت والفطائر فى اثناء مراحل تصنيعها، ولكنه اتفق مع النائب فايز بركات بأن البسكويت والفطائر العادية لا تحتوى أى فيتامينات أو حديد.
وأوائل الأسبوع الجارى عقدت الحكومة برئاسة الدكتور مصطفى مدبولى وزير الإسكان، والقائم بأعمال رئيس مجلس الوزراء، لمتابعة ملف منظومة التغذية المدرسية، حضره وزراء "التضامن الاجتماعى، والتنمية المحلية، والتربية والتعليم والتعليم الفنى، والزراعة واستصلاح الأراضى"، وممثلى عدد من الجهات المعنية.
واستعرض المجتمعون خلال اجتماعهم الإجراءات التى تم اتخاذها لمراجعة منظومة التغذية المدرسية، ووضع أسلوب مختلف للتعامل مع هذا الملف، من حيث آليات الرقابة والتوزيع للتأكد من حسن سير المنظومة بالشكل المطلوب، فى ظل ما تمثله الوجبة المدرسية الصحية المقدمة للتلاميذ من ضمانة هامة لحصولهم على العناصر الغذائية السليمة.
ورغم هذا الإصرار الواضح من الحكومة على دراسة ملف التغذية المدرسية بعناية، إلا أن النائبة ماجدة نصر عضو لجنة التعليم بالبرلمان قد قالت لـ "برلمانى"، إنها ستتقدم بطلب إحاطة للبرلمان حول مسألة غياب التغذية المدرسية، خاصة فى وجود أسر تعتمد عليها اعتمادا كبيرا فى تغذية أطفالها وما تمثله ايضا تلك الوجبة من أهمية للطفل وتغذية النشء بصورة سليمة.