ـ البطالة تكسر حاجز الـ12.4% بـ3.2 ملايين عاطل داخل إيران
ـ صدمة شعبية بعد رفع أسعار الوقود 50% .. وتوقعات بتزايد حدة الاحتجاجات
ـ 30 مليون إيرانى يخرجون من مظلة "الدعم النقدى" بعد قرارات ولاية روحانى الثانية
كان القرار الذى اتخذته حكومة الرئيس حسن روحانى، برفع أسعار الوقود بنسبة وصلت إلى 50%، فى موازنة العام المالى الجديد، فضلا عن استبعاد أكثر من 30 مليون شخص من الدعم النقدى الذى تقدمه الحكومة، بمثابة القشة التى قسمت ظهر البعير، وتحت شعار "لا للغلاء" اشتعلت احتجاجات الفقراء فى مدن عدة فى إيران، مخلفه ورائها قتيلان وعشرات المصابين ومئات المعتقلين الذين نددوا بسياسات طهران فى إنفاق أموال طائلة فى سوريا والعراق ولبنان لتحقيق مكاسب سياسية، فيما تركت شعبها فريسة للفقر والغلاء.
بدأت الشرارة الأولى من مدينة مشهد يوم الخميس الماضى، حيث أظهرت مقاطع فيديو نشرت على وسائل التواصل الاجتماعى متظاهرين يهتفون قائلين "الموت لروحانى" و"الموت للدكتاتور اتركوا سوريا وانظروا لحالنا". وخرجت احتجاجات أيضا فى مدينتين آخريين على الأقل بشمال شرق البلاد، وامتدت إلى مدن كرمانشاه التى بها المئات يعيشون ظروف معيشية صعبة عقب تهدم منازلهم فى الزلزال الأخير، والمدن الكبرى، إضافة إلى شيراز الجنوبية.
- روحانى خیب أمال أنصار الإصلاحيين وأخفق فى تحقيق انتعاش اقتصادى والقضاء على الفساد والبطالة
وكان الملف الاقتصادى فى صدر أولويات الرئيس الإيرانى، منذ وصوله إلى السلطة فى 2013، وبنفس شعار (الانفتاح الاقتصادى) تمكن روحانى من نزع 23 مليونا و549 ألفا و616 صوتا فى انتخابات رئاسة للولاية الثانية مايو الماضى، مانحا أنصاره وعودا تمثلت فى رؤية اقتصادية شاملة بتحسين الوضع الاقتصادى المتردى، والذى يؤثر بدوره على معيشة الفرد الاجتماعية، والنظر إلى تدنى الأجور، وارتفاع الأسعار والمساكن، والتخلص من المشكلات التى أرهقت كاهل المواطن الذى لم يشعر بتحسن أوضاعه بعد توقيع الاتفاقية النووية (فى مايو 2015)، ويفترض أنها جلبت أموالا للدولة كانت مجمدة بالخارج وفتحت الباب أمام استثمارات أجنبية وتصدير إنتاجه.
وخلال حملته الانتخابية مايو الماضى، عرض روحانى رؤية اقتصادية خلال حملته الانتخابية، ووقع فى مأزق رفع مستوى التوقعات لدى الناخبين، منها تقديم وعود باستغلال الثروات النفطية لتوفير فرص العمل، وخفض التضخم، وتوفير الدعم المالى للإنتاج وفرص العمل، وإصلاح النظام المصرفى، وتنمية سوق الاستثمارات، وتنمية القطاع الخاص، والتعامل مع الاقتصاد العالمى والإقليمى، ورسم سياسات لخفض نسبة الفقر والعدالة فى توزيع الثروات، فضلا عن إبعاد هيمنة المؤسسة العسكرية (الحرس الثورى) عن الاقتصاد، وبعد أن انتخابته الأغلبية واجه عوائق كثيرة.
كل وعود الرئيس ذهبت هباء، فيما عدا خفضه التضخم بنسبة ملحوظة، إلا أن ذلك لم يؤثر على الاقتصاد بشكل ملموس وعلى وضع الإيرانيين، بسبب نقص الاستثمارات وارتفاع البطالة إلى 12%، وبدلا من أن يحقق انتعاش اقتصادى حقيقى ويقضى على الفساد وقع فى فخ الفساد، ووقعت أشهر فضيحة فساد فى عهده العام الماضى 2016، عندما كشفت تقارير إيرانية، تقاضى مسئولين أجورا وامتيازات خيالية بارزة تفوق عشرات أضعاف الرواتب العادية بلغت آلاف الدولارات فيما كان يتقاضى أخرون رواتب زهيدة، إضافة إلى أن الحديث بدأ يدور بين الإيرانيين بعدم جدوى الاتفاق النووى الذى أفرج عن مليارات لم يحصل الشعب منه على دولارا واحدا، ولم يشعر بأى تغيير ملموس طرأ على معيشته عقب رفع العقوبات الخانقة.
ليس ذلك فحسب، بل سيطرت الدولة العميقة على قرارات الرئيس الذى، قرر دون مقدمات فى ديسمبر الجارى رفع أسعار الوقود بنسبة تصل إلى 50%، إضافة إلى حذف الدعم النقدى المقدم لأكثر من 30 مليون شخص، وأعطت حكومته مبررات غير منطقية، وربطت قرارها بمساعيها لإيجاد فرص عمل للحد من أزمة البطالة، الأمر الذى أوجدت موجة من الانتقادات طالت روحانى وفريقه الاقتصادى، وأصدر مركز الدراسات التابع للبرلمان، تقرير تحدث فيه عن تناقضات فى خطة الحكومة، وحذر من رفع قيمة الطاقة لأن ذلك سيتسبب فى رفع نسبة البطالة من 360 ألف إلى 480 ألف شخص.
التقارير الواردة من إيران الأشهر الماضية، أفادت تراجع شعبية روحانى بشدة بعد المئات يوم الأولى من ولايته الثانية، وتحدث الإعلام عن خيبة أمل أصابت أنصار روحانى، وأظهرت علامات الاستياء فى المجتمع، من خلال التجمعات التى نددت بالغلاء والفقر مؤخرا.
- نائب روحانى يتهم المتشددين بتحريك الشارع
وكما هو معهود فى إيران، تستغل التيارات السياسية أصغر النقاط لضرب الخصم، فالاحتجاجات التى تخطت أعدادها العشرات بل المئات فى إيران، قوبلت بردود أفعال غريبة من المسئولين، على سبيل المثال النائب الأول اسحاق جهانجيرى الذى حقق شعبية طاغية خلال انتخابات مايو الماضية بنزوله إلى جانب روحانى كمرشح "ظل"، اتهم التيار المتشدد بتحريك الشارع ضد روحانى، والتشجيع على التظاهر ضد الحكومة.
وقال جهانجيرى إن هذا التيار (لم يسميه) يتخذ من رفع أسعار بعض السلع الغذائية وبعض المشتقات النفطية ذريعة لتوجيه الانتقادات للرئيس حسن روحانى وحكومته، عبر تشجيع الناس للخروج فى مظاهرات ضد الحكومة.
وأضاف أن تيارا كهذا لن يكون فى مأمن إذا أصر على اتباع هذه "السياسات الخطرة"، كما اعتبر أن الوضع العام للاقتصاد الإيرانى يسير على الطريق الصحيح وأن سياسات الحكومة تحاول حماية اقتصاد البلاد من أى ضربات مفاجئة.
- النظام يحمل الغرب مسئولية إشعال الفتن.. والمواطن فريسة الغلاء
وإلى جانب ذلك حمل النظام الغرب مسئولية إشعال الفتن فى البلاد، واعتبرت مراجع دينية خروج الإيرانيين فى تظاهرات غاضبة تعبيرا عن استيائهم على أوضاعهم المعيشية، "فتنة" تشبه احتجاجات الحركة الخضراء عام 2009، التى نهضت للتنديد بما وصفوه تلاعب فى نتائج الانتخابات الرئاسية التى صعد فيها الرئيس المتشدد أحمدى نجاد لولاية ثانية، ووصفها المسئولين بالفتنة.
وفى تصريح له، اعتبر الأمين العام لمجمع التقريب بين المذاهب الإسلامية آية الله محسن اراكى الاحتجاجات التى شهدتها إيران خلال الأيام الماضية، ضد الغلاء والفقر مؤامرة ضد النظام، قائلا "لن نسمح بتكرار التجارب السابقة لمؤامرات الأعداء".
واعتبرت وسائل الإعلام المقربة من التيار المتشدد والحرس الثورى، من أمثال وكالة فارس نبأ التظاهرات تأتى دعوة من معارضين للثورة الإسلامية، وقالت إنهم هتفوا وأطلقوا سراح السجناء السياسيين والحرية أو الموت مشيرة إلى أنهم أتلفوا ممتلكات عامة.
واعتبر محافظ مشهد محمد رحيم نورزيان، إن المظاهرة غير قانونية، وأن قوات الأمن اعتقلت بعض المتظاهرين بتهمة "محاولة تخريب الممتلكات العامة"، معتبرا أن الاحتجاجات نظمها "أعداء الجمهورية الإسلامية" و"مناهضو الثوريين".
وحمل الحرس الثورى كلا من الولايات المتحدة وبريطانيا وإسرائيل المسئولية، ودعا الإيرانيين إلى "تعزيز الوحدة واليقظة والوعى الوطنى لإحباط مؤامرات الأعداء". وحمل البيان ما وصفه بـ"الثالوث الخبيث" (وهى الولايات المتحدة وإسرائيل وبريطانيا) بالتعاون مع الأنظمة الرجعية فى المنطقة المسئولية عن انتهاج "استراتيجيات خفية وعلنية" وتشويه الحقائق التاريخية و"تطهير أصحاب الفتنة والبغاة ضد النظام"، وذلك من خلال عمليات نفسية واسعة "لقلب الحقائق والإيحاء بمؤشرات خاطئة ومنحرفة".
والاحتجاجات دخلت يومها الثالث، ولا يلوح فى الأفق أى رد فعل إيجابى من قبل سلطات النظام على مطالب المحتجين، وبين إلقاء التهم ونعت التيارات السياسية بعضها بعضا، الأمر الذى لم يخدم المواطنين المتواجدين فى الشوارع باحثين عن لقمة عيش لهم ولأبنائهم، رافعين شعار "لا للغلاء"، ويراقب العالم الساعات المقبلة ما ستؤل إليه أحداث الشارع الإيرانى.