بعد أشهر قليلة من إقرار الحكومة لقانون النقل التشاركى الذى ينظم عمل شركات أوبر وكريم ومثيلاتهما وإحالته إلى مجلس النواب، قبلت محكمة القضاء الإدارى بمجلس الدولة أمس الثلاثاء، الدعوى المقامة من عدد من سائقى التاكسى لوقف نشاط أوبر وكريم، ومثيلاتها لتشغيل السيارات، مع وقف التطبيقات والبرامج التى يستخدمونها وإحالتها للمفوضين.
الحكم الذى حصل عليه علاء محمد سائق تاكسى ومعه حوالى 42 سائقا آخرين، جاء بعد عام كامل، وهو ما اعتبره السائقون مكسبا واستعادة لحقوقهم التى يرون أن الشركات سلبتها منهم بعد أن سحبت البساط من تحت أقدامهم، فى حين جاء بمثابة الصاعقة على آلاف السائقين العاملين بشركات النقل التشاركى والذين أصبحوا مهددين بالتشريد إذا أوقفت الشركات عملها فى مصر.
وظلت حالة الجدل بين سائقى التاكسى والشركات العاملة فى النقل التشاركى قائمة منذ دخولها مصر قبل حوالى 4 أعوام، بدأت بمظاهرات من السائقين ضد عمل أوبر وكريم، وانتهت بقبول الدعوى بوقف نشاط أوبر وكريم بمصر، ووسط هذا الجدل الذى لم ينته عملت الحكومة على محاولة تقنين عمل الشركات العاملة من خلال إقرارها مشروع قانون النقل التشاركى وإحالته لمجلس النواب، ولكن حتى الآن لم تبدأ لجنة الاتصالات مناقشته، ولكنها كانت الخطوة الأولى نحو تقنين وضعها فى مصر، فما مصير هذا القانون الآن؟.
سائقو التاكسى: فرحون بالحكم ولسنا معترضين على تقنين الشركات لتكون المنافسة عادلة
علاء محمد سائق التاكسى صاحب القضية قال لـ"برلمانى": "نحن فرحون بالحكم لأنه يعيد حقوق الآلاف من سائقى التاكسى التى أهدرتها الشركات لأننا نعمل فى بيئة غير منافسة على الإطلاق.. نحن نحمل أرقام سيارات أجرة ونسدد الضرائب والتأمينات سنويا، ولكن سائقى أوبر وكريم يعملون بسيارات ملاكى ولا يعانون من إجراءات تجديد التراخيص التى نعانى نحن منها، ولا يدفعون ضرائب مثلنا".
وأكد محمد، أن سائقى التاكسى لا يرفضون عمل شركات النقل التشاركى إذا تم تقنين أوضاعها ومساواة سائقيها بسائقى التاكسى فى الأعباء وكل الإجراءات الأخرى.
محامى سائقى التاكسى: الحكم واجب النفاذ حتى لو تم الطعن عليه والتنفيذ مسئولية "الاتصالات"
خالد الجمال محامى السائقين فى القضية أوضح، أنه اختصم عددا من الجهات فى القضية، وهى مجلس الوزراء ووزارات الاستثمار والداخلية والاتصالات والمالية والجهاز القومى لتنظيم الاتصالات وهيئة الاستثمار ووزارة المالية وشركتى أوبر وكريم، ومن المنتظر عندما يحصل على الحكم أن يعلن الخصوم فى القضية به ويطالب بتنفيذه.
وأكد الجمال، لـ"برلمانى"، أن الجهة المنوط بها تنفيذ الحكم هى الجهاز القومى لتنظيم الاتصالات، والمفترض أن يعلن شركات تشغيل الإنترنت لوقف عمل التطبيقات الإلكترونية على الإنترنت، موضحًا أن الحكم أواجب النفاذ، ومن الممكن أن تقوم الشركات بالطعن على الحكم أمام المحكمة الإدارية العليا ولكن هذا لا يوقف تنفيذ الحكم فى الشق المستعجل بوقف التطبيقات على الإنترنت.
ولا تعد مصر الدولة الأولى التى يحدث فيها مثل هذا الجدل بين سائقى التاكسى المتضررون من شركات النقل التشاركى، والشركات نفسها، فشركة مثل أوبر تعمل فى حوالى 110 دول حول العالم تعانى من هذا الصراع فى أغلب الدول التى عملت بها، حيث يطالب سائقو التاكسى فى العديد من دول العالم بوقف عمل هذه الشركات لأنها أضرت بعملهم فى نقل الركاب.
ما مصير مشروع قانون تنظيم النقل التشاركى بعد الحكم؟
وبعد طول انتظار أقرت الحكومة فى نوفمبر الماضى مشروع قانون تنظيم خدمات النقل البرى للركاب فى السيارات الخاصة باستخدام تكنولوجيا المعلومات، والذى ينص على أن تلتزم الشركات التى تؤدى خدمات النقل البرى التشاركى للركاب بالسيارات الخاصة أو بوسائل النقل الجماعى باستخدام تكنولوجيا المعلومات والقائمة فى تاريخ العمل بهذا القانون، وأن تقوم بتوفيق أوضاعها طبقًا لأحكام القانون خلال فترة لا تتجاوز 6 أشهر من تاريخ العمل به، وتم إحالة القانون إلى مجلس النواب اليوم.
وطبقا لنص القانون المقترح وزير النقل بالاتفاق مع وزير الداخلية والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، قرارًا بالقواعد والشروط والإجراءات وضوابط التعريفة اللازمة للترخيص للشركات بأداء الخدمة، كما يصدر وزير الداخلية قرارًا بالشروط والإجراءات والضوابط اللازمة، وذلك لإصدار تصاريح التشغيل، ويحظر القانون استخدام السيارات الخاصة أو وسائل النقل الجماعى فى أداء الخدمة إلا من خلال الشركات المرخص لها، وبعد الحصول على تصريح التشغيل.
الحكم الصادر اليوم يطرح تساؤلات حول مصير مستقبل عمل هذه الشركات فى مصر، وما مصير مشروع القانون لتقنين أوضاع الشركات أم لا؟ وما موقف البرلمان فى ظل هذا الوضع المعقد؟
مجلس النواب وأوبر وكريم
أحمد رفعت عضو لجنة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بمجلس النواب، قال فى اتصال هاتفى لـ"برلمانى"، إن لجنة الاتصالات بالمجلس ستدرس حيثيات الحكم الصادر اليوم بإيقاف نشاط شركتى أوبر وكريم ومثيلاتهم لتشغيل السيارات، موضحًا أنه فى حالة تعارض الحيثيات مع مشروع القانون لن يتم نظر القانون لحين الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا احتراما لأحكام القضاء، ولكن إذا كانت حيثيات الحكم لا تتعارض مع القانون وأن قرار وقف عمل الشركات جاء بسبب عدم وجود قانون وضوابط لتشغيلها سيتم الإسراع بنظر القانون فى مجلس النواب.
سائقو أوبر للتاكسى: "فاتحين بيوتنا من الشغل فى الشركة ومحدش بياخد رزق حد"
سائقو التاكسى وجدوا فى الحكم الصادر اليوم إنصافا لحقوقهم، ولكن على الجانب الآخر مثل الحكم تهديدا لعشرات الآلاف من كباتن وسائقى سيارات أوبر وكريم والذى يعتمد الكثير منهم على هذا العمل فى توفير دخل مناسب لأسرته، منهم من يعمل فى وظائف أخرى، والكثيرون ليس لهم أى وظائف سوى القيادة على سياراتهم لتوصيل الزبائن.
عصام محمد سائق بشركة أوبر، يعمل على سيارته الخاصة وهو رجل أربعينى يعول أسرة من زوجة وثلاثة أبناء فى مراحل التعليم المختلفة الابتدائى والإعدادى والثانوى، وهو موظف بالمعاش خرج معاش مبكر بسبب إصابة.
محمد قال لـ"برلمانى": "أعمل فى شركة أوبر منذ حوالى عام وهو مصدر دخلى اليوم فى الإنفاق على أسرتى وليس لى أى بدائل أخرى للعيش إذا تم إيقاف عمل الشركة فى مصر، وأوبر وكريم فاتحة بيوت ناس كتير.. محدش معترض على تقنين العمل ودفع الضرائب"، مؤكدًا أن شركات النقل التشاركى أصبحت بديلا آمنا لكثير من الزبائن الذين يعانون من مشاكل عدم الأمان خاصة السيدات والفتيات لأن بيانات السائق والسيارة مسجلة لديهم كما أن القيادة فى الشركة يحكمها ضوابط تجعل الرحلة أكثر راحة للزبائن".
وقال محمد بأسى: "كلها أرزاق محدش بياخد رزق حد ومسمعناش عن حد مات من الجوع".
أما سيد محمود وهو سائق بشركة أوبر، فهو أب لطفلين، يعمل بالشركة منذ حوالى شهرين فقط، بعد أن فقد عمله كعامل فنى صيانة فى إحدى شركات القطاع الخاص التى خفضت العمالة، وكان العمل كسائق على سيارة فى الشركة هو خياره الأنسب، وفى حالة إغلاقها ووقف عملها فى مصر فليس لديه بديل آخر حاليا.
وشدد محمود، على أن كل سائقى أوبر وكريم لا يعترضون على تقنين أوضاعهم، فأى إجراء فى مصلحة الدولة هم مؤيدين له، ولكن لا يجب أن يقف أحد أمام مصالحهم هم كسائقين بغلق الشركات وتشريد العاملين بها، وتساءل: "سائق التاكسى متضرر من إيه؟ كل واحد ليه رزق هياخده ومحدش هياخد رزق حد".
أوبر وكريم: نحترم القضاء ومستمرون فى العمل بمصر.. وجدل على السوشيال ميديا
الشركات من جانبها طمأنت شركائها من السائقين من خلال رسائل على هواتف المحمولة تؤكد استمرارها فى العمل فى مصر، بحسب ما أكده إسلام سائق على سيارته الخاصة بشركة اوبر، مؤكدًا على أن عدد كبير من العملاء يتساءلون منذ الأمس عن مصير عمل خدمات اوبر وكريم.
وأكدت الشركتان فى بيانين أصدرتهما مساء أمس، احترامهما لأحكام القضاء، واتخاذهما الإجراءات القانونية للطعن على الحكم، واستمرار عملهم فى مصر.
وعَلَق عبد اللطيف واكد مدير عام شركة أوبر فى مصر على الخبر الذى تم تداوله بخصوص ما صدر من المحكمة الإدارية، فى بيان له: "نحترم أحكام القضاء المصرى، وعليه لا نستطيع التعليق بشكل مفصل على الإجراءات القضائية التى مازالت تحت المداولة، ولكننا سنقوم بالطعن لدى المحكمة المختصة، وستظل خدماتنا متاحة فى مصر، ومن المهم أن نوضح أن القرار الصادر اليوم لا يعنى وقف نشاط شركة أوبر فى مصر، حيث تعد أوبر من أكبر المشاركين فى تنمية الاقتصاد الوطنى، حيث أسهمت فى خلق أكثر من 150 ألف فرصة للكسب فى مصر خلال عام 2017 وحده".
وتابع فى بيانه: "نعمل على مدار العامين الماضيين بشكل مستمر مع اللجنة الوزارية المنوطة بتقنين منظومة النقل التشاركى، وأن الشركة سوف تقف دومًا داعمة لجميع الجهات نحو سرعة إصدار هذا القانون، وتعمل اوبر كل ما فى وسعها لتضمن أن يستمر ملايين المصريين فى الاستفادة من خدمات النقل عبر التطبيقات الذكية، ونلتزم بالعمل مع جميع الأطراف فى منظومة النقل، بما فى ذلك التاكسى، لتنمية هذا القطاع فى مصر سويًا."
فيما قالت شركة كريم فى بيان لها على صفحتها الرسمية بموقع التواصل الاجتماعى فيس بوك: "تناقلت بعض وكالات الأنباء أخبار عن وقف عمليات شركة كريم فى مصر وتؤكد الشركة على استمرار العمل بشكل طبيعى ولم يتم إبلاغها رسميا بوقف عملياتها".
وشهدت مواقع التواصل الاجتماعى جدلا حول وقف عمل شركات النقل التشاركى فى مصر، والذى لا يقتصر على اوبر وكريم فقط، وإنما كافة الشركات المثيلة بحسب نص الحكم الذى لم تعلن حيثياته بعد، وكانت أغلب تعليقات المتعاملين غاضبة من وقف عمليات اوبر وكريم، مطالبة من الحكومة بتقنين أوضاعها لأنها قدمت خدمة مريحة وأكثر أمانا لكثير من المواطنين الذين يفضلون الانتقال من خلالها وعدم استقلال التاكسى.