ككرة من الثلج، تتفاقم الأزمات التى تحاصر موقع التواصل الاجتماعى "فيس بوك"، وعملاق محركات البحث جوجل، فبعد قرابة أسبوعين من فضيحة تسريب بيانات 50 مليون مستخدم واستخدامها لأغراض سياسية والتى تورطت فيها شركة كامبريدج انالتيكا البريطانية مع إدارة فيس بوك، وما أسفرت عنه تلك الفضيحة عن خسارة الموقع الشهير ما يزيد على 70 مليار دولار ـ 60 مليار دولار انخفاض فى القيمة التسويقية وخسارة 10 مليارات من ثروة مؤسسه ـ يتأهب الاتحاد الأوروبى لتفعيل لائحة حماية البيانات بداية من الشهر المقبل فى إجراء يفرض الكثير من القيود على شبكات السوشيال ميديا.
فضيحة كامبريدج أنالتيكا العابرة للقارات، والتى تورطت فيها حملة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب بعد الكشف عن تعاونها خلال انتخابات 2016 مع الشركة البريطانية واستغلال بيانات المستخدمين التى تم تسريبها لأهداف سياسية بغرض التأثير على الرأى العام خلال الانتخابات، أربكت بدورها حسابات البيت الأبيض، إلا أنها فتحت الباب بقوة أمام الدول الأوروبية لتولى زمام المبادرة فى التصدى لدور فيس بوك المشبوه على الصعيدين الأمنى والاقتصادى.
وقبل أقل من شهر على تفعيل الاتحاد الأوروبى لائحة الخصوصية الجديدة، دق الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون جرس إنذار من خروج "فيس بوك" عن السيطرة، مؤكداً أن موقع التواصل بجانب محرك البحث جوجل يتحملان مسئولية العديد من الاضطرابات الأمنية التى جرت فى دول عدة، وهو ما سيجعل تفكيكهما سيناريو غير مستبعد.
وفى تصريحات "ماكرون" التى نشرها موقع "وايرد" ، ألقى الرئيس الفرنسى الشاب بالكرة فى ملعب واشنطن، معتبراً أن الموقعين يشكلان فى الوقت الحالى "مشكلة أمريكية".
وبداية من مايو المقبل، ستدخل اللائحة العامة لحماية البيانات الخاصة به حيز التنفيذ فى الدول الـ 28 الأعضاء فى الاتحاد الأوروبى، وهو التحرك الذى يأتى بعدما اتهمت العديد من دوائر أوروبا الرسمية وشبه الرسمية ، فيس بوك والقراصنة الإلكترونيين الروس بالوقوف وراء أزمات عدة مثل أزمة انفصال إقليم كتالونيا فى أسبانيا، ومحاولات التأثير على الرأى العام الفرنسى فى انتخابات الرئاسة الأخيرة التى تنافس فيها الرئيس الحالى إيمانويل ماكرون مع اليمينية المتطرفة، زعيمة حزب الجبهة الوطنية مارين لوبان.
وأمام تزايد الاتهامات التى توجهها دولاً عدة لـ"فيس بوك" بالوقوف وراء العديد من الأزمات السياسية فضلاً عن توفيره منصات إلكترونية لجماعات العنف والإرهاب، وترويجه للأخبار الكاذبة، اعترف مؤسس فيس بوك بدور الموقع فى تأجيج مشاعر الكراهية ضد أقلية الروهينجا المسلمة فى ميانمار وضد المسلمين بوجه عام.
المواجهة الأوروبية مع "فيس بوك" والتى يقابلها فتوراً من جانب البيت الأبيض، دفعت توم ويلر رئيس لجنة الاتصالات الفيدرالية الأمريكية السابق للتحذير من ضرورة التحرك بقوة داخل واشنطن لحماية بيانات وأسرار المواطنين ومعلوماتهم الخاصة، مشيراً فى مقال فى نيويورك تايمز إلى أن ما يهم الآن هو طرح السؤال : "لماذا لا نملك كمستهلكين وسائل فعالة لحماية تلك البيانات من الاستيلاء عليها وبيعها لشركات أخرى؟".
ويشير ويلر، إلى أنه فى الوقت الذى لم تفعل فيه الحكومة الأمريكية الكثير لمساعدة المستخدمين فى هذا الصدد، فإن الاتحاد الأوروبى يتعامل مع المشكلة بشكل مختلف، موضحاً أن اللائحة التى سيقرها الاتحاد قوية فى بساطتها، فهى تضمن أن المستهلكين يمتلكون معلوماتهم الخاصة وبالتالى لديهم الحق فى التحكم فى استخدامها وأن شركات الإنترنت عليها التزام بمنح المستهلكين الأدوات اللازمة لممارسة تلك السيطرة.
وتتطلب القواعد الأوروبية، على سبيل المثال، من الشركات تقديم وصف بسيط لممارسات جمع المعلومات الخاصة بها، بما فى ذلك كيفية استخدام البيانات، وكذلك جعل المستخدمين "يختارون" صراحة عما إذا كانوا يوافقون على جمع معلوماتهم. كما تعطى القواعد للمستهلكين الحق فى معرفة المعلومات المتعلقة بهم، والقدرة على حذف تلك المعلومات.
ويكشف ويلر، الذى تولى رئاسة لجنة الاتصالات الفيدرالية الأمريكية حتى 2017، عن فرض اللجنة متطلبات شبيهة على شركات التكنولوجية فى 2016، غير أن الأمر باء بالفشل بعد ضغط من هذه الشركات على أعضاء الكونجرس. وأوضح أن الكونجرس مرر قانون، هذا العام، وقعه الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، يحظر لجنة الاتصالات الفيدرالية من فرض مثل هذه المتطلبات.
التحرك الأوروبى المرتقب، والذى سيفتح الباب أمام المزيد من الخسائر لموقع "فيس بوك"، يأتى بعدما فقد الموقع بالفعل ما يزيد على 50 مليار دولار من قيمته التسويقية ، وهو ما دفع مؤسسه مارك زوكربيرج لنشر اعتذاراً رسمياً على صفحة كاملة فى العديد من الصحف الأمريكية والبريطانية فى محاولة فاشلة لاحتواء الأزمة ووقف نزيف الخسائر الذى جاء بعد فضيحة تسريب بيانات المستخدمين.