وفى الوقت الذى يتكتم فيه الغنوشى على ما يتم تدبيره داخل صفوف الحركة إلا أن تحركاته تكشف أطماع الإخوان فى السلطة فى تونس بعدما تركوها جراء ضغوطا شعبية فى أعقاب سقوط الجماعة الإرهابية فى مصر وتراجعها فى دول الربيع العربى، لكن يبدوا أن الحركة الإسلامية اتخذت قرار بالعودة من جديد لتقدم الصفوف.
تلك الحقائق انكشفت فى حديث رئيس الحركة الغنوشى لمجلة جون أفريك الفرنسية، حيث أكد على أنهم فى الحركة منشغلون الآن بالانتخابات البلدية، التى لها الأولوية سعيا للحصول على الأغلبية، وتكمن أهمية تلك الانتخابات فى تونس كونها ستمثل أول تطبيق للحكم الذاتى للولايات التونسية وتطبيق اللامركزية فى الحكم المحلى وفقا لدستور 2014.
الغنوشى أوضح فى حواره، أن الخطوة التالية للمحليات هى انتخابات الرئاسة، مؤكدا على أنّ النهضة ستشارك فيها ولن تكرر خيار الحياد كما فى عام 2014، فى أول إعلان رسمى للغنوشى بأن النهضة عازمة على ترك الصف الثانى فى البلاد، وقال إن الحركة ستشارك فى الانتخابات الرئاسية، والتى ستعقد العام المقبل، مشيرًا الى أنها ستبحث كيفية مشاركتها هل ستكون بالدفع بمرشح من قبلها أم بدعم مرشح آخر، بعد التشاور مع الأحزاب «الصديقة».
صحيفة المغرب التونسية، قالت إن السياسيين يتوقعون أن يكون الغنوشى هو مرشح حركة النهضة للرئاسة، حيث أن الفصل الـ32 من القانون الأساسى المنقح بعد المؤتمر العاشر، ينص على أن رئيس الحزب «يترشح لشغل المناصب العليا فى الدولة وله ترشيح من يراه مناسبا لذلك بدلا عنه بعد تزكية هذا المرشح من مجلس الشورى».
الصحيفة أشارت أيضًا إلى أن هذا يعنى استئثار الغنوشى بصلاحية تقرير من يمثل حركة النهضة لخوض الاستحقاق الرئاسى، لافتة إلى أن تصريحاته يمكن ربطها بالتطورات المتتالية منذ أن ظهر رئيس الحركة بإستراتيجية جديدة، تمثلت فى ارتداء بدلة وربطة عنق، ليصدر صورة مدنية تمكنه من الصعود للحكم بعيدا عن الخلفية الإسلامية له وللحركة التى يرأسها.
وشددت الصحيفة، على أن الخطاب من دون صورة لا يكفى لإقناع الجمهور، وهو ما ادركه الفريق المكلف بتغير الصورة الذهنية عن رئيس الحركة لدى التونسيين، بهدف رفع نسب الثقة والرضا على رئيس الحركة الذى ظل طوال السنوات السبع يحظى بنسبة تتراوح بين 4 - 6% من نوايا التصويت فى الانتخابات الرئاسية وفقا لاستطلاعات الرأى الداخلية.
حركة النهضة التى يقول رئيسها إن شكل المشاركة لم يحسم، ليترك الباب أمام إمكانية عدم تقدمه هو للاستحقاق الرئاسى، رغم أن جزءا من أبناء حركته يعتبرون ان المحطة السياسية القادمة لرئيسهم هى قصر قرطاج، فحركة النهضة تعتبر أن مفتاح السلطة هو رئاسة الجمهورية وأن الحركة يمكنها التخلى عن رئاسة الحكومة لصالح حليف أو حتى لحكومة تكنوقراط، لكن الرئاسة لا يقبل أن تتخلى عنها النهضة لصالح أى طرف سياسى غيرها.
ووفقا لحديث رئيس الحركة فإن حسم الخيار سيكون إثر الانتخابات البلدية، فالنتائج التى ستتحقق هى من سيحدد شكل خوض النهضة للاستحقاق الرئاسي، وفى إطار سعيها للسيطرة على انتخابات البلديات احتلت حركة النهضة التونسية صدارة ترتيب الأحزاب التونسية فى عدد القوائم المترشحة، بتغطية بـلغت 100%، عن كل الدوائر الانتخابية، وعددها 350 دائرة.
وقال مجلس شورى حركة النهضة بعد اعتماد قوائمها الانتخابية، إنه مرتاحا لانفتاح الحركة على المستقلين فى رئاسة القائمات، والذين تعدوا نسبة 50% من المترشحين فضلا عن وضع المرأة فى مواقع عديدية فى مغازلة صريحة للشعب التونسى ومحاولة الظهور بمظهر المنفتح على الدولة المدنية، وتحاول الحركة بهذه المناورة السياسية التوارى خلف المستقلين والمرأة وجذب الناخبات والناخبين إلى صناديق الاقتراع للتصويت لقائماتها، حيث يراهن الغنوشى على الفوز بنتائج الانتخابات البلدية ليحسم ترشيح الحركة شخصا لانتخابات الرئاسة بناء على الأوزان الانتخابية التى يعتبرها أرضية شرعية شعبية.
الخبراء أكدوا على أن تحركات حركة النهضة التونسية لا يمكن أن نتخذها بمعزل عن تحركات أحزاب الإسلام السياسى فى المنطقة، فيبدوا أن التنظيم الدولى يسعى الى إعادة بناء صفوف الأحزاب المنتمية له خاصة فى منطقة شمال أفريقيا، فعلى بعد بضع كيلو مترات من تونس بدءوا إخوان ليبيا فى تحركات مشابهة بالعودة لمغازلة الشعب الليبيى أملا فى العودة للساحة السياسية من جديد.
كما بدءوا يتحركون بالمثل فى الجزائر باللعب على وتر الاحتجاجات الاجتماعية التى شهدتها البلاد فى الفترة الأخيرة منذ بداية العام الجارى، حيث استغلوها لمهاجمة الحكومة ومحاولة كسب ود الشعب الجزائرى بالظهور بمظهر المدافع عن حقوق المواطنين.