حملات مناهضة للريفيين
وظهرت تلك الصفحات الهادفة لزرع العنصرية داخل المجتمع المصرى، خصوصا ضد أهل الريف، حتى اقتصرت على أبناء المدن الساحلية تحديدًا الإسكندرية الذين دشنوا بعض الصفحات على غرار "لا لدخول الفلاحين اسكندرية فى الصيف" و"هنكهرب بحر إسكندرية علشان الفلاحين يمشوا"، التى تنتقد التواجد الكثيف لأهل الريف فى الإسكندرية صيفًا وسلوكياتهم فى المصيف، بل امتدت إلى حملة تدعو لـ"مناهضة الفلاحين وثقافة الريف فى مصر" والتى يقول أصحابها فى وصفها إنها صفحة تهدف إلى "إرشاد المجتمع المصرى بأن سبب مشاكله المزمنة ثقافة الريف والفلاحين".
منشورات من صفحة "مناهضة الفلاحين وثقافة الريف في مصر"
هذه الصفحات والتدوينات وردود الفعل عليها تدفعنا للتساؤل: كيف ينظر المجتمع المصرى لأهل الريف؟ وهل حقًا هناك نظرة عنصرية تجاههم؟
يقول الدكتور سعيد صادق أستاذ علم الاجتماع بالجامعة الأمريكية لـ"اليوم السابع" إنها ليست نظرة عنصرية بقدر ما ينظروا لأهل الريف باعتبارهم أقل تحضرا، ويضيف:"هذا الوضع لا يخص مصر فقط، وإنما موجود فى كثير من دول العالم، ولكن يزيد الأمر سوءا فى مصر أن الإعلام دائمًا ما يجعلهم يظهرون أشخاصا سذجا أقل تحضرا وأقل إدراكا للصح والخطأ.
دكتور سعيد صادق
ويتابع:" وضع الريف المصرى حاليًا تغير كثيرًا وشهد تحولات ضخمة جدًا، ولكن رغم هذا التطور لا تزال هذه النظرة موجودة، ربما بدرجة أقل لأن الكثير من أهل الريف سافروا أوروبا والدول العربية، وعلى الرغم من أن غالبية الشعب المصرى ينتمى للريف، ورغم أن من يحكموا مصر قادمين أصلاً من الريف لكن ما يحكم الريف هو المدن.
أما الدكتورة هالة منصور ترى أن هذه الحملات غير معبرة عن رأى سائد، وإنما عبارة عن نوع من أنواع الاستخدام السىء للسوشيال ميديا، وتعتبرها حملات مغرضة تهدف إلى تقسيم المجتمع المصرى، كمحاولات تقسيمه إلى مسيحيين ومسلميين، ريف وحضر، قبلى وبحرى. وتضيف: "الواقع أن المجتمع المصرى بما فيهم المثقفين والناس الواعية يتمنوا لو نعود لثقافة وأخلاقيات الريف المصرى، ودائمًا ما نقول، ياريت نتمسك بأخلاق القرية المصرية، وكلنا نتمسك بقيم القرية ونتمنى أن تسود فى المجتمع، حتى الرئيس السادات حين وضع قانون العيب كان مرتبطًا بأخلاق القرية".
دكتورة هالة منصور
تتفق معها فى الرأى الدكتورة عزة صيام، أستاذ علم الاجتماع بجامعة بنها، وتقول: "الريف المصرى له فكر خاص ودائما نسمع أننا نتمنى أن نرجع للقيم الريفية والأصول الريفية التى تربينا عليها لأن بساطة الفلاح المصرى جعلته دائمًا له رؤية بعيدة وله قواعده وقوانينه، والريف المصرى جزء من المجتمع من الصعب جدا أن نقاوم هذا القطاع، هو له بساطته فى التفكير وله قيمه وعاداته وتقاليده ونحن جميعًا من أصول ريفية فلا يمكن مناهضة القرية وإنما يمكن تطويرها وتحسين آدائها وتحسين طريقة تفكير المواطن الريفى والأخذ بيده ليكون إيجابيًا فى التفكير.
الدكتورة عزة صيام
وأضافت الدكتورة عزة صيام: "فى السنوات الأخيرة النظرة للفلاح المصرى تغيرت للأفضل لأنه أحدث تطورا كبيرا فى هذا المجتمع والقرية استعادت توازنها مع نفسها وتوازنها مع المجتمع ككل، وحققت برامج تنمية وتطوير الريف نتائج إيجابية وأصبحنا نرى فى كل قرية عمارات وإنترنت وتليفزيون والتكنولوجيا دخلت كل بيت، والمجتمع مدرك هذا ومدرك أن القرية تتحسن.
فيما يستبعد الدكتور حسن الخولى، أستاذ علم الاجتماع والأنثروبولوجيا فى جامعة عين شمس أن تكون مثل هذه النظرة سببا فى ابتعاد شريحة كبيرة من أهل الريف عن الزراعة ويقول: "لا أعتقد أن مثل هذه الأفكار هى ما أثرت على عدد العاملين فى الزراعة فى مصر، فالتركيب الاجتماعى فى كل المجتمعات تغير وفى الماضى كانت الزراعة مصدر 90% من الدخل القومى ولكن حاليا هناك التجارة والصناعة والأنشطة الاقتصادية المتنوعة.
وتابع:"الفلاح المصرى ابتعد عن الزراعة لأسباب عدة منها أن العمل فى الزراعة لم يعد يحقق الربحية التى كان يحققها قديما، ثانيا الرقعة الزراعية تضاءلت بالنسبة لعدد السكان، إلى جانب عوامل اقتصادية مختلفة لأن الفلاح فى النهاية يبحث عن العائد عليه من العمل الذى يمارسه، كما أن دول العالم تدعم الفلاح وتمنحه مساعدة لينتج ولكن فى مصر الفلاح لا يجد مثل هذا الدعم.
ويرى أن هذه الدعوات هدامة وظالمة، موضحا: "مصر بلد زراعى بالأساس والعمل الزراعى بدونه لا تنهض أى بلد، والمجتمع الذى لا ينتج قوته لا يملك كلمته والفلاح المصرى أيام الفراعنة كان يحصل على الكثير من التقدير، والفلاح هو أساس الحضارة فكل كتب التاريخ تسجل أن الحضارة توجد عندما يستقر الإنسان على ضفاف الأنهار ويمارس الزراعة، بالتالى الفلاح المصرى له تاريخ عريق وأى شخص يطلق حملة ضده أو يحاول أن ينال منه أو يحاول تشويهه هو شخص ظالم.