مساع ومحاولات تقوم بها الدولة الإيرانية لتخفيف وطأة العقوبات التى فرضتها الولايات المتحدة عليها، عقب انسحاب واشنطن من الاتفاق النووى فى الـ 8 من مايو الجارى، ومن أجل الخروج من مأزق العقوبات والمزيد من التدهور الاقتصادى الذى ستعانى منه طهران السنوات المقبلة، تضمنت إحدى الخطط الاقتصادية التى ستعمل الحكومة الإيرانية على تنميتها هى تنشيط القطاع الخاص لمواجهة العقوبات.
وخلال استقباله مجموعة من الأساتذة والناشطين الاقتصاديين، أكد الرئيس الإيرانى حسن روحانى على ضرورة تنشيط القطاع الخاص، لسلب أمريكا أداتها الرئيسية فى ممارسة الضغط، وأضاف "إذا وقفنا جنبا إلى جنب سنحول کافة العقوبات إلی فرص و بإمكان القطاع الخاص أن یحبط الحظر المفروض ویوفر فرص جدیدة.
وأشار روحانی إلی العقوبات على بلاده قائلا "إنهم یكذبون حینما یقولون لا نستهدف الشعب الإیرانی فی العقوبات بل إنهم یریدون إلحاق الخسارة بأبناء الشعب الإیرانی"، مشددا "بإمكان القطاع الخاص أن یحبط العقوبات".
حديث روحانى عن تقوية القطاع الخاص والتطبيق السليم للخصخصة ليس جديدا، ففى رمضان العام الماضى، دعا لتقوية هذا القطاع فى إطار انتقاده لعدم التطبيق الجيد للخصخصة التى أدت إلى استحواذ الحرس الثورى على جزء من الاقتصاد، وعليه انتقد تسليم اقتصاد بلاده إلى الحرس الثورى بذريعة الخصخصة، وشبه روحانى هذه المؤسسة بدولة تحمل البندقية تهيمن على الاقتصاد والسياسة والإعلام فى البلاد.
وقال روحانى: "خامنئى أكد على أن الهدف من تنفيذ المادة 44 من الدستور هو تسليم الاقتصاد إلى المواطنين، مضيفا "فماذا عسانا أن نفعل بعد أن سلمنا جزء من الاقتصاد الذى كان فى يد دولة بلا بندقية إلى دولة تحمل البنادق، هذا ليس اقتصاد أو خصخصة"، وقال أيضا إن "تلك الحكومة التى تمتلك البندقية تمتلك أيضا وسائل إعلام وكل شىء، ولا يجرؤ أحد على منافستها".
روحانى الذى يأمل فى بناء قطاع خاص حقيقى، يرى مراقبون أنه يأتى لهدف تقوية اقتصاد بلاده، وإبعاد الحرس الثورى عن هذا القطاع الذى يرى الكثير من المحللين فى إيران أنه تدهور منذ تدخل هذه المؤسسة، لذا يخوض الرئيس المحسوب على المعتدلين معركة كبرى من أجل خلع يد الحرس من الاقتصاد، وندد فى عدة مناسبات بتدخله ليس فى هذا القطاع فحسب بل فى السياسية أيضا، وفى حوار تلفزيونى بأغسطس العام الماضى، قال "هدف حكومتى هو تسليم المؤسسات الاقتصادية إلى الشعب، واعتقد أنه بخلاف الحكومة ينبغى على القوات المسلحة أن تسلم المؤسسات الاقتصادية، وتحدثت فى هذا الصدد مع المرشد الأعلى وهو يوافقنى الرأى تماما، على أن تسلم جميعها إلى الشعب، الأمر سوف يؤدى إلى ازدهار اقتصادى، وسيخلق تطور فى اقتصاد بلادنا".
وأدت حالة التردى الاقتصادى فى إيران، إلى اندلاع تظاهرات عارمة فى أواخر ديسمبر العام الماضى، نددت فى أكثر من 70 مدينة إيرانية بالغلاء والفقر ومواجهات عنيفة حصدت نحو 25 قتيلا، الأمر الذى أعقبه تعليمات للمرشد الأعلى جاءت فى إطار تصريحات لوزير الدفاع الإيرانى الجنرال أمير حاتمى فى مقابلة أجراها فى يناير الماضى مع صحيفة "إيران" الحكومية، قال فيها إن خامنئى أصدر تعليمات للحرس الثورى بتخفيف قبضته على الاقتصاد.
وقال وزير الدفاع الإيرانى "إن خامنئى أمر الجيش الإيرانى والحرس الثورى بالنأى عن النشاطات الاقتصادية غير المرتبطة مباشرة بعملهما، مضيفا: "نجاحنا يعتمد على شروط السوق"، وأشار إلى مؤسسة خاتم الأنبياء للتشييد والتى تضم 135 ألف موظف، ينشطون فى التنمية المدنية وقطاعى النفط والدفاع".
وكلما يثار النقاش حول الخصخصة فى إيران يفتح باب الجدل أمام احتمالية خصخصة مؤسسات ضخمة تابعة للحرس والقوات المسلحة، الأمر الذى يثير بالتبعية تساؤلا حول ما إذا كانت تلك المؤسسات العسكرية ستوافق عن التنازل عن أكثر من نصف نفوذها فى الداخل، وإمبراطوريتها الاقتصادية المتشعبة فى مفاصل الدولة، والتى تؤثر عن طريقها فى اللعبة السياسية.
وأشارت تقارير إيرانية إلى أن حسن روحانى يرغب فى تعزيز سلطة القطاع الخاص الحقيقى، وكلما تحدث عنه يقول "نريد تقوية القطاع الخاص الحقيقى" ويقصد من كلمة حقيقى هى القطاع الخاص الخالص وليس الذى يتبع الحرس الثورى، تلك المؤسسة التى أصبحت يمتعض من مساعى الحكومة لخلع يده من الاقتصاد، على سبيل المثال فى عام 2006 ألمح خامنئى بضرورة تنفيذ المادة 44 من الدستور، وخصخصة 80% من القطاع العام والتنازل عن الشركات الإيرانية إلى القطاع الخاص، إلا أن ذلك لم يحقق على أرض الواقع.
وفى إطار هذه المساعى أصدر روحانى فى يناير الماضى أوامر لحكومتة للحد من تدخلها فى الاقتصاد، تمهيدا لنقل ملكية شركاتها إلى القطاع الخاص، وكشف محمود واعظى، مدير مكتب حسن روحانى، أن الأخير أعطى أوامر جديدة بالحد من سيطرة بعض المؤسسات التى تديرها الدولة على الاقتصاد.
وأكد أن روحانى لديه إصرار على نقل الأنشطة الاقتصادية التى تديرها المؤسسات العسكرية إلى الشعب والقطاع الخاص، ويرى أنه على الحكومة أيضا أن ترفع يدها على الاقتصاد قدر المستطاع، حتى تنعدم سيطرتها فى المستقبل لتصل إلى الصفر، وعقب إعادة العقوبات مجددا على إيران فلم تجد الدولة الإيرانية أمامها سوى الاتجاه إلى تقوية القطاع الخاص بشكل سليم لمواجهتها.