- روحانى فشل فى خلع يد الحرس الثورى من الاقتصاد والسياسى
- تقويض سلطة روحانى وإقصاء الاصلاحيين من المشهد السياسى
- طهران تستغل موقف الأوروبيين من الاتفاق لانتزاع امتيازات اقتصادية
- فرصة كبرى أمام المعسكر المحافظ لهزيمة الإصلاحيين فى الانتخابات الرئاسية المقبلة 2021
بخطوات مندفعة نحو قاعة البيت الأبيض مساء الثلاثاء، وبجرة قلم كتب الرئيس الأمريكى شهادة وفاة الاتفاقية النووية الإيرانية التى تم التوصل إليها بعد مفاوضات شاقة استمرت لسنوات بين طهران والقوى العالمية، لكنه إعلان وفاة مؤجل، لأن أطراف الاتفاق الأوروبية لا تزال متمسكة به وأصبحت الكرة الآن فى ملعبها، أما فى الداخل الإيرانى فالأمر سوف يختلف كثيرا فبعكس ما ترجوه واشنطن من الانسحاب وإعادة العقوبات فسوف تصب قراراتها فى صالح إيران.
وفى هذا السياق يمكن قراءة تأثير خطبة ترامب مساء الثلاثاء وقرار الانسحاب وإعادة العقوبات من زاوية مختلفة، فخطوات الرئيس الأمريكى منذ صعوده للبيت الأبيض كان أغلبها يصب فى صالح الفريق المتشدد، بل ويجعل للتيار المتشدد اليد العليا فى السياسة الإيرانية، بعكس سلفه باراك أوباما الذى حاول بشتى الطرق أن يمكّن الإصلاحيين ويمد الجسور نحوهم، وجاء قرار البيت الأبيض الأخير بإعادة العقوبات بمثابة قبلة حياة للمعسكر المتشدد والمؤسسة الفاعلة والمهيمنة فى إيران مؤسسة الحرس الثورى.
ترامب
عودة مملكة الحرس الثورى الاقتصادية وتربحه من العقوبات
قبل 3 سنوات أى قبل توقيع الاتفاق النووى عام 2015، وبموجب العقوبات الدولية كان يحظر على إيران استيراد وتصدير السلع، وإيجاد مكانا لنفطها فى الأسواق العالمية وقبل أن تستحوذ إيران على حصة فى سوق النفط مؤخرا بفعل الاتفاق النووى، عمل الحرس الثورى على الالتفاف على العقوبات عبر تأسيس شبكة اقتصادية ضخمة قوامها من الشركات والوسطاء التى تمكنت السنوات الماضية من بيع النفط الإيرانى، الأمر الذى تسبب فى هيمنة هذه المؤسسة على قطاع كبير فى الاقتصاد الإيرانى الذى تضرر بشكل كبير جراء ذلك، ما دفع روحانى خلال ولايته الأولى التى امتدت من (2013- 2017) بالتنديد بهذه الهيمنة وسعى لخلع يد هذه المؤسسة من الاقتصاد والسياسية أيضا، ففى مايو العام الماضى خلال جولاته الانتخابية تحدث علنا عن هذه القضية، وقال روحانى مايو 2017 "فى الأربع سنوات الماضية استاء تجار العقوبات من كساد تجارتكم، تريدون أن تعيدونا إلى الوراء 4 سنوات، نحن لا نتراجع واختارنا طريقنا".كما أنه فى عام 2015 وصف الحرس الثورى "بتجار العقوبات" والسماسرة التى تربح منها.
ومن خلال هذه المعطيات فان قرار إعادة العقوبات على إيران، سيجعل روحانى خاسرا فى معركته مع الحرس للخروج من الاقتصاد، حيث من المتوقع أن يؤدى إلى استفحال أنشطة الحرس الثورى الاقتصادية التى حاول روحانى أن يحد منها من خلال جذب استثمارات أجنبية تحل محل شركات الحرس الثورى وتقوض نفوذه فى المجال الاقتصادى، وسوف تعود هذه المؤسسة سريعا إلى تفادى العقوبات كما ظلت تفعل السنوات الماضى، فأصبحت لديها الخبرة فى الالتفاف على العقوبات، وتصريحات قائد الحرس الثورى تؤكد ذلك، فقد قال محمد على جعفرى صباح اليوم التالى لإعادة العقوبات "إيران لديها خبرة طويلة فيما يتعلق بتنمية البلاد فى ظل العقوبات".
لن يتوقف الأمر عند هذا، بل سيتعزز القبضة الأمنية أكثر من أى وقت مضى، فالإدارة الأمريكية بقيادة ترامب وصقوره التى صرحت أكثر من مرة بمساعيها لإسقاط النظام، لذا متوقع أن ترفع طهران من مستوى الجهورية الأمنية فى كافة القطاعات لاسيما وأن بعض المحافظات شهدت احتجاجات متفرقة فى ديسمبر الماضى.
الحرس الثورى الايرانى
التيار المتشدد المستفيد من قرار ترامب
انهيار الصفقة سيصب فى صالح الدولة الإيرانية ولاسيما المعسكر المحافظ والمتشددين على وجه الخصوص والذى رفض الصفقة منذ بدايتها ويرى أن من مصلحتهم أن يبقى مناخ العداء والمؤامرة الذى يحكم العلاقات التى تربط الجمهورية الإسلامية بالغرب والولايات المتحدة الأمريكية، لذا سوف يستغل هذا التيار قرارات واشنطن الاستغلال الأمثل، فسوف يتصدر "الخطاب التعبوى" الذى برعت فيه إيران منذ انتصار الثورة المشهد من جديد لإشعال حماس الجماهير الإيرانية الغاضبة من الولايات المتحدة ودعوتها للالتفاف حول الدولة الإيرانية ودعمها فى صراعها مع "الشيطان الأكبر"، سيدفع هذا التيار نحو إعادة الانسجام والوحدة الوطنية وتنحية الخلافات وصراع الأجنحة والتيارات السياسية جانبا، والتركيز على إجهاض مؤامرة الأعداء ضد الجمهورية الاسلامية، وسوف يتصدر هذا التيار المشهد السنوات المقبلة.
المتشددين
إيران ستستغل موقف الأوروبيين من الاتفاق وتنتزع امتيازات اقتصادية
موقف الأوروبيين (ألمانيا وفرنسا وبريطانيا) أمس المتمسك بالصفقة عقب قرار ترامب، جعل طهران تلقى بالكرة فى ملعبهم، وهو ما يمكن قراءته فى خطاب روحانى المتلفز أمس الثلاثاء والذى ألقاه عقب دقائق من انتهاء خطاب الرئيس الأمريكى أعلن فيه أنه سيبدأ مشاورات مع الأوروبيين والصينيين والروس، لمعرفة مدى قدرتهم على ضمان المصالح الإيرانية فى الاتفاق، وهو تصريح يشير إلى أن طهران أخذت فى حسبانها الهرولة الأوروبين على أسواقها، لذا سوف تمارس ابتزازا عليهم لانتزاع امتيازات اقتصادية، وتساومهم وقد تزيد من ضغوطها لعقد صفقات تجارية ومنح طهران استثمارات كبرى حتى تبقى على الاتفاق.
وبخلاف روحانى اشترط المرشد الأعلى الإيرانى فى أول تعلق له على القرار الأمريكى على الأوروبيين منح طهران ضمانات من أجل ابقاءها على الاتفاق، قائلا"يُقال بأننا سنواصل الاتفاق النووي مع ٣ بلدان أوروبيّة. لستُ واثقاً بهذه البلدان الثلاثة أيضاً، إذا أردتم عقد اتفاق فلنحصل على ضمانات عملية وإلا فإن هؤلاء سيقومون جميعاً بما فعلته أمريكا"، وخاطب خامنئى مسئولى بلاده قائلاً: إذا استطعتم أخذ ضمانات، وأنا أستبعد ذلك، وإذا عجزتم عن أخذ ضمانات حتمية وحقيقية فلن يكون مقدوراً مواصلة تنفيذ الاتفاق".
المرشد الاعلى
قبل 3 سنوات أى عندما وقع روحانى على الاتفاق وضع الرئيس الإيرانى بيضه كله فى سلة واحدة، وربط مصير حكومته وبرنامجه ووعوده الانتخابية بالصفقة الدبلوماسية الوليدة آنذاك، وعمل خلال عام الاتفاق الأول على الترويج له بشكل كبير فى وسائل الإعلام المحسوبة على التيار الإصلاحى ورفع من سقف الطموح لدى الجماهير الإيرانية وحلق عاليا بأحلام لطالما داعبته هو والتيار الإصلاحى مثل الانفتاح على الغرب والتعامل البناء مع العالم، وإفشال هذه الصفقة يعنى فشل الرئيس المعتدل وانخفاض شعبيته من وجهة نظر المتشددين.
أما التيار الاصلاحى ممن دعم روحانى واستغلوا رصيدهم الاجتماعى والسياسى لإنجاحه وتقدم برامجه الإصلاحية سوف يتلقى ضربة قاضية قد تقصيه من المشهد السياسى الإيرانى ويتم تهميشه مجددا السنوات المقبلة، ففشل هذا الاتفاق الذى دعمه هذا التيار منذ الأيام الأولى لتوقيعه سيترتب عليه الإضرار بمكانته السياسية فى الداخل وانهزامه أمام خصومهم السياسيين من التيار المتشدد بل وفقدان الإصلاحيين رصيدهم السياسى، وسيشكل أيضا فرصة كبرى للمعسكر المحافظ لتشويه صورة التيار الإصلاحى، خلال الانتخابات الرئاسية المقبلة 2021، والذى من المتوقع أن يلعب بورقة الاتفاق النووى لهزيمة مرشحى هذا التيار.
إضافة إلى أن إعادة فرض العقوبات سيعرقل مشاريع روحانى وصفقاته التى تمكن من انتزاعها السنوات الثلاث الماضى مع الشركات العالمية، وفى مقدمتها شركة "بوينج" عملاق صناعة الطائرات الأمريكية، التى وقعت مع إيران في ديسمبر 2016، عقد بيع 80 طائرة بقيمة 17 مليار دولار ، وايرباص الفرنسية، فعقب اعلان واشنطن قرار الانسحاب قال وزير الخزانة الأمريكي ستيفن منوتشين بأنه من المقرر إلغاء التراخيص الممنوحة لشركتي «بوينج» و«إيرباص» لبيع طائرات ركاب إلى إيران، الأمر الذى سيجعل الجماهير الإيرانية تلقى باللوم على روحانى وسيوجه ضغوطا قوية.