فى مطلع يناير من العام 2016 اتخذت قطر قرارا بسحب سفيرها من إيران وقطع العلاقات الدبلوماسية مع طهران احتجاجا من جانبها على قيام قوات التعبئة العامة الشعبية الإيرانية "الباسيج" بالاعتداء على المقرات الدبلوماسية السعودية فى العاصمة طهران وفى مدينة مشهد عاصمة محافظة خراسان رضوى شمال شرقى الجمهورية الإسلامية، ووقتها فهمت تلك الخطوة فى إطار التزام الدوحة بسياسات مجلس التعاون لدول الخليجية العربية، لكن عامان ونصف العام كانا كفيلان بتغيير الدوحة سياساتها إزاء إيران 180 درجة.
تعيين سفير فوق العادة
أصدر أمير دولة قطر، تميم بن حمد بن خليفة آل ثانى، مرسوما أميريا بتعيين، السفير محمد حمد سعد الفهيد الهاجرى سفيرا "فوق العادة" مفوّضا لدى إيران بعد أن شغل المنصب سابقا فى كل من اليمن وليبيا واليونان، وذلك وفقا لما نقلته وكالة الأنباء القطرية أمس الثلاثاء.
اللافت فى القرار الأميرى، أن محمد حمد سعد الفهيد الهاجرى لم يعين سفيرا عاديا، بل تم تعيينه على أعلى مرتبة دبلوماسية متعارف عليها بين مراتب السفراء العاملين لدى الدول، ما يشير إلى أن القرار يتضمن رسالة من الدوحة إلى إيران وإلى محيطيها الخليجى والعربى.
الرسالة إلى إيران أن "الهاجرى" سيكون من صلاحياته توقيع الاتفاقات ومخولا بأقصى درجة من التعاون مع طهران، أما الرسالة إلى المحيطين العربى والخليجى فهى الرغبة فى تعميق الخلاف والانخراط فى مزيد من العزلة.
بصياغة أدق، يريد تنظيم الحمدين فى قطر المكون من حمد بن خليفة آل ثانى والد الأمير تميم، وحمد بن جاسم رئيس الوزراء ووزير الخارجية السابق، القول إن قطر ماضية فى طريقها نحو شق الصف العربى من خلال علاقات ستكون أكثر عمقا مع إيران، فضلا عن طمأنة الجانب الإيرانى الذى يستشعر قلقا متزايدا من أن تكون قطر باتت أكثر ميلا إلى تركيا، المنافس الاستراتيجى التقليدى للنظام فى طهران.
ماذا يعنى "السفير فوق العادة"؟
هناك نوعان من التمثيل الدبلوماسى الخارجى لدولة ما لدى الدول الأخرى، وهما "سفير" و"سفير فوق العادة" ومن المتعارف عليه فى القانون الدولى أن رتبة الـ"سفير فوق العادة" هى أكثر أهمية وأوسع ـ من حيث الصلاحيات والمهام ـ من رتبة السفير.
وتعنى مرتبة "سفير فوق العادة" أن هذا الشخص سيقوم بصلاحيات موسعة، واستثنائية، ومن حقه أن يبرم الاتفاقيات باسم الدولة التى يمثلها، من دون الحاجة إلى الرجوع إلى القيادة السياسية أو الحاجة إلى توقيعها على أى اتفاقية.
فى الحالة القطرية، يبدو أن هناك اتجاها لأن يكون السفير فوق العادة الجديد، محمد حمد سعد الفهيد الهاجرى، مخولا بالتفاوض ومن ثم توقيع البرتوكولات مع الحكومة الإيرانية فى مجالات الدفاع والتجارة، خاصة أن الدوحة تعتمد على الحرس الثورى الإيرانى عسكريا لحماية نظامها وعلى الشركات التابعة للحرس الثورى لإمدادها بالغذاء منذ نحو عام بعد قرار الرباعى العربى مقاطعة طهران.
تعزيزات دفاعية
فى غضون ذلك، أبرمت قطر اتفاقيتين جديدتين فى مجال الدفاع والتسليح وهما صفقة التسليح الجوى مع شركة "Viking Air" الكندية، بموجب شراء مجموعة من طائرات DHC-6 Twin Otter 400للقفز المظلى، فضلا عن توقيع اتفاقية إنشاء أول سرب عملياتى جوى مع القوات الجوية البريطانية.
وتعارض قطر أى تحرك عسكرى ضد إيران، بالرغم من علاقاتها مع الولايات المتحدة الأمريكية، وقال نائب رئيس الوزراء ووزير الدفاع القطرى خالد العطية، مطلع الشهر الحالى، أن بلاده لن تنخرط فى أى حرب ضد إيران، على هامش إحدى الفعاليات الدولية فى سنغافورة.
فى المجمل تشير الإجراءات القطرية وسلوك الأمير تميم بن حمد، إلى أن الدوحة لا تريد فى الوقت الحالى أن تتخذ أية قرارات تخفف من وطأة الأزمة مع جيرانها الخليجيين والعرب، وتزيد من عزلة شعبها وتبعده أكثر فأكثر عن ثقافته الخليجية والعربية.