وطوال فترة حكمه التى تخطت الـ 15 عاما اصطدم أردوغان بمعارضة شديدة لطموحاته وغروره، من جانب الأحزاب والحركات السياسية المعارضة، فلم يكن سهلا عليه التحول لهذا النظام بسبب الدستور التركى القديم، إلى أن جاءت محاولة الانقلاب الفاشلة فى يوليو 2016، لتعطيه قبلة الحياة والذريعة الكبرى للإطاحة بخصومه ومعارضيه وجميع منافسيه من أجل تحقيق حلمه القديم بتعديل الدستور والتحول للنظام الرئاسى.
تعديل الدستور مهد للديكتاتورية العثمانية الجديدة
وعقب نجاح أردوغان فى تعديل الدستور فى يوم 16 أبريل الماضى بنسبة ضئيلة بلغت حوالى 51%، ونجاحه أيضا فى خداع الأتراك قبل الانتخابات البرلمانية والرئاسية فى 24 يونيو الماضى وفوزه أيضا بنسبة ضئيلة من مجموع نسبة أصوات الناخبين، أصبح طريق أردوغان نحو ترسيخ "الديكتاتورية العثمانية الجديدة" سهلا بلا أى منافسون.
وقد كان قرار أردوغان بتبكير موعد الانتخابات فى شهر يونيو الماضى بدلا من إجراءها فى نوفمبر عام 2019 مجرد تكتيك وسط استراتيجية كاملة وضعها الرئيس التركى وحزبه حتى قبل لحظات الانقلاب الأولى فى 2016، لضمان تفوقهما الدائم على بقية المنافسين فى جميع الاستحقاقات الانتخابية وتمهيد الأجواء من أجل الانفراد بالسلطة لعشرات السنوات المقبلة.
التمهيد للنظام الرئاسى قبل انقلاب 2016
وقبل الانقلاب الفاشل فى يوليو 2016 بعدة أسابيع وتحديدا فى 24 مايو 2016، أقال أردوغان رئيس الوزراء السابق أحمد داوود أوغلو، ليعين مكانه بن على يلدرم، فلم يكن هذا التعيين بسبب اختلاف أوغلو معه على بعض القضايا الفرعية، وإنما على رؤيتهما المستقبلية للدولة التركية، فبينما كان الرئيس التركى منحازا للنظام الرئاسى، كان أوغلو يفضل بقاء النظام البرلماني، وذلك بحسب عدد من الصحف التركية التى نشرت كواليس الخلافات بينهما.
ولم يكن أوغلو هو الوحيد الذى حاول أردوغان التخلص منه لتنفيذ خطته، وإنما أيضا رفيقه رئيس الجمهورية السابق عبدالله جول، فقد أقر جول فى 20 يناير 2012 قانون الانتخابات الذى نص على عقد الانتخابات الرئاسية فى 2014 بدلا من 2012، والذى سيضع حدا لانتخاب رئيس الجمهورية من خلال الانتخاب غير المباشر، وقد نص القرار أيضا على منع رؤساء الجمهورية السابقين من الترشح لفترة رئاسية أخرى، ما يعنى إقصاء الرئيس التركى السابق عبدالله جول من منافسة أردوغان، ولكن لحسن الحظ حكمت المحكمة بعدم دستورية القانون، لكن لم يتقدم عبدالله جول لخوض الانتخابات الرئاسية فى 2014، وفضل البقاء بعيدا عن الأضواء قدر الإمكان.
الخلاص من الخصوم
وعقب تحركات الجيش فى 15 يوليو، وصلت الانتهاكات سواء على الصعيد السياسى أو الحقوقى مستوى لم يسبق أن شهدته الجمهورية التركية من قبل، فقد وصل عدد المعتقلين لأكثر من 110 ألف معتقل وهى حصيلة حملات تطهير مؤسسات الدولة التى أطلقها الرئيس التركي، واستهدفت بشكلٍ أساسى أنصار الداعية فتح الله جولن، المتهم الرئيسى فى محاولة الانقلاب، والذى يعتبر أيضا أشد معارضيه ومنافسيه على الإطلاق، بالإضافة إلى عسكريين كبار بالقوات المسلحة التركية.
كما استهدفت حملة أردوغان للخلاص من معارضيه لتمهيد الأجواء للتحول للنظام الرئاسى سياسيين كبار تحت ذريعة مساندتهم للانقلاب، أشهرهم الرئيس السابق لحزب الشعوب الديمقراطى الموالى للأكراد، صلاح الدين دميرتاش، الذى أعلن حزبه مؤخرا عن ترشيحه أمام أردوغان فى انتخابات الرئاسة.
وشملت الحملة أيضا آلاف الحالات من الفصل التعسفى بموجب مراسيم الطوارئ التى أصدرت فى يوليو 2016 حين أقيل 107 آلاف موظف، من ضمنهم عسكريون ومعلمون وأطباء وأكاديميون وموظفون حكوميون ومحليون، حسب تقرير لمنظمة العفو الدولية، بالإضافة لانتهاكات أخرى ارتكبتها الحكومة التركية مثل الإقصاء الكامل من الإدارات العامة والإلغاء المنهجى لجوازات السفر.
تكميم الإعلام والصحافة
والانتهاكات شملت أيضاً الصحافة والإعلام، حيث أغلقت الحكومة التركية نحو 80 مؤسسة إعلامية، 3 وكالات أنباء و16 قناة تلفزيونية و23 محطة إذاعية و45 صحيفة يومية، كما وصلت حصيلة الصحايين المعتقلين منذ محاولة الانقلاب إلى 120 صحافيا، حسب تقرير لمنظمة العفو الدولية.
وفى ديسمبر 2017 ، أصدر أردوغان مرسومين تلقتهما الأحزاب والساسة بالرفض التام، متهمين الرئيس التركى بوضع البلاد على حافة الحرب الأهلية، فكان المرسوم الأول رقم 695 نص على احتجاز 2756 شخصا من جامعيين وعسكريين، إلا أن مرسوم رقم 696 كان الأكثر إثارة للجدل، إذ نص على إعفاء المدنيين المشاركين فى صد المحاولة الانقلابية من المساءلة القانونية.
الانفراد بالسلطة حتى 2028
وعقب تعديل الدستور فى استفتاء 16 أبريل الماضى، أصبح بمقدور أردوغان نظريا البقاء رئيسا للبلاد حتى عام 2028، حيث ينص مشروع الدستور على تنظيم الانتخابات الرئاسية والبرلمانية بالتزامن، على أن يشغل الرئيس ولاية من 5 سنوات لفترتين كحد أقصى.
وفور البدء بتطبيق التعديلات الدستورية، يمكن لأردوغان تمديد البقاء فى السلطة حتى عام 2028 بشرط فوزه فى الانتخابات الرئاسية وهو ما حدث بالفعل خلال الانتخابات الأخيرة التى قام بتبكير موعدها.
صلاحيات واسعة
وأمتلك أردوغان بعد تمرير التعديلات سلطات وصلاحيات تنفيذية واسعة للغاية تشمل تعيين وإقالة الوزراء وكبار الموظفين الحكوميين، كما يستطيع إلغاء منصب رئيس الوزراء، وهو ما حدث بالفعل بإقالة بن على يلدريم، وتعيين نائب أو أكثر لمساعدته فى إدارة السلطة التنفيذية.
وشملت التعديلات الدستورية منح الحق للرئيس التركى التدخل فى عمل القضاء من خلال تعيين 4 أعضاء فى المجلس الأعلى للقضاة والمدعين، وهو المجلس الذى يملك سلطة التعيينات والإقالات فى السلك القضائي، فيما يملك البرلمان سلطة تعيين 7 أعضاء.
وكان الدستور السابق لتركيا قبل تعديلات أردوغان عليه، الذى أقر عام 1982، عقب الانقلاب العسكرى عام 1980، يضمن استقلالية المحاكم عن أى جهاز أو سلطة أو منصب.
فرض الطوارئ
ومنحت التعديلات الدستورية لأردوغان فرض حال الطوارئ حصراً عند حصول "ثورات شعبية" أو "أعمال عنف تهدد بانقسام الأمة"، وسيملك الرئيس تلك السلطة حتى قبل عرض قرار فرض الطوارئ على البرلمان، الذى يستطيع فى وقت لاحق اختصار مدة الطوارئ أو تمديدها أو رفعها وفقاً لإرادة النواب.
وأصبحت المدة الأولية لفرض حالة الطوارئ 6 أشهر، مقابل 12 أسبوعاً فى الدستور الحالي، ويستطيع البرلمان لاحقاً تمديدها بطلب من الرئيس 4 أشهر كل مرة.
البرلمان تابع للرئيس
واحتفظ البرلمان بسلطة إقرار وتعديل وإلغاء القوانين والتشريعات والإشراف على أعمال الرئيس وفق التعديلات، كما ارتفع عدد أعضاء البرلمان من 550 إلى 600، مع خفض الحد الأدنى لسن النواب من 25 إلى 18 سنة، وتنظيم انتخابات تشريعية مرة كل 5 سنوات بدلاً من 4، بالتزامن مع الاستحقاق الرئاسي.
كما حظى الرئيس بموجب التعديلات الجديد بسلطة إصدار المراسيم الرئاسية حول كل المسائل المتعلقة بسلطاته التنفيذية، ولا يمكن بالمقابل للرئيس إصدار مراسيم فى مسائل بت بها القانون.
وتشمل التعديلات أيضا أنه فى حال طالت اتهامات الرئيس أو حامت حوله شبهات بارتكاب جريمة، يمكن للبرلمان وفقا للتعديلات الدستورية الجديدة طلب فتح تحقيق بغالبية ثلاثة أخماس الأعضاء.
كما تتيح التعديلات الجديدة للرئيس الانتماء لحزب سياسي، وهو ما يسمح لأردوغان بالعودة إلى حزب العدالة والتنمية، علما أن الرئيس ملزم حالياً بالحياد إزاء الأحزاب.