ولعل التزامن بين الهجوم الحوثى الأخير على ناقلة النفط السعودية، مع حرب التصريحات التى اندلعت مؤخرا بين الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، وأعضاء إدارته، من جانب، والحكومة الإيرانية من جانب آخر، يعكس بما لا يدع مجالا للشك أن هناك أصابع إيرانية تسعى للعبث بأمن الملاحة البحرية فى منطقة البحر الأحمر، خاصة وأن حديث القادة الإيرانيين، وعلى رأسهم كبار القادة فى الحرس الثورى الإيرانى، لم يخلو من التهديدات الصريحة بمنع مرور صادرات دول الخليج النفطية، إذا ما نفذت الولايات المتحدة تهديداتها لطهران بوقف صادراتها النفطية.
استفزاز صريح.. هل يكون بداية إجراءات تصعيدية جديدة؟
الهجوم الحوثى، والذى يحمل فى طياته بصمات إيرانية واضحة، يمثل استفزازا صريحا، من قبل طهران ليس فقط تجاه المملكة العربية السعودية وحلفائها فى منطقة الشرق الأوسط، ولكن تجاه المجتمع الدولى ككل، خاصة وأن مثل هذا الهجوم ربما يمثل بداية لإجراءات أخرى، من شأنها تهديد الملاحة الدولية فى البحر الأحمر، مع الهزائم المتتالية التى تحققها قوات التحالف العربى فى اليمن، والتى تسعى طهران للسيطرة عليها عبر أذرعها الحوثية.
وعلى الرغم من أن الهجوم الأخير على ناقلة النفط فى البحر الأحمر يبدو أمرا مستحدثا، إلا أنه لا يمثل المحاولة الأولى للميليشيات المتمردة فى اليمن التى تهدف إلى عرقلة السفن البحرية، حيث استغلت الميليشيات الموالية لطهران سيطرتها على ميناء الحديدة مرات عدة لمنع وصول السفن التجارية والمحملة بالمساعدات، وإن تباينت الأساليب التى تتبعها لتحقيق ذلك، ومن أهمها الاستيلاء على ما تحتويه تلك السفن.
الصفقة النووية.. هل تخسر طهران تعاطف أوروبا؟
الهجوم الأخير ربما يلقى بتداعيات كبيرة على مستقبل الاتفاق النووى الإيرانى، والذى كان أحد أبرز نقاط الاختلاف بين الولايات المتحدة وأوروبا فى الأشهر الماضية، منذ الانسحاب الأمريكى من الصفقة، التى أبرمتها طهران مع القوى الدولية الكبرى فى يوليو 2015، وهى الخطوة التى أثارت انقساما كبيرا بين أعضاء المعسكر الغربى، حيث يساهم الهجوم الحوثى بصورة كبيرة فى زيادة المخاوف الأمريكية الأوروبية تجاه الأنشطة النووية المثيرة للشبهات فى منطقة الشرق الأوسط.
فعلى الرغم من الرفض الأوروبى للانسحاب الأمريكى من الاتفاق مع إيران، إلا أن هناك إجماع بين الولايات المتحدة وشركائها، حول القلق من جراء الأنشطة الإيرانية المثيرة للجدل خاصة فى منطقة الشرق الأوسط، والتى تمثل تهديدا مباشرا للحلفاء فى المنطقة، وبالتالى فإن الهجوم الأخير من شأنه تأجيج المخاوف الغربية، خاصة وأن تكرار مثل هذه الهجمات يساهم فى توسيع نطاق التهديد الذى تمثله إيران وأذرعها المسلحة ليمتد إلى المصالح الأوروبية نفسها، وهو ما يطرح تساؤلات حول ما إذا كانت التطور الأخير سيساهم فى تغيير الموقف الأوروبى تجاه الاتفاق مع طهران فى الأيام القادمة.
التجربة الكورية.. إيران تفشل فى إدراك درس بيونج يانج
إلا أن الملفت للانتباه هو فشل القيادة الإيرانية فى استلهام التجربة الكورية الشمالية، من أجل الاحتفاظ بالاتفاقية النووية، حيث انغمست طهران فى حربها الكلامية مع واشنطن، دون أن تتخذ خطوة لطمأنة جيرانها، على عكس ما فعله نظام بيونج يانج، والذى بدا حريصا على التواصل مع جيرانه، وعلى رأسهم كوريا الجنوبية، رغم الحرب التى كان يشنها ترامب عبر منصته على تويتر تجاه كيم جونج أون، حيث انتصرت فى النهاية سياسة المهادنة التى تبناها الأخير ودفعت ترامب للقائة فى قمة تاريخية عقدت فى سنغافورة فى الشهر الماضي.
ولكن طهران آثرت طريقا آخر يبدو مختلفا، حيث حرضت ذراعها المسلح فى اليمن للهجوم على ناقلتى النفط السعوديتين، ربما لوضع مزيدا من الزيت على النار فى علاقتها بجيرانها، كما أنها ربما منحت الرئيس الأمريكى فرصة نادرة لتصعيد خطابه العدائى تجاه طهران، وربما إقناع المزيد من الدول المشاركة فى الصفقة النووية للانسحاب منها، وهو ما يضع طهران فى موقف حرج فى ظل احتياجها للإبقاء على الاتفاق النووى لإنقاذ الاقتصاد الإيرانى المترنح.