إلا أن مقامرة "الحمدين" الأخيرة على دعم أردوغان ونظامه، ربما لم تأتى هذه المرة على حساب عزلة قطر على المستوى الإقليمى فقط، ولكنها سوف تترك تداعيات كبيرة على موقف قطر الدولى، خاصة أن طبيعة الصراع الذى تخوضه أنقرة هذه المرة ليس مجرد صراعا مع القوى الإقليمية الرئيسية فى الشرق الأوسط للحصول على النفوذ، بحثا عن دور من شأنه المشاركة فى رسم مستقبل المنطقة، ولكنه يمتد إلى صراع دولى، بين النظام التركى والقوى الدولية الأكبر فى العالم، وهى الولايات المتحدة الأمريكية.
ولعل الدعم القطرى لأنقرة يطرح العديد من التساؤلات حول مستقبل العلاقات القطرية الأمريكية فى المرحلة المقبلة، خاصة أن محاولة الدوحة لإنقاذ نظام أردوغان، تمثل تحديا صريحا لإدارة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، وذلك بالرغم من رهان الإمارة الخليجية على دعم واشنطن لها فى أزمتها مع جيرانها الخليجيين طيلة الأشهر الماضية، من خلال ملايين الدولارات التى أنفقتها الدوحة لصالح شركات الدعاية الأمريكية لدعم موقفها أمام الرأى العام الأمريكى، وكذلك تقديم الدعم للوبى الصهيونى الأمريكى، والذى يمثل أحد أهم القواعد الشعبية المؤيدة للرئيس الأمريكى، بالإضافة إلى العرض القطرى للإدارة بتوسيع قاعدة العديد العسكرية لتكون بمثابة مدينة متكاملة.
تميم راهن كثيرا على الإدارة الأمريكية.. ولكن ربما يخسر رهانه بسبب أردوغان
إلا أن المنحة السخية التى قدمها تميم لأردوغان ربما تساهم فى إضافة المزيد من الضغوط على الإمارة الخليجية فى المرحلة الراهنة، خاصة أن موقف ترامب من خصومه لا يقبل المساومة، وهو ما بدا واضحا فى تغريدته التى أطلقها قبل نحو أسبوع، عندما أعلن أن الدول التى سوف تتحدى العقوبات الأمريكية على إيران لن يمكنه القيام بأعمال تجارية مع الولايات المتحدة، وهو الإعلان الذى يعيد إلى الأذهان مبدأ "من ليس معنا فهو ضدنا"، والذى سبق وأن رفعه الرئيس الأمريكى الأسبق جورج بوش، وهو الموقف الذى يمكن تعميمه على تركيا إذا لم ترضخ أنقرة للمطالب الأمريكية، وبالتالى فإن الموقف القطرى ربما يساهم إلى حد كبير فى خسارة قطر لأشهر طويلة من الرهان على النفوذ الأمريكى فى حل أزمتها مع محيطها الإقليمى.
ابتزاز الدوحة.. قصة استدعاء الخليفة للأمير
يبدو أن الإمارة الخليجية أدركت منذ بداية الأزمة، أن الإقدام على أى خطوة من شأنها دعم أنقرة، سوف يكلفها الكثير، والذى قد يصل إلى وضعها فى خانة العزلة الدولية، حيث لم تبدى الدوحة أى موقف منذ بداية الأزمة التركية الأمريكية، وانهيار الليرة التركية، وكذلك إعلان الإدارة الأمريكية عن عقوباتها بحق مسؤولين أتراك، كما واصلت صمتها مع إعلان واشنطن لإجراءاتها الأخيرة بحق أنقرة، وهو ما يرجع فى جزء منه إلى رغبة "الحمدين" فى عدم استفزاز ترامب من جانب، بالإضافة إلى المتاعب الاقتصادية التى تعانيها قطر بسبب المقاطعة من جانب آخر.
أردوغان لا يتعامل مع تميم كرئيس دولة.. ويضعه على قدم المساواة مع أحد وزرائه
إلا أن التحرك القطرى تزامن مع الاتصال الهاتفى الذى أجراه أردوغان بأمير قطر، بعد ساعات من الإجراءات الأمريكية، وهو الاتصال الذى كان بمثابة استدعاء الخليفة لأحد الأمراء العاملين تحت إدارته فى خلافته المزعومة، وكذلك ما أثارته بعض الصحف التركية، والمعروفة بقربها من النظام التركى، عن خذلان قطر لتركيا بعد حالة الانهيار التى أصابت العملة التركية، وتجاهل الدوحة لسوء الوضع الاقتصادى بأنقرة، وهو ما يمثل محاولة صريحة لابتزاز الدوحة، ومطالبة واضحة برد الجميل الذى قدمته أنقرة طيلة الأشهر الماضية لمناصرة الدوحة ضد أشقائها العرب فى أعقاب المقاطعة.
بين تركيا وطهران.. أردوغان الحاكم الفعلى للدوحة
زيارة تميم إلى تركيا، ربما تعكس بصورة كبيرة عمق النفوذ التركى فى الدوحة، خاصة وأن الدوحة ربما لم تسعى لتقديم أى دعم لطهران، رغم أن النظام الحاكم فى إيران يمر بظروف تبدو متشابهة لما تمر به أنقرة، سواء على المستوى الدولى، فى ظل الأزمة الحالية بين إدارة ترامب والملالى على خلفية العقوبات الأمريكية الأخيرة، ومن قبلها الانسحاب الأمريكى من الاتفاق النووى، الذى أبرمته طهران مع القوى الدولية الكبرى، وكذلك على المستوى الاقتصادى، حيث تعانى العملة الإيرانية انهيارا كبيرا جراء تردى الأوضاع الاقتصادية، خاصة إذا ما وضعنا فى الاعتبار أن الدور الإيرانى فى دعم قطر فى أزمتها الخليجية كان بارزا، وربما لا يقل على الدور التركى.
دعم طهران للدوحة لم يكن كافيا حتى يهب الحمدين لنجدتهم اقتصاديا
إلا أن التحرك القطرى الأخير يمثل انعكاسا لحقيقة مفادها أن أردوغان يعد الحاكم الفعلى للدوحة، منذ بداية الأزمة الخليجية، كما أنه يؤكد أن القواسم المشتركة بين الدوحة وأنقرة تصل إلى مدى واسع، فى ظل دعم كلا منهما للميليشيات الإرهابية فى العديد من دول المنطقة سواء بالمال أو بتصدير المتطرفين، فى إطار سعيهما لتقويض الاستقرار فى المنطقة العربية طيلة السنوات الماضية، من خلال ما يسمى بثورات "الربيع العربى".