دعوة أمريكية جديدة، أعلنها قائد القيادة المركزية الأمريكية جوزيف فوتيل، لدول الخليج، ومن بينها قطر، لمواجهة التهديدات الإيرانية والمنظمات الإرهابية التى تدعمها، والتى تعمل على زعزعة الاستقرار وتهديد المصالح المشتركة، وذلك خلال اجتماع رؤساء أركان دول مجلس التعاون الخليجى، والذى عقد بالكويت الأسبوع الماضى، وهى الدعوة التى تمثل محاولة جديدة من قبل الولايات المتحدة لتوحيد الجهود ضد الأنشطة الإيرانية المشبوهة فى منطقة الشرق الأوسط، والقضاء على التنظيمات الإرهابية.
المبادرة الأمريكية تمثل امتدادا لجهود أخرى تبذلها إدارة ترامب فى المرحلة الراهنة، لتطويق القوى المارقة، التى تسعى إلى زعزعة الاستقرار فى الشرق الأوسط، وعلى رأسها إيران وتركيا، حيث بدأت تلك الجهود بعد شهور من وصول الإدارة الحالية إلى رأس السلطة فى الولايات المتحدة، عندما شارك الرئيس الأمريكى فى القمتين الأمريكية الإسلامية والأمريكية الخليجية، واللتين انعقدا بالتزامن مع زيارته للمملكة العربية السعودية فى شهر مايو من العام الماضى، كما أنه سعى كذلك لاستعادة العلاقات الأمريكية مع حلفائها التقليديين، وأبرزهم مصر والسعودية، من خلال توسيع التعاون العسكرى عبر إعادة إطلاق مناورات النجم الساطع والتى انطلقت منذ أيام بقاعدة محمد نجيب العسكرية بمشاركة عدد من حلفاء الولايات المتحدة حول العالم للعام الثانى على التوالى، بعد توقفها منذ بداية حقبة الرئيس السابق باراك أوباما.
غياب الثقة.. ترامب تجاهل استجداء قطر منذ بداية أزمتها
إلا أن الملفت للانتباه هو مشاركة رئيس الأركان القطرى فى الاجتماع الذى استضافته دولة الكويت، وهو ما يطرح تساؤلات حول ما إذا كانت قطر تحظى بالثقة الأمريكية أو الدولية للقيام بمثل هذا الدور فى المرحلة الراهنة، خاصة وأن طهران تمثل أحد أهم وأكبر حلفاء "تنظيم الحمدين" الحاكم، فى ضوء العزلة التى تعانيها الإمارة الخليجية، منذ قرار الدول العربية الداعمة لمكافحة الإرهاب بمقاطعتها فى يونيو من العام الماضى، أم أن الدعوة الأمريكية تحمل فى طياتها أهدافا أو خيارات أخرى مازالت قيد الدراسة فى أروقة البيت الأبيض والمؤسسات الأخرى الحاكمة فى الداخل الأمريكى.
يبدو أن الدور القطرى فى منطقة الشرق الأوسط لا يروق كثيرا لإدارة الرئيس ترامب، وهو الأمر الذى بدا واضحا فى مواقف عدة منذ بداية أزمة قطر مع محيطها العربى والخليجى، حيث رحب الرئيس ترامب فى البداية بقرار الدول العربية بمقاطعة قطر عبر حسابه على موقع "تويتر"، كما أنه تخلى كذلك عن الإمارة الخليجية رغم محاولتها المستميته لاستجداء إدارته للتدخل من أجل إنهاء أزمتها، سواء عبر مغازلة اللوبى الصهيونى الأمريكى تارة أو تقديم المغريات المتمثلة بتوسيع قاعدة العديد العسكرية تارة أخرى، وهو ما يعكس حالة التشكك فى إمكانية تغيير المسار لدى القيادة القطرية فى المرحلة الراهنة، خاصة تجاه طهران والتى تمثل أحد ألد أعداء الرئيس الأمريكى فى المرحلة الراهنة.
الدعم القطرى لأردوغان.. "الحمدين" لا يرغب فى تغيير مساره
المواقف الأمريكية المتشككة فى قطر لم تقتصر على مواقف الأخيرة من طهران، وإنما امتدت إلى أطراف أخرى تبدو مناهضة للمصالح الأمريكية، وعلى رأسهم تركيا، حيث أعلن "تنظيم الحمدين" التحدى أمام الرئيس ترامب من خلال الزيارة التى أجراها أمير قطر تميم بن حمد إلى أنقرة، وقيام بضخ 15 مليار دولار فى الاقتصاد التركى فى محاولة لإنقاذه من حالة الانهيار التى يشهدها فى المرحلة الراهنة، جراء انهيار الليرة التركية والعقوبات التى فرضتها إدارة ترامب على نظام أردوغان، على خلفية الخلافات العميقة بين الجانبين، وأبرزها التعنت التركى فى الإفراج عن القس الأمريكى المحتجز فى أنقرة أندرو روبنسون.
ولعل الموقف القطرى من تركيا ونظامها الحاكم يمثل إشارة واضحة للجانب الأمريكى بأن قطر لا ترغب فى تغيير مسارها، وبالتالى فيبقى لديها الإصرار على مواصلة الطريق فى تحالفها مع قوى الشر فى المنطقة، حيث تتبنى الإمارة الخليجية نفس النهج المتعنت الذى تتبناه كلا من تركيا وإيران فى التعامل مع الجانب الأمريكى، وهو الأمر الذى لا يقبله الرئيس الأمريكى بأى حال من الأحوال.
تحذير أم دعوة؟.. قطر على أعتاب المقصلة الأمريكية
وهنا يمكننا القول بأن دعوة فوتيل فى اجتماعه مع رؤساء أركان الجيوش الخليجية، بمشاركة كلا من مصر والأردن ربما حملت رسالة واضحة لتوحيد الجهود ضد الأنشطة المزعزعة للاستقرار التى تتبناها طهران، ولكنها فى الوقت نفسه تمثل تحذيرا ضمنيا للدولة المارقة التى تحاول توطيد علاقتها بخصوم الولايات المتحدة، فى الوقت الذى تحاول فيه الاستقواء بالوجود الأمريكى على أراضيها، خاصة وأن الرئيس الأمريكى سبق وأن أعلن أن الدول التى سوف تدعم الجانب الإيرانى لا يمكنها العمل مع الولايات المتحدة، فى رسالة للحلفاء مفادها أن الإدارة الأمريكية لن تقبل بحلول وسط مع طهران فى ظل التعنت الإيرانى تجاه المطالب التى أعلنها ترامب منذ ما قبل الانسحاب من الاتفاق النووى فى شهر مايو الماضى.
يبدو أن إمارة قطر أصبحت على أعتاب المقصلة الأمريكية، خاصة وأنه يبقى من الصعب على تنظيم "الحمدين" التخلص من تحالفه غير المقدس مع إيران، فى ظل الدعم الإيرانى لقطر فى ظل أزمتها الراهنة مع جيرانها الخليجيين، مقابل الحصول على دعم قطر لطهران وأذرعها العاملة فى العديد من دول المنطقة، وعلى رأسها الميليشيات الحوثية فى اليمن، وحزب الله فى لبنان، وهى الصفقة التى ربما يكون من المستحيل أن تمتثل لها قطر فى ظل استمرار تعنتها مع محيطها العربى، وارتمائها فى أحضان القوى غير العربية.