فى الوقت الذى ينشغل فيه الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، بحرب تجارية مع الصين ومساعى تحقيق إنجاز تاريخى مع كوريا الشمالية، فأن روسيا تعمل على العودة لمناطق نفوذها السابقة لتأكيد قوتها، حتى لو كانت تلك المناطق فى قبضة الأمريكيين أو هكذا بدت طوال السنوات الماضية.
أفغانستان، هى أحدث الدول التى تعود إليها روسيا بعد أن خرجت منها بهزيمة مذلة فى الأيام الأخيرة لعهد الاتحاد السوفيتى، والغريب أن هذه العودة تنطوى على اتصالات سرية مع طالبان، التى كانت تعتبر من أشد أعداء موسكو، ناهيك عن الحشد العسكرى القوى على الحدود الشمالية لأفغانستان.
صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، حاولت دق أجراس الإنذار فى الولايات المتحدة من صعود الكرملين مجددا فى هذه المنطقة التى لها أهميتها الجيوسياسية لدى واشنطن، وقالت إن روسيا تقيم علاقات مع طالبان لزيادة نفوذها فى أفغانستان بعد ثلاثة عقود على هزيمة موسكو المذلة هناك والتى ساعدت على الإسراع فى انهيار الاتحاد السوفيتى.
وأشارت الصحيفة إلى أن التواصل الروسى مع المسلحين لفت الانتباه وأدى إلى بعض اللوم بعد أن دعا الكرملين ممثلى طالبان لزيارة موسكو لعقد اجتماع فى سبتمبر الماضى، وهى الدعوة التى تم إلغائها مؤقتا بعد اعتراض الحكومة الأفغانية، التى قالت إنها يجب أن تأخذ زمام المبادرة فى أى محادثات.
لكن هذا الخلاف الدبلوماسى بين الجانبين كشف عن جهود الكرملين لإعادة تأكيد نفسه فى أفغانستان، وهى مبادرة شملت اتصالات سرية مع قادة طالبان وحشد عسكرى على امتداد الحدود الشمالية للبلاد.
كما سعت موسكو أيضا لاستعادة دورها كوسيط قوة إقليمى، وذلك بعقد محادثات سرية مع الولايات المتحدة وإيران وباكستان والهند والصين والسعى لضمان أن أى نهاية للصراع تتناسب مع المصالح الروسية.
وكان مبعوث الرئيس الروسى الخاص إلى أفغانستان قد أعلن أن اللقاء الذى سيعقد فى موسكو بخصوص البلاد سيكون قبل نهاية أكتوبر الجارى. ويقول الجنرال الأمريكى جون نيكلسون، الذى تنحى مؤخرا عن قيادة قوات الولايات المتحدة والناتو فى أفغانستان، إن موسكو تحاول أن تزرع انقساما بين الولايات المتحدة وشركائها فى التحالف. وأضاف أنهم يعلمون أن روسيا تحاول تقويض المكاسب العسكرية الأمريكية وسنوات التقدم السياسى فى أفغانستان وتجعل الشركاء يشككون فى استقرار البلاد.
ومع مواصلة روسيا لتعزيز دورها، كانت هناك مزاعم مستمرة، وإن كانت من غير سند من نيكلسون وغيره من كبار المسئولين الأمريكيين، بأن الكرملين قدم أسلحة صغيرة لطالبان أو على الأقل تسامح مع إمداد المسلحين بأسلحة روسيا من وسط آسيا، وهى المزاعم التى نفتها موسكو.
وقال محللون لواشنطن بوست، إن هذا جزء من استراتيجية لحماية الجناح الجنوبى لروسيا من ظهور داعش فى وسط آسيا والتحوط من احتمال خروج أمريكى مفاجئ من أفغانستان بعد 17 عاما من الحرب.
وتصف واشنطن بوست المناورة الروسية بأنها استثمار سياسى متواضع نسبيا يمكن أن يسفر عن أرباح كبيرة مع سعى موسكو لإثبات ثقلها العالمى. ويقول أرتيمى كالينوفسكى، الباحث فى تاريخ آسيا الوسطى بجامعة أمستردام إن دعم حركة طالبان بطريقة صغيرة هو سياسة لتأمين المستقبل.
ويتشكك الأمريكيون فى أن موسكو تحاول المساعدة على تأمين الانتصار للمسلحين، خلفاء جماعات "المجاهدين" الذين حاربوا القوات السوفيتية فى الثمانينيات. لكنهم يرون أن روسيا تحاول تعزيز مكانتها بدون أن تستفز الولايات المتحدة، ويمكن أن تسهل بعض أسلحة الكلاشينكوف الاجتماعات وتؤسس علاقات بدون تغير المعركة.
وتأتى عودة روسيا إلى أفغانسنان فى ظل الصعوبات التى تواجهها إدارة ترامب لوقف ظهور طالبان مجددا ودفع المسلحين للتوصل إلى اتفاق، وفى حين أن المهمة العسكرية الأمريكية الأكثر تكلفة ساعدت القوات الأفغانية على الدفاع عن المناطق المأهولة بالسكان، لكن مساحات واسعة من البلاد يظل من غير الممكن الذهاب إليها.