لا تزال الأزمة السكانية المصرية، خطرا يهدد كافة مظاهر النمو الاقتصادى على مدار سنوات مصر الأخيرة، حيث توقعت دارسة صادرة عن معهد التخطيط القومى وصول عدد السكان لأكثر من 114 مليون نسمة بحلول عام 2030، على أن تستمر هذه النسبة فى الزيادة لتصل بحلول عام 2050 إلى 125.9 مليون نسمة.
وقالت الدراسة إنه وعلى الرغم من الجهود المبذولة حاليًا وبافتراض استمرارها خلال الفترة القادمة، فمن المسلم به أن حجم السكان سوف يستمر فى الزيادة المطردة نتيجة لطبيعة الهيكل العمرى والنوعى للسكان، والذى يتميز بزيادة نسبة الأطفال والشباب، علاوة على قوة الدفع الذاتى لهذا الهيكل والذى نتج عن ارتفاع معدلات الخصوبة منذ منتصف القرن الماضى.
وأشارت الدراسة إلى أن أهم التحديات التى تواجه تحقيق أهداف السياسات والخطط السكانية، هى الفجوة بين الإنجاب المرغوب فيه والإنجاب الفعلى والثبات النسبى فى معدلات الإنجاب الكلى خلال السنوات العشر الماضية، علاوة على أن معدل الإنجاب الكلى لا زال مرتفعا وبعيدا عن مفهوم الأسرة صغيرة العدد.
وأوضحت الدراسة أن الفجوة بين المعرفة بوسائل تنظيم الأسرة والاستخدام الفعلى للوسائل، يُعد ضمن التحديات التى تواجه سياسات الدولة للحد من الزيادة السكانية، إلى جانب أن معدل التوقف عن استخدام وسائل تنظيم الأسرة – خلال 12 شهراً من بدء الاستخدام– يصل إلى ما يزيد عن 40% فى بعض المحافظات.
وأكدت الدراسة أن نسبة 64% من النساء غير المستخدمات حاليا لوسائل تنظيم الأسرة يرغبن فى استخدامها فى المستقبل، علاوة على أن معدلات المواليد فى الوجه القبلى مرتفعة مقارنة بباقى أقاليم الدولة، وكذلك معدلات وفيات الأطفال الرضع لا زالت مرتفعة نسبيا، كما أن نسبة من السكان لا زالت تعانى من الفقر ونقص التغذية.
وأوضحت الدراسة أن معدلات الأمية لا زالت مرتفعة خاصة بين الإناث، وهو ما يشكل تحديًا أمام تطبيق سياسات الدولة للحد من الزيادة السكانية، بالإضافة إلى أن معدلات مساهمة الإناث فى سوق العمل منخفضة إلى حد ما، إلى جانب أن ارتفاع الكثافة السكانية فى الوادى والدلتا، علاوة على أن نسبة كبيرة من السكان تسكن فيما يعرف بالمناطق العشوائية المحرومة من الخدمات والمرافق الأساسية.
تداعيات الزيادة السكانيةوحددت الدراسة، تداعيات الزيادة السكانية، فى عدد من النقاط وعلى رأسها انخفاض نصيب الفرد من المياه وانخفاض نصيب الفرد من الأرض الزراعية وزيادة الاعتماد على الاستيراد لتوفير احتياجات المجتمع من الغذاء وتلوث البيئة وارتفاع كثافة الفصول خاصة فى مرحلة التعليم الابتدائى وتزايد معدلات الجريمة وتفاقم مشاكل المرور والاعتماد على الخارج فى توفير بعض الاحتياجات فى الطاقة.
مقترحات للتعامل مع الزيادة السكانيةواقترحت الدراسة مجموعة من الإجراءات والأساليب المطلوبة لمواجهة تحديات الزيادة السكانية، وعلى رأسها الاعتراف والتسليم والتأكيد على قومية المشكلة السكانية، باعتبارها من المشكلات الحاكمة، وفصل أنشطة وزارة الصحة عن أنشطة السكان وتعيين نائب لرئيس الوزارة للسكان لينسق ويتابع إنجاز ومسئوليات الوزارات نحو تحقيق أهداف الاستراتيجية السكانية .
قانون السكانوطالبت الدراسة بالتأكيد على أهمية النظر إلى أوجه الإنفاق فى مواجهة المشكلة السكانية كجزء أساسى من استثمارات الدولة، علاوة على دراسة إصدار قانون للسكان يحدد مسئوليات الوزارات والأجهزة المعنية فيما يتعلق بدورها فى تنفيذ السياسات والخطط السكانية، ودعم وتفعيل دور المجلس القومى للسكان وفروعه بالمحافظات ماديًا وبشريًا بالخبرات المطلوبة.
وشددت الدراسة على ضرورة التأكيد على دور المحليات فى تنفيذ ومتابعة السياسات والبرامج السكانية، علاوة على إجراء مراجعات وتقييمات للسياسات والاستراتيجيات السكانية، ومراجعة نشر خدمات الصحة الإنجابية ذات الجودة العالية فى إطار الرعاية الصحية الأولية والعمل على توفيرها وتسهيل الحصول عليها.
وشددت الدراسة على ضرورة توفير الاستثمارات اللازمة لتصنيع وسائل تنظيم الأسرة محليًا، علاوة على تفعيل دور رجال الدين الإسلامى والمسيحى فى دعم السياسات السكانية وجهود تنظيم الأسرة، والتأكيد على دور الإعلام المرئى والمسموع والمقروء فى نشر ثقافة الأسرة صغيرة الحجم، وتدريس مقررات وموضوعات فى التربية السكانية بالمدارس والجامعات والمعاهد، ودراسة تعميمها باعتبار أن الطلاب والطالبات هم آباء وأمهات الغد.
مشروعات قومية لزيادة فرص العملوأشارت الدراسة إلى أهمية التوسع فى تنفيذ مشروعات قومية لزيادة فرص العمل وتوسيع الرقعة الزراعية والمعمورة ولزيادة مشروعات الطاقة والإسكان وخلافه، وإنشاء مرصد سكانى مستقل، بهدف الرصد العلمى للمتغيرات السكانية وتداعياتها الاقتصادية والاجتماعية على المستوى القومى والمحليات وإعداد تقرير سنوى بذلك مشابه لتقرير التنمية البشرية ليوضع أمام متخذى القرارات .
وأوصت الدراسة بتفعيل المادة رقم (41) من دستور (2014) بكل جدية وهى: التزام الدولة بتنفيذ برنامج سكانى يهدف إلى تحقيق التوازن بين معدلات النمو السكانى والموارد المتاحة، وتعظيم الاستثمار فى الطاقة البشرية وتحسين خصائصها، وذلك فى إطار تحقيق التنمية المستدامة كفيل بتحقيق العديد من التوصيات سالفة الذكر".
الزواج المبكروأوضحت الدراسة عدد من أبعاد الأزمة السكانية فى مصر، والتى تمثلت فى النمو السكانى السريع، مشيرة إلى أن ارتفاع معدلات المواليد وحجم السكان يعود إلى ارتفاع القيمة الاقتصادية والاجتماعية للطفل وانخفاض تكلفة تنشئته، علاوة على الزواج المبكر بين الإناث وارتفاع معدلات وفيات الأطفال الرضع ونظرة المجتمع للمرأة والعادات والتقاليد السائدة فى المجتمع واستمرار ثقافة تفضيل إنجاب الذكور وبخاصة فى الريف وعدم الفهم الصحيح للدين، علاوة على مساعدة التيار المتحفظ على انتشاره فى المجتمع عودة أعداد من المصريين من دول الخليج بأفكار متحفظة، علاوة على سيطرة الجماعات الإسلامية على الحكم خلال مرحلة ما بعد يناير ودورها فى تحفيز وتشجيع التيار المتحفظ فى المجتمع.
وأشارت الدراسة إلى أنه من بين أبعاد الأزمة السكانية، جهود الدولة فى مجال تطوير وتوفير الخدمات الصحية وتوفير الأدوية الحديثة والأمصال الواقية، وكذلك توفير مياه الشرب النقية بالإضافة إلى التوسع فى توفير شبكات الصرف الصحى، وغير ذلك من الإجراءات والخدمات الصحية، وكل هذه عوامل أدت إلى خفض معدل الوفيات من حوالى 26 فى الألف عام 1940 إلى حوالى 17 فى الألف فى بداية الستينات وإلى حوالى 10 فى الألف فى بداية الثمانينيات، حتى بلغ 6.4 فى الألف فى عام 2005 ثم 5.7 فى الألف عـام 2017.
وأكدت الدراسة أنه من بين أبعاد الازمة السكانية يتمثل فى التوزيع الجغرافى غير المتوازن للسكان، فعلى الرغم من أن المساحة الكلية لمصر تزيد على مليون كيلو متر مربع، إلا إن السكان يتمركزون فى الشريط الضيق لوادى النيل والدلتا، بالإضافة إلى الواحات القليلة فى وسط الصحراء الغربية، وتمثل المساحة المأهولة بالسكان نسبة ضئيلة، تقدر بحوالى 7.8% من جملة المساحة، وقد ترتب على ذلك أن أصبحت مصر تعانى كثافة سكانية عالية، إذا ما قورنت بالكثافة السكانية فى كثير من دول العالم.
وأوضحت الدارسة أن الخصائص السكانية المتدنية من أهم أبعاد الازمة السكانية التى تعانيها مصر حيث لاتزال الخصائص السكانية للمصريين منخفضة، ويظهر ذلك بحسب الدراسة فى عدد من العوامل، على رأسها، اختلال التركيب العمرى للسكان وارتفاع نسبة الأطفال وارتفاع نسبة الأمية وانخفاض مساهمة الإناث فى القوى العاملة وارتفاع معدلات البطالة وتعرض نسبة من الأطفال لسوء الحالة التغذوية ومعاناة نسبة من السكان من الفقر وتزايد ظاهرة السكن فى العشوائيات.