الجمعة، 22 نوفمبر 2024 11:52 ص

بعد المطالبة برحيله.. رؤساء الحقبة الواحدة فى باريس يمثلون بداية الحراك ضد ماكرون.. وتراجع الحكومة عن قراراتها دليل على فشل باريس فى إدارك دروس "الربيع العربى"

كيف يتحمل الرئيس الفرنسى أخطاء أسلافه؟

كيف يتحمل الرئيس الفرنسى أخطاء أسلافه؟
الأحد، 09 ديسمبر 2018 09:30 م
كتب - بيشوى رمزى
يبدو أن موجة الاحتجاجات التى تشهدها العاصمة الفرنسية باريس لا تجد طريقا للتراجع فى المرحلة الحالية، رغم خطوات اتخذتها الحكومة الفرنسية من شأنها تهدئة الشارع، إلا أن حركة "السترات الصفراء" تأبى اتخاذ منحى آخر سوى العنف لتحقيق أكبر قدر من المكاسب، والتى لم تعد تقتصر على الجانب الاجتماعى، والتى طغت على مطالب المتظاهرين فى بداية الاحتجاجات التى اندلعت منذ عدة أسابيع، لتصطبغ مؤخرا بالطابع السياسى، فى ظل مطالب المتظاهرين الأخيرة برحيل الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون، وحل البرلمان، بالإضافة إلى الخروج من الاتحاد الأوروبى.
 

 

ولعل القرار الذى اتخذته الحكومة الفرنسية قبل أيام، بإلغاء قرار الضرائب على أسعار المحروقات، يمثل السبب الرئيسى ليس فقط وراء ارتفاع سقف المطالب التى يتبناها المتظاهرون فى المرحلة الراهنة، ولكن اتساع نطاقها لتخرج من الإطار الاجتماعى، وتمتد إلى النطاق السياسى، وهو ما يمثل بادرة تبدو جديدة تماما على المشهد الأوروبى، خاصة إذا ما نظرنا إلى طبيعة المطالب التى يتبناها المتظاهرون، والتى وصلت إلى حد الإطاحة بالرئيس الفرنسى الذى جاء عبر الصناديق الانتخابية.

 

 

إنقلاب على الديمقراطية.. كيف يتحمل ماكرون أخطاء أسلافه؟

 

وتمثل مطالب "السترات الصفراء" انقلابا صريحا على الديمقراطية الغربية، والتى تؤمن بمبدأ احترام ما آلت إليه نتائج الصناديق الانتخابية، حيث لم يسبق وأن تبنى متظاهرون فى دول "المعسكر الغربى"، والتى دائما ما تتشدق باحترام الانتخابات، مطالب من شأنها الإطاحة برئيس منتخب، وهو ما يمثل امتدادا لحالة من الغضب فى الداخل الفرنسى، تراكمت لسنوات، ربما لا يكون ماكرون هو المسئول الرئيسى عنها، فى ظل أوضاع اقتصادية شهدت تدهورا كبيرا فى عهد أسلافه، دفعت من قبل إلى حالة من عدم الاستقرار فى باريس، ولكن فى إطار "انتخابى".

 

 

ويعد فشل رؤساء فرنسا، منذ عهد الرئيس الأسبق جاك شيراك، والذى انتهت فترته الثانية فى عام 2005، وهم نيكولا ساركوزى، وفرنسوا أولاند، فى الاحتفاظ بوجودهم داخل قصر الإليزيه لأكثر من فترة انتخابية واحدة، بمثابة مقدمة لحالة الغضب المتأجج فى الشارع الفرنسى، حيث عبر الفرنسيون عن تدهور الأوضاع عبر الانتخابات الرئاسية فى كل مرة دون أى تقدم ملموس، فى ظل انهيار الأوضاع الاقتصادية من جانب، وقضايا الفساد التى لاحقت بعضهم من جانب آخر، وبالتالى ربما يتحمل ماكرون تبعات، ليس فقط سياساته الاقتصادية التى ربما جاءت لإصلاح أخطاء السياسات السابقة، وإنما أيضا أخطأ الرؤساء السابقين الذين تلفظهم الفرنسيون عبر الطرق الديمقراطية المعترف بها.

 

 

فرديا وجماعيا.. مستقبل أوروبا على المحك

 

وهنا يحمل الحراك الفرنسى فى طياته "كفرا" بالديمقراطية الغربية ومبادئها، فى ظل سياسات تبناها الرؤساء الذين تبادلوا فى السنوات الماضية على عرش "الإليزيه"، والتى قامت فى مجملها على الاتساق مع سياسات الاتحاد الأوروبى، والتى يراها قطاع كبير من المشاركين فى المظاهرات أنها السبب الرئيسى وراء حالة التدهور التى تعيشها باريس فى المرحلة الراهنة بالإضافة إلى الدور الذى لعبه فى حرمان دول القارة من سيادتها واستقلالها، وهو ما يمثل السبب الرئيسى وراء المطالب التى ثارت مؤخرا بالخروج من التكتل، وهو الأمر الذى يتسق تماما مع الرؤية التى تتبناها تيارات اليمين المتطرف، وعلى رأسهم حزب الاتحاد الوطنى، والذى تترأسه السياسية الفرنسية مارين لوبان.

 

 

إلا أن الخروج عن مبادئ الديمقراطية فى فرنسا يمثل تهديدا صريحا ليس فقط لمستقبلها، وإنما مستقبل أوروبا بأسرها، خاصة مع بزوغ نجم التيارات اليمينية فى العديد من مختلف دول القارة، والتى تتبنى نفس الرؤية، وهو ما بدا واضحا فى ظهور العديد من المظاهرات فى عدد من العواصم الأوروبية والتى حملت نفس المطالب تقريبا التى رفعها المتظاهرون الفرنسيون، وإن لم تكن بنفس الحدة، وبالتالى ربما يبقى مستقبل القارة على المحك، سواء على المستوى الفردى المتمثل فى كل دولة على حدة، أو الجمعى، فى ظل حالة الغضب الجماعى تجاه الاتحاد الأوروبى فى المرحلة الراهنة.

 

 

مسلسل التنازلات.. ماكرون لم يدرك دروس "الربيع العربى"

 

ولكن يبقى تراجع الحكومة الفرنسية عن قرارها بزيادة أسعار الوقود، محلا لتساؤلات عدة، حول ما إذا كان مثل هذا القرار مقدمة لقرارات أخرى، يمكننا تسميتها بـ"مسلسل تنازلات" سوف يقدم عليها ماكرون لحماية موقعه، فى ظل أنباء تداولتها بعض وكالات الأنباء حول إمكانية إقالة رئيس الوزراء الفرنسى إدوار فيليب فى الساعات المقبلة فى محاولة جديدة لتهدئة غضب الشارع.

 

 

ولعل المتابع للأحداث المؤسفة التى تشهدها العاصمة الفرنسية منذ بدايتها، يجد أن التعامل الحكومة مع المظاهرات ربما لا يختلف كثيرا مع الطريقة التى تعامل بها قادة دول الشرق الأوسط، إبان ما يسمى بـ"الربيع العربى"، حيث دعا ماكرون أولا للحوار مع المعارضة والمتظاهرين، وهو الأمر الذى رفضه النشطاء، ثم بدأ مسلسل "التراجع" المنتظر بقرار إلغاء فرض الضرائب على أسعار المحروقات، مع توقعات بتنازلات أخرى جديدة، وهو ما يمثل انعكاسا صريحا على فشل الرئيس الفرنسى فى إدراك دروس الماضى القريب فى الشرق الأوسط، وهو ما بدا واضحا فى ارتفاع سقف المطالب التى تبناها المتظاهرون، والتى طالته شخصيا من خلال المطالبة باستقالته عن منصبه.

 


print