"إن مصر نفسها لم تحاول فى أى وقت من الأوقات أن تدعى بأن السيادة على هاتين الجزيرتين قد انتقلت إليها"، هذه إحدى الجمل التى تضمنتها وثيقة الخارجية المصرية التى حملت خاتم "سرى للغاية"، بتاريخ 17 فبراير 1990.
فى الوقت الذى تطايرت فيه الآراء والتحليلات تأييدا ومعارضة، للاتفاقية المصرية والسعودية بترسيم الحدود البحرية بين البلدين والتى أصبح بموجبها جزيرتا "تيران" و"صنافير" تابعتين للحدود الإقليمية السعودية، وفى إطار بحث الجميع عن وثائق تثبت حجة موقفه، سواء بمصرية "تيران" أو "سعوديتها"، ينشر موقع "برلمانى" أهم الوثائق التى تكشف الحقائق التاريخية للجزيرتين، والتى تضمنت خطاب مندوب مصر الدائم لمجلس الأمن بتاريخ 27 مايو 1967، وخطابين من المملكة العربية السعودية لمصر، الأول فى سبتمبر 1988، والثانى فى أغسطس 1989، وخطاب تقدير حالة يحمل خاتم "سرى للغاية"، موجه من وزارة الخارجية المصرية، للدكتور عاطف صدقى رئيس مجلس الوزراء بتاريخ 17 فبراير 1990.
وتضمنت الوثيقة الأولى، وهى خطاب مندوب مصر الدائم لدى مجلس الأمن بتاريخ 27 مايو 1967، اعتراف مصر التالى: "إن مصر لم تحاول فى أى وقت من الأوقات أن تدعى بأن السيادة على هاتين الجزيرتين قد انتقلت إليها، بل إن أقصى ما أكدت هو أنها تتولى مسئولية الدفاع عن الجزيرتين".
خطاب موجه من المملكة العربية السعودية للخارجية المصرية فى سبتمبر 1988
أما الوثيقة الثانية، فهى خطاب موجه من المملكة العربية السعودية للخارجية المصرية فى سبتمبر 1988، يتضمن طلبا من المملكة لمصر بأن تبقى على وعودها السابقة بشأن الجزيرتين، وأنهما حق تاريخى للممكلة، سيعود إليها بعد استقرار الأمور فى المنطقة، وذكر الخطاب فى نصه: "إن تسليم الجزيرتين لمصر عام 1950 كان رغبة فى حمايتهما وتعزيز التعاون بين البلدين فى مواجهة العدو الصهيونى".
وتابعت الوثيقة التى أرسلها الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية: "إن الرئيس السودانى طالب الجانب المصرى أثناء اتفاقية السلام مع إسرائيل عدم إثارة أمر الجزيرتين حماية لهما، حتى تنسحب إسرائيل من كامل الأراضى، ويبقى أمر الجزيرتين عربيا عربيا".
واختتمت المملكة خطابها قائلة: "ننتظر من الجانب المصرى فى شأن هذا الأمر وهو جدير بالاهتمام وأن تنظر فيه بكل تبصر فى الأمور".
خطاب آخر من المملكة العربية السعودية فى أغسطس 1989 للخارجية المصرية
أما الوثيقة الثالثة فهى خطاب آخر من المملكة العربية السعودية فى أغسطس 1989، للخارجية المصرية، وبشكل محدد من وزير الخارجية السعودى إلى الدكتور أحمد عصمت عبد المجيد، نائب وزير الخارجية، وحملت الوثيقة فى بندها الثانى: "أود أن أشير إلى الاتصالات التى جرت بينى وبين معاليكم فى نيويورك، والذى تطرق إلى بحث موضوع جزيرتى تيران وصنافير التابعتين للمملكة العربية السعودية، حيث أبديتم عدم وجود أى اعتراض أو تحفظ لديكم فيما يخص سيادة المملكة على هاتين الجزيرتين سوى ما قد يتعارض مع التزامات مصر الإقليمية والدولية التى تقتضى بعدم تواجد أية قوات عسكرية بهما".
وثيقة "سرى للغاية" للخارجية المصرية تكشف أن تيران سعودية
أما الوثيقة الرابعة، وهى الأخطر، فهى خطاب يحمل موقفا مرسلا من وزارة الخارجية المصرية إلى الدكتور عاطف صدقى، رئيس الوزراء، يحمل توصيات دراسة الموقف القانونى بعد خطابى المملكة العربية السعودية السالفين.
وهذه الوثيقة عبارة عن خطاب "سرى للغاية" يكشف عن إرسال المملكة العربية السعودية لخطابين إلى مصر، الأول بتاريخ أغسطس 1988، والثانى فى فبراير 1989، تطلب فيه من مصر وعدًا بأن تنظر إلى أمر الجزيرتين وتلتزم بوعودها السابقة مع الحكومة السعودية بأنه لا أزمة فى سيادة المملكة على الجزيرتين.
وتضمن الرد المصرى فى نقطته الثالثة: "قامت وزارة الخارجية بدراسة الطلب السعودى فى ضوء أحكام القانون الدولى من ناحية والظروف السياسية والعلاقات المصرية الإسرائيلية من ناحية أخرى، وقد تدارست الموضوع بصفة خاصة مع الدكتور مفيد شهاب رئيس قسم القانون الدولى بجامعة القاهرة، حيث اتفقنا فى الرأى على عدد من الحقائق، والتى أتشرف برفعها إليكم".
وجاءت تلك الحقائق حسب نص الوثيقة كما يلى:
إن مصر قامت فى فبراير 1950 باحتلال جزيرتى صنافير وتيران وأبلغت الحكومتين الأمريكية والبريطانية بهذا الموقف، وأنها لجأت إليه فى ضوء المحاولات التى تكررت من جانب السلطات الإسرائيلية تجاه الجزيرتين، وأن هذه الخطوة تمت بالاتفاق مع حكومة المملكة السعودية.
قام الملك عبد العزيز آل سعود بإرسال برقية إلى الوزير المفوض السعودى فى القاهرة فى فبراير 1950 تضمنت قوله "نزول القوة المصرية فى جزيرتى تيران وصنافير لأن أمن هاتين الجزيرتين كان مقلقًا لنا كما هو مقلق لمصر، ومادام أن المهم هو المحافظة عليهما، فوجود القوة المصرية فيها قد أزال القلق".
تقع الجزيرتان طبقًا لاتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية وبالبروتوكولات المتعلقة بها فى المنطقة "ج"، حيث بعض القيود على التواجد العسكرى المصرى، بحيث تتولى الشرطة المدنية المصرية، المجهزة بزوارق خفيفة ومسلحة تسليحًا خفيفًا، مهمتها داخل المياه الإقليمية للمنطقة، فضلًا عن تمركز القوى متعددة الجنسيات، فى هذه المنطقة، ومثل هذه المعاهدات يتعين احترامها والاستمرار فى الالتزام بها.
إن تبعية هاتين الجزيرتين وفقًا لأحكام القانون الدولى هى للمكلة العربية السعودية وذلك للأسباب التالية:
من الأمور الثابتة تاريخيًا أن السيادة على الجزيرتين كانت للسعودية إلى حين قيام مصر فى ظروف المواجهة العسكرية مع إسرائيل فى عام 1950 باحتلال الجزيرتين احتلالًا فعليًا، وبموافقة ومباركة السعودية، وجدير بالذكر أن عدم ممارسة السعودية لمظاهر السيادة على الجزيرتين قبل عام 1950 نتيجة عدم تواجدها الفعلى فيها وكذا عدم ممارستها لهذه المظاهر بعد عام 1950 نتيجة احتلال مصر لها، لا يعنى بأى حال من تبعية الجزيرتين للسعودية، ذلك أن من الأمور المستقر فى القانون الدولى فقها وقضاءً أن السيادة على الإقليم لا تتأثر بإدارة دولة أخرى لها خاصة إذا كان هناك اتفاق بينهما فى الإدارة، كما أن من المسلم به فى أحكام القانون الدولى أن السيادة على الإقليم لا تتأثر بمباشرة أو عدم مباشرة السيادة عليه، طالما لم يقم دليل على تنازل الدولة صاحبة الإقليم عنه للدولة التى تباشر مظاهر السيادة عليه، وفى الحقيقة، فإن المملكة السعودية وإن قبلت بالتواجد المصرى عام 1950 خشية من سيطرة الإسرائيليين على الجزيرتين إلا أنها لم تتنازل عنهما فى أى وقت لمصر، الأمر الذى يؤكد مطالبتها الآن، باعتراف مصر بالسيادة السعودية عليها، وعليه فإن التواجد المصرى فى الجزيرتين لا يؤثر على استمرار تابعيتهما للسعودية.
بل إن مصر نفسها لم تحاول فى أى وقت من الأوقات أن تدعى بأن السيادة على هاتين الجزيرتين قد انتقلتا إليها، وأن أقصى ما أكدت هو أنها تتولى مسؤولية الدفاع عن الجزيرتين وخطاب مندوب مصر الدائم لدى الأمم المتحدة أمام مجلس الأمن فى 19 مايو 1967.
واختتم الجانب المصرى الوثيقة بالتأكيد السعودى على أن تظل الرسائل بين الجانبين سريًا حتى لا يؤثر ذلك على الأمن القومى العربى، وأن تستغله إسرائيل فى حال كشف تلك المراسلات.
ووفقًا للحقائق التاريخية فى هذه الوثائق فإن..
1. فى 1950 احتلت مصر جزيرتى تيران وصنافير لحمايتهما من العدو الصهيونى بطلب ومباركة المملكة العربية السعودية.
2. فى 1967 أبلغت مصر مجلس الأمن سيطرتها على الجزيرتين.
3. فى 1988 أرسلت المملكة خطابا لمصر تفيد فيه انتظارها أن تلتزم مصر بتعهداتها السابقة بعودة الجزيرة للمملكة عقب انتهاء الأوضاع المصطربة.
4. فى 1989 أرسلت المملكة لمصر خطابا ثانيا تؤكد فيه مطلبها، وأن لا تسعى خلق توتر فى المنطقة بهذا الطلب، وتنتظر من مصر أن تتعامل معه بجدية بعد انتهاء التوترات.
5. بعد الخطاب الثانى شكلت الخارجية المصرية لجنة بعضوية الدكتور مفيد شهاب رئيس قسم القانون الدولى لدراسة الموقف القانونى.
6. فى 1990 أرسلت الخارجية تقدير موقف للدكتور عاطف صدقى رئيس مجلس الوزراء يفيد بأحقية الجزيرتين للمملكة.