السبت، 23 نوفمبر 2024 06:20 ص

وثيقة مزورة تنسب للسفارة السعودية مخاطبة الخارجية والديوان الملكى ببيان هدايا لمسؤولى مصر.. 598 ساعة للسيسى وشريف إسماعيل وعبدالعال والنواب بـ1.57 مليون دولار.. والسفارة تنفى فى بيان رسمى

من يضع "العقارب" بين مصر والمملكة؟

من يضع "العقارب" بين مصر والمملكة؟ من يضع "العقارب" بين مصر والمملكة؟
الخميس، 14 أبريل 2016 06:06 م
كتب برلمانى
عقب ثورة 30 يونيو 2013، ونجاح قطاع واسع من المصريين الرافضين لحكم جماعة الإخوان الإرهابية فى تقويض الدائرة الجهنمية للجماعة، وعزلها عن السلطة فى مصر، حملت الأجواء السياسية بين مصر والمملكة العربية السعودية عواصف ورياح خماسين ومساحات ملبّدة بالغيوم والغبار، وأشار بعض المتابعين فى هذا السياق إلى عدم رضا عن السيناريو السياسى لمرحلة ما بعد الجماعة الإرهابية، بينما أشار آخرون إلى توتر فى العلاقات بين المملكة واللاعبين السياسيين الجدد، وتوقع آخرون أن يكون التوتر على خلفية المحاولات السعودية الدءوب للصعود إلى واجهة السياسة بالمنطقة ولعب الدور المحورى الذى كان من نصيب مصر دائمًا، وبين التكهنات والتفسيرات المتعددة، ظلت الأجواء متراوحة بين الهدوء والتوتر، الاستقرار والاضطراب، الإقبال والإدبار، إلى أن جاءت التحركات الأخيرة لتقطع الشك باليقين، وتشير إلى رغبة قوية وتحرك جاد لإعادة صياغة وجه العلاقات بين مصر والمملكة، ومن ثمّ إعادة شكل التحالفات وموازين القوى فى المنطقة، وكان التجلى الأكبر لهذا التحول فى زيارة العاهل السعودى، سلمان بن عبد العزيز آل سعود، للقاهرة خلال نهاية الأسبوع الماضى ومطلع الأسبوع الجارى، فى أطول زيارة خارجية له، والأولى تقريبًا لمصر منذ اعتلائه عرش المملكة، إذا استبعدنا زيارته لشرم الشيخ فى مارس من العام الماضى، لحضور فعاليات القمة العربية.
مجلس النواب copy

زيارة سلمان بن عبد العزيز وإعادة رسم خريطة التحالفات


إذا أغفلنا فترة البرود والتوتر، أو الثبات الرمادى المحايد، فى العلاقات بين مصر والمملكة، وبدأنا قراءة المشهد من حيث انتهى إليه، سنجد أن الشهور الأخيرة شهدت تحولا إيجابيًّا كبيرًا فى مسار العلاقات، بدءًا من الدعم الاقتصادى السعودى للنظام المصرى، والدعم المصرى العسكرى والسياسى للمملكة فى معركتها مع القلاقل المشتعلة على مقربة من حدودها مع اليمين، والاتفاق والتنسيق فى كثير من المواقف بشأن الصراعات القائمة فى ليبيا وسوريا وغيرهما من الجبهات.
على عبد العال و الملك سلمان copy

الزيارة الأخيرة للملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، تؤكد دعم هذه الحالة من الإيجابية والتصاعد الأبيض والمتزن فى مسار العلاقات، وتحمل مؤشّرًا ما على تكوين جبهة عربية قوية قبالة التحركات التركية والإيرانية على الجانب المقابل، ما يعنى أن المملكة بصدد إعادة صياغة تحالفاتها وتغيير رهاناتها فى حسابات القوة والتحالفات الاستراتيجية، وربما جاءت الزيارة الطويلة السابقة على زيارة "سلمان" لتركيا، كإشارة لنظام أنقرة على متانة وعمق العلاقات مع مصر، وأسبقيتها على تركيا فى خريطة أولويات المملكة، وربما شهدت زيارة العاهل السعودى لـ"أنقرة" محاولات لرأب الصدع ولعب دور الوسيط بين السيسى وأردوغان، وكل هذه التفاصيل تشير إلى مرحلة إيجابية من العلاقات المصرية السعودية، ربما تكفى لإثارة قلق ورعب كثيرين من المناوئين على جوانب أخرى، سواء مؤسسات أو دولا أو أفرادا.

التحالف المصرى السعودى.. صياغة جديدة للمنطقة ومحاولات مقابلة للتفكيك


أمام الأهمية الاستراتيجية التى تحملها الزيارة، والمؤشرات الإيجابية التى تشير إليها كل تفصيلة من تفاصيلها، يصبح من الطبيعى أن تثير هذه التحولات قلق وريبة، بل ورعب، قطاعات عديدة من المتابعين للشأن العربى، والعالمين بأهمية المنطقة العربية سياسيًّا واستراتيجيًّا وعسكريًّا، ويصبح من الطبيعى أن تواجه هذه الجهود الرسمية الرامية إلى ترميم وتدعيم وتطوير العلاقات بين مصر والمملكة، جهودًا مناوئة، لصناعة شروخ فى جدار هذه العلاقة، عبر الشائعات والتصريحات المغلوطة والتضليل، وصولاً إلى التلفيق والتزوير.

من هذا الباب شهدت الأيام الأخيرة تجلّيات عديدة لهذه المحاولات، عبر نقل تصريحات وتداول شائعات، وقيادة حملات تسعى إلى خلخلة الترابط الناشئ بين البلدين، ولكن التجلى الأبرز ظهر خلال الساعات الأخيرة، من خلال تداول وثيقة مزورة، منسوبة للسفارة السعودية بالقاهرة، وسفيرها أحمد بن عبد العزيز قطان، موجهة إلى وزير الخارجية السعودى عادل الجبير، وخالد بن عبد الرحمن العيسى، رئيس الديوان الملكى السعودى ووزير الدولة وعضو مجلس الوزراء، بشأن قائمة بالهدايا الثمينة لعدد من المسؤولين والشخصيات السياسية المصرية، بدءًا من رئيس الجمهورية، الرئيس عبد الفتاح السيسى، وحتى أعضاء مجلس النواب وموظفى الرئاسة وأعضاء أمانة البرلمان والصحفيين والإعلاميين والوزراء.

598 ساعة يد بـ1.57 مليون دولار.. ومنح مالية للوزراء والإعلاميين وموظفى الرئاسة


الوثيقة المزورة، الصادرة عن السفارة السعودية، والموجهة إلى وزير خارجية المملكة ورئيس الديوان الملكى، تشير إلى شراء وتجهيز هدايا لعدد من المسؤولين المصريين بمناسبة زيارة الملك سلمان للقاهرة، ومواصفات وأسعار هذه الهدايا.
تبدأ الوثيقة باسم الرئيس عبد الفتاح السيسى، وتشير إلى إهدائه ساعة يد من نوع روليكس، وموديلها rolex submariner diamond emerald baguette ويتراوح سعرها بين 290 و300 ألف دولار أمريكى، ثم رئيس مجلس الوزراء المهندس شريف إسماعيل، وساعته من نوع روليكس، موديل rolex cosmography Daytona ويتراوح سعرها بين 185 و190 ألف دولار أمريكى، ثم رئيس مجلس النواب، وساعته من النوع نفسه وبالقيمة نفسها.
ساعه copy

ثم تشير الوثيقة بعد ذلك، إلى إهداء 508 نواب بالبرلمان، ساعات من نوع tissot t-youch expert solar ويتراوح سعرها بين 1300 و1500 دولار أمريكى، وإهداء 87 نائبة ساعات من نوع بلوفا analog clock ويتراوح سعرها بين 3000 و4500 ريال سعودى، أو ما يعادل 1500 دولار أمريكى.

وفق الوثيقة يبلغ عدد الساعات المهداة لرئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ورئيس مجلس النواب وأعضاء المجلس، 598 ساعة بإجمالى قيمة 1.57 مليون دولار، إضافة إلى إشارتها لتقديم منح مالية للوزراء والصحفيين وموظفى رئاسة الجمهورية، دون تحديد أسماء المستحقين أو صفاتهم أو قيمة المنح المالية المقدمة لهم.

وثيقة مليئة بالعقارب.. من يسعى لإفساد العلاقة بين مصر والسعودية


الوثيقة السابقة، التى يتداولها كثيرون من النشطاء ومستخدمى مواقع التواصل، ونشرتها بعض المواقف الصحفية على أنها وثيقة رسمية حقيقية، لا تحتاج إلى أكثر من نظرة سريعة وعابرة للتأكد من تزويرها، ففى الديباجة تقول الوثيقة: "أبعث لسعادتكم برفقته البيان الشامل للأخوة المصريين من المسؤلين المستحقين لمكرمة سيدى خادم الحرمين الشريفين جلالة الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، حفظه الله، بمناسبة زيارته المباركة إلى جمهورية مصر العربية، المقررة بإذن الله تعالى فى التاسع والعشرون من جمادى الأخر 1437 هـ، ومبين أمام كلا منهم المقترح من مكرمة سيدى، بحسب منصبه وموقع مسؤليته"، وتتجلّى فى هذه الديباجة القصيرة، الصادرة عن سفارة المملكة العربية السعودية، موجهة إلى وزير الخارجية ورئيس الديوان الملكى، 6 أخطاء لغوية فى أقل من 5 سطور، إضافة إلى أن الوثيقة فى حديثها عن النواب المستحقين لهداياها، ذكرت أنها جهزت 508 ساعات للنواب الرجال و87 ساعة للسيدات، وهذا العدد إضافة إلى ساعة الدكتور على عبد العال، يصبح 596 ساعة يد فاخرة، وهو العدد الأصلى للنواب، ولكن عدد نواب المجلس الحالى 594 فقط، بعد إسقاط عضوية توفيق عكاشة، واستقالة المستشار سرى صيام، عضو المجلس المعين، ما يشير إلى خلل معلوماتى وغياب للدقة لدى والثبت لدى من كتب الوثيقة، أو بتعبير أدق "زوّرها".

موقف السفارة السعودية من وثيقة الساعات


استخلاصنا للشبهة التى تحيط بالوثيقة من داخلها، وبالتدقيق فى محتواها، ليس الدليل الوحيد على تزويرها وتلفيقها، فأمام تداولها وانتشارها بكثافة خلال الساعات الماضية، خرجت السفارة السعودية ببيان رسمى، على لسان السفير أحمد بن عبد العزيز قطان، سفير المملكة بالقاهرة ومندوبها الدائم لدى جامعة الدول العربية، وعميد السلك الدبلوماسى العربى، نفت فيه الوثيقة وما يتداوله النشطاء وبعض المواقع الإخبارية ووسائل الإعلام التابعة لجماعة الإخوان الإرهابية بشأنها، وحديثهم عن منح المسؤولين والإعلاميين والنواب المصريين هدايا خاصة بمناسبة زيارة الملك سلمان للقاهرة.
احمد قطان copy

وأكد "قطان" فى بيانه الصادر اليوم، الخميس، ما رأيناه فى تدقيقنا فى البرقية وفحصنا لمحتواها، مشدّدًا على أن أمر تزويرها واضح للغاية، وأنها لا تشبه مخاطبات السفارة شكلا أو أسلوبًا أو على صعيد المضمون، وأن السفارة ستقاضى كل من يتعمد الإساءة إليها وإلى العلاقات المصرية السعودية عبر ترويج الشائعات وبث الأكاذيب وتزوير الوثائق، لنقف بين الوثيقة واضحة التزوير، وبين بيان السفارة الرسمى الواضح، حائرين بشأن السؤال الأهم: من يضع العقارب بين مصر والمملكة؟ ومن يسعى إلى توتير العلاقات؟ وكيف يمكن للبلدين تجاوز هذه الفِخاخ والألغام؟

1 (1)

1 (2)




print