كفل الدستور المصرى لمجلس النواب، حق إقرار السياسة والموازنة العامة للدولة، ولكن المجلس القادم سيواجه عددا من التحديات التى ينبغى مراعاتها فيما يتعلق بإعداد مشروع موازنة العام المالى 2015/2016، وسنعرض أهم ما سيواجه المجلس القادم من تحديات للتصدى لها بشكل صحيح.
محدودية فرص المناورة المالية
تتحمل الموازنة العامة للدولة مصروفات حتمية تحد من القدرة على الوفاء بالالتزامات الجديدة دون زيادة أعباء الدين العام.
وبمعنى آخر فإن مشروع الموازنة العامة للعام الجديد يتحمل أعباء بعض المصروفات المترتبة على القرارات التى تم اتخاذها خلال السنوات الماضية مثل زيادة مصروفات الأجور وزيادات المعاشات التى تلتزم بها الخزانة العامة تجاه صندوقى التأمينات الاجتماعية للعاملين بالقطاع الحكومى والقطاعين العام والخاص، ذلك بالإضافة إلى ارتفاع مدفوعات الفوائد عن الدين العام نتيجة ارتفاع عجز الموازنة العامة بشكل ملحوظ خلال الأعوام السابقة.
وتقدر قيمة هذه الالتزامات وحدها بأكثر من نصف تريليون جنيه خلال العام المالى القادم وهو ما يمثل: ما يقرب من 90% من الإيرادات المتوقعة بالموازنة العامة، وما يقرب من 60% من جملة الإنفاق المتوقع بالموازنة العامة، نحو 20% من الناتج المتوقع توليده فى الاقتصاد بالكامل خلال العام المالى "الناتج المحلى الإجمالى"، كما تلتهم الزيادة المتوقعة فى تلك البنود فى العام المالى القادم نحو 90% من الإيرادات المحققة من الإصلاحات المالية التى قامت بها الحكومة.
تمويل الالتزامات الدستورية القادمة
تعد زيادة الإنفاق الحكومى على الصحة والتعليم والبحث العلمى من الأمور الضرورية للاستثمار فى التنمية البشرية وفى مستقبل مصر، إلا أن توفير مصادر تمويل مستدامة للوصول بنسب الإنفاق الحكومى إلى المستويات المقررة فى الدستور يعتبر أحد التحديات الكبيرة التى تواجه السياسة المالية فى السنوات القادمة، وتتطلب توفير موارد إضافية مضطردة تكون مرتبطة أيضا بنمو النشاط الاقتصادى لكى تتسم بالاستدامة.
الالتزام بتنفيذ أجندة الإصلاح
وضعت الحكومة خطة إصلاحية متسقة وتدريجية تهدف إلى توفير موارد جديدة لتغطية تكلفة الإنفاق على البرامج الاجتماعية المختلفة، وتشمل الترشيد التدريجى لدعم الطاقة، وتوسيع القاعدة الضريبية، إلا أن الوفر المحقق من هذه الإصلاحات مرتبط ارتباطا وثيقا بتنفيذها فى المواعيد المقررة ودون تأجيل حتى يتحقق المستهدف منها.
توفير الطاقة اللازمة لمواصلة النمو
يعد تلبية احتياجات الاقتصاد من الطاقة، سواء لسد احتياجات الاستهلاك المنزلى وإنهاء مشكلة انقطاع التيار الكهربائى أوالاستهلاك التجارى والصناعى، أحد التحديات الأساسية التى تواجه تطور الأداء الاقتصادى وتحقيق الرفاهة للمواطنين.
وعلى الرغم من الزيادات التى شهدتها أسعار الطاقة فى بداية العام المالى الحالى، إلا أن المؤشرات توضح عدم وجود انعكاس لذلك على حجم الاستهلاك سواء من المنتجات البترولية أو الكهرباء.
ولذلك فتحتم الزيادة السنوية المتوقعة فى استهلاك الكهرباء إلى زيادة حجم الاستثمارات الإضافية فى قطاع الطاقة بشكل كبير، سواء من خلال زيادة محطات توليد الكهرباء أو زيادة الاستثمارات فى قطاعى البترول والغاز الطبيعى وبما يساهم فى توفير احتياجات محطات الكهرباء من الوقود.
وتقدر التكلفة الاستثمارية التى يجرى تدبيرها خلال العام المالى الحالى نحو إلى 15 مليار جنيه، كما ستؤدى إلى زيادة تكلفة دعم الوقود بنحو 15 مليار جنيه على الأقل خلال العام القادم مقارنة بالعام الجارى.
ويتطلب ذلك توفير مصادر تمويل إضافية، ليس فقط بالعملة المحلية بل من النقد الأجنبى أيضا، خاصة مع تزايد الحاجة لتدعيم السيولة فى شركات البترول والكهرباء.
تفاقم أعباء نظام المعاشات
تشهد المعاشات المنصرفة من خلال صندوقى المعاشات زيادة بما يفوق قيمة الاشتراكات المحصلة والعائد الذى تحققه هذه الصناديق، وهو ما يستلزم مواجهة هذه المشكلة بشكل جذرى عن طريق إعداد نظام جديد للمعاشات يتسم بالاستدامة، بحيث يساهم بشكل فعال فى زيادة المدخرات وتلبية احتياجات أرباب المعاشات دون تحميل الموازنة العامة للدولة بأعباء قد تؤثر بشكل كبير على سلامة المالية العامة على المدى المتوسط.
التغيرات فى الأسعار العالمية للسلع الرئيسية
شهد العام المالى الحالى انخفاض أسعار معظم السلع الرئيسية فى الأسواق العالمية مقارنة بالعام السابق، وذلك فى ضوء توقع استمرار تزايد الإنتاج وتحسن المعروض العالمى بما يفوق الطلب متأثرا بتباطؤ نمو الاقتصاد العالمى، وتفترض تقديرات مشروع موازنة العام المالى الجديد عودة الارتفاع التدريجى فى أسعار بعض السلع وبحيث يرتفع متوسط سعر البترول "خام برنت" إلى نحو 75 دولار/ برميل مقابل 55-65 فى الوقت الحالى، وأن يبلغ متوسط سعر القمح 248 دولار/طن بعد إضافة تكلفة الشحن والتفريغ.
وبالرغم من أن هذه التقديرات تقوم على البيانات المتاحة فى الوقت الحالى إلا أن تطورها الفعلى أثناء العام المالى قد يؤثر على أداء الموازنة العامة، خاصة على فاتورتى دعم المواد البترولية والسلع الغذائية.
وتنعكس آثار انخفاض أسعار البترول – بنسبة 55% منذ سبتمبر 2014 – بشكل إيجابى على الاقتصاد المصرى من خلال خفض حجم دعم المواد البترولية وتحسن الميزان التجارى للهيئة المصرية العامة للبترول، ولكن يحد منه احتمال تأثر تدفقات الاستثمار فى قطاع البترول، بالإضافة إلى التأثير المحتمل على أداء السياحة القادمة من الدول المصدرة للبترول مثل روسيا خاصة مع العقوبات الاقتصادية التى تتعرض لها.