أيام معدودات ويبدأ الملايين من المسلمين بأرجاء المعمورة بإقامة سنة الأضحية، وذلك عقب صلاة عيد الأضحى المبارك، وحتى عصر اليوم الثالث من أيام التشريق، فالأضحية هى ما يذكى تقربا إلى الله تعالى فى أيام النحر بشرائط مخصوصة، وشرعت شكرًا لله تعالى على نعمة الحياة إلى حلول الأيام الفاضلة من ذى الحجة كما شكر نبى الله إبراهيم ربه بذبح الكبش العظيم لبقاء حياة ابنه إسماعيل على نبينا وعليهما الصلاة والسلام، وشكرًا له تعالى على شهود هذه الأيام المباركة وعلى التوفيق فيها للعمل الصالح.
والأضحية سنة مؤكدة عند جمهور الفقهاء، يفوت المسلم خير كبير بتركها إذا كان قادرا عليها، لقول النبى صلى الله عليه وآله وسلم: «ما عمل آدمى من عمل يوم النحر أحب إلى الله من إهراق الدم، إنها لتأتى يوم القيامة بقرونها وأشعارها وأظلافها، وإن الدم ليقع من الله بمكان قبل أن يقع من الأرض، فطيبوا بها نفسا«.
ويشترط فى الأضحية ما يشترط فى غيرها من الذبائح، من كون الحيوان حيا، وأن تزهق روحه بالذبح، وألا يكون صيدا من صيد الحرم، وأن يبلغ سن التضحية، وأن تكون الأضحية سالمة من العيوب، وأن تكون مملوكة للمضحى، وينوى بها التقرب إلى الله تعالى.
ووقت الأضحية يبدأ من بعد صلاة عيد الأضحى، وينتهى بغروب شمس الثالث عشر من ذى الحجة، ويستحب توزيعها أثلاثا، ثلث للمضحى، وثلث للهدية، وثلث للفقراء.
ويسن للإنسان عند الذبح أن يصلى ويسلم على النبى صلى الله عليه وآله وسلم، وأن يكبر ثلاثا بعد التسمية، وأن يقول: اللهم هذا منك وإليك فتقبل مني، وأجمع المسلمون على مشروعية الأضحية والأفضل فيها الإبل، ثم البقر ويشمل الجاموس أيضا، ثم الغنم، ثم المعز، ثم شرك فى بدنة، ثم شرك فى بقرة، وبه قال أبو حنيفة والشافعى، وقال به مالك فى الهدى، ولأنه ذبح يتقرب به إلى الله تعالى فكانت البدنة أفضل كالهدى، ولأنها أكثر ثمنا ولحما وأنفع للفقراء، ولأن النبى صلى الله عليه وآله وسلم سئل: أى الرقاب أفضل؟ قال: «أغلاها ثمنا وأنفسها عند أهلها».
والإبل أغلى ثمنا وأنفس من الغنم، والذكر والأنثى فى كل ذلك سواء، لأن الله تعالى قال: ﴿ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام﴾، ولم يقل ذكرا ولا أنثى، ولأنه إذا كان لحم الذكر أوفر فلحم الأنثى أرطب فتساويا، وأما عن أقل سن للأضحية فمن الإبل ما له خمس سنين، ومن البقر ما له سنتان، ومن الضأن ما له ستة أشهر، ومن المعز ما له سنة، أما الصغير من البقر والجاموس فهو ما كان أقل من سنتين، وتجزئ الشاة عن واحد، والبدنة والبقرة عن سبعة، سواء أراد جميعهم القربة أو بعضهم القربة والباقون اللحم، لما روى عن جابر رضى الله عنه أنه قال: «نحرنا مع النبى صلى الله عليه وآله وسلم عام الحديبية البقرة عن سبعة، والبدنة عن سبعة».
الشرع حدد عيوب إذا وجدت فى الاضحية لا تجزئ للمسلم إن ضحى بها، حيث يشترط فى الأضحية سلامتها من العيوب الفاحشة، وهى العيوب التى من شأنها أن تنقص الشحم أو اللحم إلا ما استثنى، ولا تجزئ الأضحية فى ثمانية عشر حالة إن كانت عمياء، والعوراء البين عورها، وهى التى ذهب بصر إحدى عينيها، وفسرها الحنابلة بأنها التى انخسفت عينها وذهبت، لأنها عضو مستطاب، فلو لم تذهب العين أجزأت عندهم، وإن كان على عينها بياض يمنع الإبصار.
كذلك من العيوب إن كانت مقطوعة اللسان بالكلية، أو ما ذهب من لسانها مقدار كثير، حيث قال الشافعية: يضر قطع بعض اللسان ولو قليلا، أيضا الجدعاء وهى مقطوعة الأنف، وكذلك مقطوعة الأذنين أو إحداهما، وكذا السكاء وهى: فاقدة الأذنين أو إحداهما خلقة، وخالف الحنابلة فى السكاء، أو ما ذهب بعض الأذن مطلقا.
كما حددت الفقهاء من العيوب التى إن وجدت بالأضحية لا تجزئ، وهى العرجاء البين عرجها، وهى التى لا تقدر أن تمشى برجلها إلى المنسك أى المذبح، وفسرها المالكية والشافعية بالتى لا تسير بسير صواحبها، أيضا الجذماء وهى: مقطوعة اليد أو الرجل، وكذا فاقدة إحداهما خلقة، وكذلك الجذاء وهى: التى قطعت رءوس ضروعها أو يبست، وقال الشافعية: يضر قطع بعض الضرع، ولو قليلا.
ومن العيوب أيضا التى حددها الفقهاء إن كانت مقطوعة الإلية، وكذا فاقدتها خلقة، وخالف الشافعية فقالوا بإجزاء فاقدة الإلية خلقة، بخلاف مقطوعتها، وما ذهب من إليتها مقدار كثير، أيضا إن كانت مقطوعة الذنب، وكذا فاقدته خلقة، وهى المسماة بالبتراء، وما ذهب من ذنبها مقدار كثير، وكذلك إن كانت مريضة البين مرضها، أى التى يظهر مرضها لمن يراها، والعجفاء التى لا تنقى، وهى المهزولة التى ذهب نقيها، وهو المخ الذى فى داخل العظام، فإنها لا تجزئ، لأن تمام الخلقة أمر ظاهر، فإذا تبين خلافه كان تقصيرا، وأيضا مصرمة الأطباء، وهى التى عولجت حتى انقطع لبنها، والجلالة، وهى التى تأكل العذرة ولا تأكل غيرها، مما لم تستبرأ، بأن تحبس أربعين يوما إن كانت من الإبل، أو عشرين يوما إن كانت من البقر، أو عشرة إن كانت من الغنم، كما ذكر الشافعية من أن (الهيماء) لا تجزئ، وهى المصابة بالهيام وهو عطش شديد لا ترتوى معه بالماء، فتهيم فى الأرض ولا ترعى، وكذا الحامل على الأصح، لأن الحمل يفسد الجوف، ويجعل اللحم رديئا.
واستند الفقهاء فى تلك العيوب إلى عدة أدلة، فعن عبيد بن فيروز قال: قلت للبراء بن عازب: حدثنى بما كره أو نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأضاحى. فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هكذا بيده، ويدى أقصر من يده: "أربع لا تجزئ فى الأضاحى: العوراء البين عورها، والمريضة البين مرضها، والعرجاء البين ظلعها، والكسيرة التى لا تنقى".
ومن الأدلة أيضا عن على بن أبى طالب رضى الله عنه قال: "أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستشرف العين والأذن، وأن لا نضحى بمقابلة ولا مدابرة ولا شرقاء ولا خرقاء"، وأيضا عن على رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم: "نهى أن يضحى بعضباء الأذن والقرن"
لم يترك الفقهاء أى عيب إلا وذكروه فكما أن هناك عيوب لا تجزئ معها الأضحية، حددوا أيضا ثلاثة عشر نوعا من الأضحية بها عيوب ولكنها تجزئ إن ضحى بها، وهو ما أطلق عليه عيب غير فاحش، ومنها الجماء: وتسمى الجلحاء، وهى التى لا قرن لها خلقة، ومثلها مكسورة القرن إن لم يظهر عظم دماغها، واستدلوا بذلك فعن حجية بن عدى: أن عليا سئل عن البقرة فقال: عن سبعة. وسئل عن المكسورة القرن فقال: لا بأس. وسئل عن العرج فقال: ما بلغت المنسك. ثم قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستشرف العينين والأذنين.
ومن العيوب التى تجزئ معها الأضحية وهى الحولاء التى فى عينها حول لم يمنع البصر، والصمعاء وهى الصغيرة إحدى الأذنين أو كليهما، والشرقاء وهى مشقوقة الأذن، وإن زاد الشق على الثلث، والخرقاء وهى مثقوبة الأذن، ويشترط فى إجزائها: ألا يذهب بسبب الخرق مقدار كثير، والمدابرة، وهى التى قطع من مؤخر أذنها شىء ولم يفصل، بل ترك معلقا، والهتماء، وهى التى لا أسنان لها، لكن يشترط فى إجزائها ألا يمنعها الهتم عن الرعى والاعتلاف، فإن منعها عنهما لم تجزئ.
كذلك الثولاء، وهى المجنونة، ويشترط فى إجزائها: ألا يمنعها الثول عن الاعتلاف، فإن منعها منه لم تجزئ، لأن ذلك يفضى إلى هلاكها، والجرباء السمينة، بخلاف المهزولة. وقال الشافعية: لا تجزئ الجرباء مطلقا، والمكوية، وهى التى كويت أذنها أو غيرها من الأعضاء، والموسومة وهى: التى فى أذنها سمة، والعاجزة عن الولادة لكبر سنها، والخصى، وإنما أجزأ، لأن ما ذهب بخصائه يعوض بما يؤدى إليه من كثرة لحمه وشحمه، فعن أبى هريرة رضى الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "كان إذا أراد أن يضحى اشترى كبشين عظيمين سمينين أقرنين أملحين موجوءين فذبح أحدهما عن أمته لمن شهد لله بالتوحيد وشهد له بالبلاغ، وذبح الآخر عن محمد وعن آل محمد صلى الله عليه وسلم".