وتكمن المشكلة فى تخوفات مختلف الدول والحكومات من إقدام الفارين من داعش على ممارسة العنف والإرهاب داخل حدود دولهم وعلى أراضيهم، ما يعرض سلامة الوطن وأمن المواطنين للخطر، خاصة مع عدم وجود بيانات واضحة وتفصيلية لهؤلاء العائدين، وإمكانية تسللهم إلى داخل الدول دون لفت انتباه أجهزة الأمن وجمع المعلومات، ما يشكل تهديدًا آخر فى السياق ذاته.
إضافة إلى ذلك، تتخوف الكثير من الدول والمؤسسات الأمنية من إمكانية انتقال مقاتلى داعش من سوريا والعراق هربًا من الملاحقة الأمنية والعسكرية، والالتحاق بالعناصر الداعشية فى المناطق والدول المجاورة، ما يشكل تهديدًا للدول التى يوجد بها خلايا تابعة لتنظيم "داعش" تتركز فى بقعة بعينها، وهو تحدٍّ مُلِحٌّ يواجه دولًا كثيرة فى المغرب العربى ومصر واليمن ونيجيريا والكاميرون وتشاد والصومال.
تخوُّفٌ آخر يظهر فى الأفق، وهو احتمالية الانتقال بين التنظيمات التكفيرية والإرهابية، كما هو الحال بين القاعدة وداعش، خاصة مع أفول نجم داعش وبروز قوة القاعدة وإعادة لملمة صفوفها وتنظيم قوتها، ويعضد من هذا الاحتمال حالة الضعف الدينى لدى العناصر الإرهابية، وهو الأمر الذي أكدته العديد من الدراسات التى أجريت على أفراد انضموا لداعش، حيث أشارت دراسة حديثة لمكتب مكافحة الإرهاب فى الأمم المتحدة صدرت فى أغسطس الماضى 2017 وشملت 43 عنصرًا عائدًا لوطنه من 12 دولة مختلفة أغلبهم يعانى من نقص المعرفة الأساسية بالإسلام ومبادئه ولكنأغرتهم العاطفة ووعود الخلافة المزعومة فقط. وبالرغم من أن دراسة مكتب مكافحة الإرهاب بالأمم المتحدة الأخيرة تثبت أن جميع من عادوا هم فى مرحلة المراجعة والندم أكثر منهم فى مرحلة التحفز لعمليات جديدة، بعد سقوط التنظيم ودولته المزعومة، ولكن لا ينفى هذا الاستعدادَ لاحتمال الخطر.
وقد عملت الكثير من مراكز الفكر على دراسة العائدين من التطرف والجماعات الإرهابية لتصنيفهم وتحديد عناصر التهديد لديهم، فقد توصلت دراسة حديثة صادرة عن معهد العربية للدراسات إلى أن مصادر تهديد عودة الجهاديين إلى أوروبا يمكن تصنيفها أربعة أنماط طبقًا لدرجة الخطورة.
أولها: يتمثل فى عدم التكرار مرة أخرى، وهؤلاء يكون لديهم الحماس الشديدة للانخراط فى القتال دفاعًا عن الدين، ولكنهم يكتشفون بعد ذلك مدى بشاعة القتال وما تعرضوا له من عمليات خداع، ويقررون عدم المشاركة مرة أخرى، وهذا النمط لا يمثل خطورة.
أمَّا النمط الثانى: فهو "الانزواء النشط"، وهؤلاء لا يقتصرون فقط على الانزواء والندم، ولكنهم يحاولون منع ذويهم من المسلمين من الذهاب وخوض التجربة نفسها.
أمَّا النمط الثالث: وهم السياح المجاهدون، وهؤلاء يحملون فى البداية أفكارًا مثالية عن القتال، ثم يصطدمون بالأمر الواقع، ولكنهم يحاولون خداع الآخرين بنشر أفكار عن “عظمة” الجهاد عند عودتهم إلى ديارهم، وهذا النمط يشكل خطورة على الدول الأوروبية.
وأما النمط الأخير: وهو الجهاد العابر للقارات، وهؤلاء لديهم التزام أيديولوجى للعنف باسم الإسلام فى الداخل والخارج، وهؤلاء لا يعودون إلى ديارهم إلا بعد تنفيذ عدة هجمات فى الخارج، وهو النمط الأشد خطورة والأكثر انتشارًا.
ويعمل عدد من الدول الأوروبية على تشجيع مواطنيها على العودة إلى الوطن مقابل حوافز ومميزات تقدم لهم، وتسعى الدولة عند عودتهم إلى علاجهم نفسيًّا من أجل تحريرهم من الأوهام، فى حين ترى دول أخرى أن تنظيم "داعش" قد شبَّع عناصره بأفكار معادية للغرب تتلخص فى أن كل ماتعانى منه الأمة الإسلامية سببه دسائس ومؤامرات "الغرب الصليبي"، ولا حل لعودة الخلافة الإسلامية الرشيدة إلا بقطع رؤوس "الكفار".