إذا قابلت مسؤولا مرموقا وجمع بين دولة القانون والنزاهة والكفاءة فى جملة واحدة، فاعلم أنه الرجل المناسب فى المكان المناسب، لأنه يكذب عليك بلا شك، ففى أزمان غابرة حين كان القانون ثوبا له أقمشة وتجار وترزية، بنى كل كهنة السياسة فى هذا البلد مجدهم التليفزيونى على عبارة «نحن دولة مؤسسات يحكمها القانون»، فئة واحدة فقط لم يكن مسموحا لك أن تتحدث عن القانون أمامهم، إنهم الذين يفترض بهم تطبيقه لأنهم فى الحقيقة يظلمون الناس بدعوى أن تطبيق القانون يحتاج لبعض القسوة أو كما يتباهى عنترة بن شداد: «وإذا ظُلمْتُ فإنَّ ظُلمى باسلٌ.. مرٌّ مذَاقَتهُ كَطعم العَلْقم».
يقول مجلس الوزراء المصرى: إنه تلقى منذ العام 2011 ما يزيد على 323 ألف شكوى من المواطنين عبر وسائل الشكاية المعتادة تليفونيا أو إلكترونيا أو ورقيا.. 90 مليون شخص ليس لديهم سوى 22 ألف شكوى سنويا فقط، نحن شعب من السعداء إذن، لا تتسرع فى الحكم، ففى حكايات الظلم اليومية للمواطن المصرى، تكتشف أن أكثر الأماكن التى يفتقد فيها العدل هى دواوين الحكومة بشتى أنواعها، رغم ذلك فهو يلقى بكل ذلك على شماعة الظروف التى على الأقل لن تلقى به فى السجن بتهمة التعدى على موظف عام أو إهانة رموز الدولة أو حتى خرق قوانين التظاهر بأنه صاحب حق، بينما فى الحقيقة هو واقع بين خوفه هذا وجهله بالطرق القانونية التى يشكو بها الموظف العام، فليخبرنى أحدكم كيف سيتصرف إذا تم الاعتداء عليه فى قسم الشرطة، وهو ذاهب لتحرير محضر ضد جاره الذى اعتدى عليه، فقط احتفظوا بالإجابات الخبيثة لأنفسكم.
كل المسارات التى اخترعتها الحكومات المصرية لكى يصب الناس خلالها شكاواهم، كانت سببا لأن يفقد المصريون الأمل فى أن يجدوا من ينظر لهم بعين العدل، لا بعين اللائم التى تجعل المواطن هو السبب دائما فى الغلاء والوباء وانقطاع الرجاء، جرب بنفسك أن تتصل بأحد الأرقام الساخنة، ستصدمك برودة الطرف الآخر، إن لم تمل من الجرس الذى ينقطع دون أن يرد عليك أحد، حاول أن تصل لرئيس الحى فى مكتبه أو تعترض موكب المحافظ، سيعاملونك كحشرة أفسدت يومهم المشرق ومزاجهم اللطيف، بالتأكيد سيخرج رئيس الوزراء فى اليوم التالى ليخبر الكاميرات أن المواطن على رأس أولوياته، ويؤكد وزير الداخلية أنه أحال الواقعة للتفتيش، الخبر الجيد أن الحمار مات دون أن يضطر لدفع ثمن العليق.