إلى أين تسير أزمة اقتحام نقابة الصحفيين؟.. لا أحد يستطيع الدفاع عن موقف وزارة الداخلية حينما اقتحمت نقابة الصحفين مساء الأحد الماضى، فما حدث خطأ تاريخى تتحمل مسؤوليته الوزارة التى كان عليها أن تعى جيداً حرمة النقابة، وتدرك أن ما فعلته يتنافى بشكل مطلق مع المنطق ومع المقتضيات السياسية والنقابية، ولا يغير من طبيعة هذا الخطأ بيان الداخلية الكارثى الذى ما كان ليخرج بهذا الشكل البعيد تماماً عن الحصافة، حتى وإن أكد احترام وتقدير الداخلية «للسادة الصحفيين والدور الوطنى الذى يؤدونه.. كما تؤكد احترامها لحرية الرأى والتعبير»، لأن الاحترام لا يكون بالبيانات وإنما بالأفعال.
دفاعنا عن حرمة نقابة الصحفيين لا يأتى من منطلق أن الصحفيين على رأسهم ريشة كما يدعى البعض، لكن لأننا نتحدث عن حرية الصحافة والتعبير التى كفلها الدستور والقانون، التى تعد ضمانا أساسية لتقدم الوطن، ويرتبط بذلك أيضاً تأكيدناً على أن تنفيذ القانون لا يكون بمخالفة القانون، وأن الدولة يجب أن تكون مدركة لحقيقة أن محاولة إثبات هيبتها لا يجب أن يكون بإشعال الأزمات والحرائق، بل باحترام القانون وتطبيقه على الجميع بعدالة، وأول من يجب تطبيق القانون عليهم من يحاولون أحراق البلد باصطناع الأزمات ومنح الفرصة لمشعلى الفتن لكى يتحركوا كما يشاءون باستغلال هذه الأزمات المصطنعة. هذا هو موقفى الواضح الذى لا رجعة فيه، لأنه ينطلق من مبدأ أن مصر الحديثة التى نريدها لن ترى النور فى ظل هذه الصورة السلبية التى يحاول أن يرسمها هواة فى وزارة الداخلية ومعهم متلهفون للأزمات، أو ما يطلق عليهم «النشطاء السياسون» الذين يقتاتون كل يوم على الابتزاز والفتن.
نعم الداخلية أخطأت وعليها أن تعتذر وتحاسب من سمح لهذه المجموعة الأمنية أن تدخل النقابة للقبض على معتصمين بداخلها، لكننا نحن أيضاً سنكون الأكثر خطاً إذا سلمنا أنفسنا لهواة يريدون إشعال الأزمة، فما رأيته على سلالم النقابة وداخل النقابة من وجوه لا علاقة لها بالعمل الصحفى يثير الشك فى داخلى من مسار الأزمة، أتحدث هنا عن خالد على ورفاقه ممن لا يهمهم الحرية بقدر اهتمامهم بترويج شعاراتهم التى ورثوها عن الإخوان.
حينما أرى خطأ الداخلية «التاريخى» فإن مجموعة من الملاحظات استوقفتنى، أهمها أن بيان وزارة الداخلية الذى برر ما تم بأنه تنفيذ لقرار النيابة العامة الصادر بشأن ضبط وإحضار عمرو بدر «رئيس تحرير بوابة يناير الإلكترونية»، و«محمود السقا» المتدرب بـ«بوابة يناير الإلكترونية» المتهمين فى المحضر رقم 2016 لسنة 2016 إدارى قسم ثان شبرا الخيمة «التحريض على خرق قانون تنظيم حق التظاهر والإخلال بالأمن ومحاولة زعزعة الاستقرار بالبلاد»، هذا البيان يؤكد على الحاجة الملحة لتغيير فكر وإدارة الوزارة، لأنها لا تتناسب مع مصر الحديثة، الأمر الآخر أن رفع شعارات سياسية على سلالم النقابة من قبيل تلك التى اخترعها الإخوان لن يحل الأزمة، وإنما سيعمقها وربما سيقسم الجماعة الصحفية، لأن الأزمة ليست مع النظام، لكنها مع الداخلية التى دائما ما تسبب حرجاً للنظام، بأفعالها وتصرفاتها البعيدة تماماً عن السياسة.
ملاحظة أخرى أن نقابة الصحفيين لا تزال تبحث عن نقيب، فمن يدير حتى الأزمة الآن هو الأستاذ ياسر رزق، ومن قبله أدار الأستاذ ضياء رشوان ملفات كثيرة مع الدولة، فى غياب تام وعدم تحمل للمسؤولية الكاملة من جانب النقيب الأستاذ يحيى قلاش، وربما تكون هذه الأزمة هى استمرار لما حدث خلال الجمعيات العمومية التى لم تكتمل خلال الشهرين الماضيين، بما يؤكد الحاجة الملحة لتقييم مجلس النقابة بالكامل ومدى كفاءته لتحمل المسؤولية فى هذه الفترة الصعبة.
الملاحظة الأهم بالنسبة لى أن نقابة الصحفيين يجب أن تبقى بيتا للصحفيين ومدافعة عن حقوقهم، لا أن يتم اختطافها من جانب فصيل معين أو عضو مجلس نقابة يبحث عن أمجاد على حساب النقابة، فمع كامل احترامى لكل المعتصمين فى النقابة، ستظل النقابة هى ملك للصحفيين وليست أداة فى يد النشطاء الذين عليهم أن يدركوا أن معركة الصحفيين مع وزارة الداخلية، خاصة بالقيم الصحفية والمهنية، وليست دفاعاً عن أخطاء يمارسها بعض النشطاء، فما حدث من الداخلية مرفوض تماماً ولا يقبله أى صحفى، لكن ما يجرى من البعض لاختطاف النقابة هو أمر مرفوض تماماً، لأن النقابة للصحفيين وليست لحزب أو فصيل سياسى. ويبقى شىء وحيد وهو أن المطلوب الآن تدخل فورى من حكماء المهنة لضبط البوصلة، وإعادة الكرامة للنقابة، وإعادة النقابة للصحفيين، وحل الأزمة مع الدولة وبشكل قانونى محترم يتناسب مع هيبة وتاريخ نقابة لها تاريخ وهى نقابة الصحفيين.