الإجراءات «الغشيمة» تزيد التعقيد تجربة عملية على ما يمكن أن يحدث عندما تفتقد الأطراف القدرة على التمييز. والانتقال من الحوار إلى صدام قد يتسع ويصعب التعامل معه أو امتصاص تأثيراته. رأينا كيف سارت الأحوال فى الجمعية العمومية للصحفيين أمس وكيف كانت المسؤولية والقدرة على التعامل بشكل حضارى، أبدى فيه الصحفيون تمسكا بكرامة المهنة، من دون أن يندفعوا إلى مجهول.
وفى المقابل بدت وزارة الداخلية حريصة على التصعيد باستخدام الحصار المتعمد على عكس سلوكيات سابقة، والحصار تم بالمنع والمضايقة. ونفس الأمر فى استخدام بعض الطرق القديمة والفجة فى الدفع بمواطنين وتحريضهم للاحتكاك بالصحفيين واستفزازهم.
كانت هناك محاولات من البداية لاختراع وجود غضب شعبى على الصحافة والإعلام، وادعاء بأن الصحفيين لايريدون المحاسبة ويضعون أنفسهم فوق القانون، وهى ادعاءات تخلط الأوراق وتحاول التغطية على أفعال أدت لتقطيع الخيوط التى تربط العلاقة بين مؤسسات الدولة، ومن حيث يرفعون الالتزام بالقانون يتجاهلون مخالفات لنفس القانون. وكان من الممكن تحقيق القانون من دون الدخول فى صدامات غير مرغوبة، وتغييب القدرة على الحوار بما يفتح الباب لمزيد من التوتر، وتكبر كرات النار لتصبح لهبا وخطرا.
وإذا كان هناك من يطرح فكرة أن حصار النقابة هو لمنع ركوب الأحداث من جهات أو اتجاهات أخرى فإن التصرفات غير المسؤولة هى التى تفتح الباب لكل المغامرين والمدعين لركوب الحدث، والإجراءات الغشيمة هى التى تضاعف التعقيد، ويمكن أن تخلق تحالفات وتكتلات، بين أطراف متناقضة. قلنا مرات عديدة إن العقل والمنطق وحسن إدارة الأزمات هو ما يمنع اتساعها وتعقيدات المشهد.
وأن المبالغة والغرور هى ما تؤدى لتضخيم الأوضاع ونتائج غير مرغوبة ولا حتى متوقعة. والحديث عن الدولة والمصالح العامة لا يتم بكبت الحريات، والمبالغة فى ردود الأفعال وتضخيمها تقود إلى صدامات، ولا يمكن حل الأزمات بالتوسع فى حظر النشر، ولا بحجب المعلومات ومنع المعرفة عن المجتمع لأن هذا هو ما يفتح الباب للشائعات.
الصحفيون لا يدافعون عن أنفسهم بل على حق المجتمع فى المعرفة، والقول بأن الصحفيين على رأسهم ريشة مبالغة، لأن القانون يحكم الجميع. الصحفيون يتوحدون فى الأزمات ويمكنهم إدارة خلافاتهم.
وهذا يتم بالحوار وليس بالتضييق، والإجراءات الغشيمة، والساخنة التى تدفع نحو الصدام والتصعيد. هناك دائما فرصة لامتصاص التوترات، قبل أن تتحول إلى صدامات.