"معصرة بكور للزيوت" بإسنا تتحول لتحفة أثرية.. عمرها 210 سنة وتنتج زيوت السمسم وحبة البركة والخس والجرجير.. تعمل بحجر جرانيت يزن 500 كيلو تجره بقرة.. ومفتش آثار إسنا: بنيت أيام محمد على باشا وأصبحت مزا
رصد "انفراد" فى جولة داخل معصرة زيوت إسنا التاريخية اليدوية، التحول الكبير للمعصرة، حيث أعاد مشروع اكتشاف أصول إسنا التراثية بالتعاون بين وزارة السياحة والآثار، والجانب الأمريكي، التاريخ والسحر والجمال لـ"معصرة بكور للزيوت" التى تعتبر أقدم معصرة زيوت يدوية فى الأقصر ويعود تاريخها لأكثر من 210 سنة مضت، حيث تحولت المعصرة الواقعة على بعد 100 متر من معبد خنوم بمدينة إسنا جراء التطوير لتحفة تراثية مميزة، تجذب الضيوف والسائحين من حول العالم.
وكان مبنى معصرة الزيوت اليدوية بمدينة إسنا، عبارة عن جدران قديمة ومبنى مكون من غرفتين تم بناؤه بالطوب اللبن ، وكان يتوافد عليه الزبائن طوال النهار لشراء الزيوت المميزة التى تم إنتاجها داخل المعصرة التاريخية بالمدينة، ومؤخراً بالكاد تعمل المعصرة لأيام معدودة فى الشهر وتتوقف فترة لقلة الحبوب والبذور التى يتم طحنها واستخراج الزيوت منها لقلة الإقبال من الأهالى على الشراء وتهالك معداتها، لكن عادت للحياة من جديد بعد خطط التطوير التى حصلت عليها بدعم مشروع إكتشاف أصول إسنا التراثية المميز.
وفى هذا الصدد يقول عزت بكور ابن صاحب معصرة زيوت بكرة بمدينة إسنا، والتى تعتبر أقدم معصرة يدوية فى جنوب الأقصر، أنها كانت عبارة عن حجر ضخم يعصر الغلال لإنتاج الزيوت المختلفة، ويقوم الجمل بالدوران بالحجر والعصا لطحن الغلال لتنتج العجينة النهائية قبل دخولها مرحلة العصر، موضحاً أن أول عصر وطحن للغلال تبدأ بعد الفجر مباشرة حتى الساعة العاشرة صباحاً، حيث يقوم شخص بقيادة الجمل أو البقرة حسب الماشية المتوفرة لتحريكه فى حركات دائرية لإتمام العصر للغلال حتى وصولها لمرحلة العجينة، وبعد العصر تدخل العجينة لمرحلة المكبس، و يوضع داخله "براش" عبارة عن عقد دائرية لحبال بأشكال مختلفة معينة يتم وضعها بطريقة فنية داخل المكبس لكى تخرج العجينة زيتها والشكل النهائى للزيوت التى تقدم للتجار لبيعها للمواطنين.
وأضاف عزت بكور لـ"انفراد"، أن تلك المعصرة لها تاريخ كبير يعود لعشرات السنين، وفى مرحلة الكبس يتم الضغط على المكبس عبر عصا كبيرة وأسفله "البراش" لعصر العجين لانتاج الزيوت، حيث تسقط على حجر كبير مفرغ بشكل يخرج الزيت لبئر أسفل المكبس لتجميع الزيوت داخله، موضحاً أنه من خيرات المكان أن الجيران كانوا يتجمعون خلال الوصول لمرحلة الكبس للعجينة للحصول على بركة الزيت من أجداده قبل تعبئتها فى أوانى معينة لبيعها للتجار بأسعار فى متناول الجميع، موضحاً أنه توجد بالمعصرة لديهم أوانى ضخمة منحوتة بطرقة فنية لتجميع الزيوت داخلها لتأخذ كل كمية دورتها قبل مرحلة التصفية والبيع النهائي، قائلاً:- "تاريخ معصرة بكور وعائلة بكور فى مدينة إسنا أكبر من تاريخ دول كثيرة فى العالم فهى واحدة من أقدم معاصر مصر وأقدمها حالياً بعد إندثار العصر اليدوى للزيوت بشتى أرجاء مصر".
فيما قال الحاج ناصر بكور، البالغ من العمر 91 سنة صاحب أقدم معصرة للزيوت فى الأقصر لـ"انفراد"، إن أرض معصرة الزيوت بشارع الثورة بمدينة إسنا تعود لمالكها "مجلع متى تاضرس" واستأجرها منه جده "عبد الرضى أحمد بكور" فى السبعينات، وبعد وفاته انتقلت إلى أبنائه ثم أحفاده، وكان يديرها قبل تطويرها حيث كانت توقظه حفيدته "إيمان على محمد عبد الراضى" 13 سنة بعد الفجر يومياً لتجميع الكميات اللازمة لتشغيل المعصرة على فترات والكسب من خيرها والحصول على الرزق الحلال للأسرة بأكملها، ولكنه تعرض لحادث مؤخراً أدى لبعده عن المعصرة لحين الشفاء والتعافى من كسر فى القدم.
وأضاف صاحب أقدم معصرة يدوية فى الأقصر، أن المعصرة تخرج أجود أنواع الزيوت التى لا تستطيع أن تضاهى قوتها الزيوت الحديثة فى الأسواق المصنعة بالماكينات وخلافه، مؤكداً أن الزيوت التى تخرج منها كزيت السمسم وزيت حبة البركة وخلافه تعالج عدة أمراض ومنها "السكر والضغط والقاولون والفوتة وغيرها من الأمراضى السارية بين المواطنين"، مؤكداً أن المعصرة ترخيصها من محافظة قنا قبل انفصال الأقصر عنها ويعود تاريخ ترخيصها لأكثر من 210 سنة مضت.
وعن خطوات عمل المعصرة التاريخية بمدينة إسنا، قال صاحب المعصرة الحاج ناصر بكور، إنه يتم وضع الغلة بكمية 50 كيلو تحت حجر الجرانيت فى منطقة الطحين التى توجد بها حجر دائرة وذراع خشبى طويل تجره بقرة فى شكل حلزونى حتى يتم هرس الغلة، وذلك لمدة لا تقل عن 6 ساعات بمئات اللفات، ويتم وضعها فى كميات من إناء الخوص حوالى 12 عبوة، وتنتقل فيما بعد إلى الغرفة الثانية التى توجد داخلها العصارة فهى عبارة عن حجر جرانيت يضغط بقوة حتى يخرج الطحين الزيوت المختلفة وتوضع فى أوانى مجهزة لذلك بعد تصفيتها بمجرى صغير، قائلاً: "كل 50 كيلو طحين تخرج حوالى 20 كيلو زيوت نقية من الشوائب تماماً، وهى كمية تحتاج لأسبوع على الأقل ببيعها للمحلات والأهالى والجيران الذين يحجزونها كل فترة تعمل فيها المعصرة".
وعن تاريخ معصرة بكور للزيوت وأهميتها التراثية والتاريخية، يقول عمر فخرى، مفتش الآثار الإسلامية والقبطية بقطاع آثار إسنا، إن المعصرة تعد من التراث التاريخى بمحافظة الأقصر، حيث بنيت منذ أكثر من 200 سنة وفى فترة ولاية محمد على باشا وأسرته حكم مصر، موضحاً أن المعصرة تتكون من واجهة وحجرتين كبيرتين، الأولى منها تضم حجر جرانيتى بوزن 500 كيلو جرام دائرى الشكل به ذراع عبارة عن عصا خشبية كبيرة، يتم وضع الغلال والبذور أسفل الحجر الضخم، ويتم طحنها بواسطة بقرة تقوم بالدوران فى لفات معينة لفترة لا تقل عن 6 ساعات لطحن الحبوب والبذور تماماً لتكون صالحة للاستخراج الزيوت منها، وذلك بصورة تجعلها مناسبة لدخول الحجرة الثانية.
وأضاف مفتش آثار إسنا وأرمنت لـ"انفراد"، أن الغرفة الثانية تسمى "بيت الزيت" وهى التى يتم داخلها استخلاص الزيت عن طرق آلة يدوية تتكون من قوائم وعوارض من الخشب المتين المقلوظ، وتوضع أعلاها كمية الطحين ويتم ضغطها بشدة للقرص على الحبال الموضوعة داخلها لكى تنتج الزيوت المصفاة وبها مجرى يقوم بتصفية الزيت من الشوائب تماماً.
وأكد عمر فخرى، أن معصرة الزيوت التاريخية بالأقصر دخلت فى مشروع إعادة اكتشاف الأصول التراثية والثقافية بمدينه إسنا، الذى يهدف إلى إطلاق إمكانات التراث الثقافى المتنوع للمدينة، بما يمهد لإعادة إحياء تلك المنطقة بصورة مستدامة ووضع المدينة بما تشكله من معالم تراثية متميزة على الخريطة السياحية بمصر، حيث تم ذلك من خلال الحفاظ على عدد من المواقع التراثية بمركز المدينة، ووضع خطط إدارة ملائمة لتلك المواقع، وتوثيق وترويج التراث الثقافى للمدينة ورفع الوعى به، بالإضافة إلى تحسين العوائد الاقتصادية لسكان المنطقة من خلال أنشطة التنمية السياحية وتحسين فرص العمل فى هذا المجال، موضحاً أم المعصرة بعد تطويرها أصبحت مزار سياحى هام ويزورها السياح لمشاهدة التراث داخلها فى إنتاج الزيوت المميزة، حيث أن زيوت الخس التى تخرجها المعصرة لها فوائد كثيرة للغاية فهى غنية بالحديد والفسفور والكالسيوم والنحاس واليود وخلافه من المواد التى تساعد فى العلاج وتهدئة الأعصاب وعلاج السكر وآلام المرضى المختلفة، وهو مقوى عام يسعد فى تقوية عضلة القلب وتقوية الأعصاب.