"البلكونة ملكك أم ملك للجار؟".. سؤال يتبادر على الأذهان خلال الفترة الحالية خاصة بعد واقعة السيدة الأوكرانية الصادر بحقها قراراَ من النيابة العامة بإخلاء سبيلها بعد تصالحها مع الجيران، وذلك على خلفية اتهامها بالظهور – مرتدية الملابس الداخلية – في شرفة "بلكونة" شقتها بالتجمع الخامس، ما أدى إلى توجيه اتهام الفعل الفاضح وخدش الحياء، إلا أنها أكدت في تحقيقات النيابة أنها لديها "جهل بالقانون المصري" ولا تعلم أن الأمر مُجرم في مصر بينما في بلدها مثل هذه الأمور طالما داخل نطاق الشقة فهي ليست مجرمة.
تلك الواقعة تناولها الحقوقيون والدستوريون من ناحية تجريم ارتكاب الفعل من عدمه، وهل هو فعل فاضح وخادش للحياء أم أنها جريمة فسق وفجور، ولكن الذي لم يصل إلى أذهان الكثيرين هو أن بطل الحكاية "البلكونة" هل هي ملكك أم ملك للجار؟ والامتلاك هنا ليس امتلاكاَ من الناحية المادية ولكن من ناحية القانون المدني، فحينما كنا صغاراَ كان الأب أو الأم يزجران الابن - الشاب - حال خروجه في بلكونة الشقة بالملابس الداخلية، لعدم جرح مشاعر زوجة الجار أو ابنته، ويرددان مقولة: "البلكونة ملك الجار مش ملكك"، فما مدى صحة هذه المقولة من ناحية القانون المدني؟ وهل ارتداء البكيني في نطاق الشقة يختلف عن ارتدائه على الشاطئ من الناحية القانونية؟
هل "البلكونة" ملكك أم ملك الجار؟
في التقرير التالي، يلقى "برلماني" الضوء على إشكالية في غاية الأهمية تهم ملايين المواطنين تتمثل في الإجابة على السؤالين، هل البلكونة ملكك أم ملك الجار من ناحية القانون المدني؟ وهل ارتداء البكيني في نطاق الشقة يختلف عن ارتدائه على الشاطئ من الناحية القانونية؟ خاصة وأننا في أيام الصيف ومع ارتفاع درجات الحرارة، يستغل معظم المواطنين المساحة الخاصة بمنزلهم "البلكونة" للتخفيف من حرارة الجو والظهور بها شبه عرايا، باعتبار أنها ملك خاص لهم، إلا أن الكثير لا يعلم أم مثل تلك الأفعال قد تقع بهم تحت طائلة القانون، وذلك طبقا للقانون الجنائى وليس المدنى، حيث تنص المادة "278" من قانون العقوبات تنص على: "كل من فعل علانية فعلاً فاضحًا مخلاً بالحياء يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر، وغرامة لا تقل عن 3 آلاف جنيه ولا تزيد على 5 آلاف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين".
من جانبه – يقول الخبير القانوني والمحامي سامى البوادى – أن هناك قيود حق الملكية في القانون المدني والاستخدام الذى يشكل وقائع معاقب عليها في قانون العقوبات وبشكل عام كل القيود الواردة على حق الملكية في التشريعات، فيما يرى العديد من القانونيون أن الشرفة أو "البلكونة" من ملحقات الشقة والتصوير في تلك الحالة جريمة يعاقب عليها القانون للتعدي علي حرمة الغير بخلاف الشاطئ فهو ملكية عامة إلا أن كان مكان عام بالتخصيص، وذلك لأن القانون نص على أن هناك بعض الملحقات تخص المسكن مثل الجراج الخاص والمناور الخاصة والشرفة وحديقة المنزل الخاصة كلها ملحقات المسكن التي يتطلب تفتيشها إذن من النيابة العامة.
رأى القانون المدنى في المطلات والنوافذ والشرفات
وبحسب "البوادى" في تصريح لـ"برلمانى" – فيما يرى آخرين من الفقهاء أن اي مكان يسهل رؤية من به دون تلصص أو مراقبة هو ينطبق عليه أحكام الطريق العام فيما يخدش الحياء، أما طبقا للمدني فالمطلات من النوافذ والشرفات طالما في غير الحوائط المشتركة هي ملك لك في حدود حقوق الغير وطبقا للمسافات التي حددتها المواد، و"البلكونة" وفقا لأحكام القانون المدني ليست حق ملكية، ولكن حق انتفاع ينظمه ما يسمي بـ"الارتفاق" وهو معناه في اللغة "الاتكاء"، ويحكم ذلك كله مراعاة حرمة الغير أما من الناحية الجنائية، فالقانون الجنائي يعتد بالحيازة والسيطرة الفعلية حتي ولو لم يكن هناك حق ملكية أو انتفاع أو هناك سند قانوني لها، ولذلك ليس من شروط جرائم الفعل الفاضح وخدش الحياء أين وقع الفعل، ولكن كيف وقع الفعل من أركان الجريمة الثلاثة وهي فعل فاضح طبقا لقيم المجتمع والعلانية وإرادة ارتكاب الجريمة.
وفى هذا الإطار سنتناول مسألة "المطلات" من نوافذ وشبابيك وشرفات والتي تمثل فتحات تمكن من إدخال الهواء والنور والنظر إلى الخارج، وهي نوعين الكلام لـ"البوادى":
1- مطلات مواجهة: هي التي تسمح بالنظر إلى ملك الجار مباشرة.
2- مطلات منحرفة: وهي التي لا تسمح بالنظر إلى ملك الجار إلا بالالتفات إلى اليمين أو الشمال أو بالانحناء إلى الخارج، وأبرزها الشرفات وهي نتوءات "بروز" في البناء معدة للنظر منها إلى الخارج، وذلك بخلاف المناور والتي تعرف بأنها الفتحات التي لا يقصد منها إدخال الهواء بل نفاذ النور دون استطاعة الإطلال منها على العقار المجاور.
ولقد قضت المادة 970 من القانون المدني أنه:
1 ـ لا يجوز لمالك عقار أن يكون له مطل مستقيم أو نوافذ أو شرفات أو سوى ذلك من النتوءات على أرض مسورة أو غير مسورة للمالك المجاور ما لم يكن بين الحائط الذي يحدث فيه هذا المطل أو هذه الشرفات وبين تلك الأراضي مسافة مترين.
2 ـ وإذا لم تكن هذه المسافة موجودة، فلا يجوز فتح النوافذ أو الشبابيك إلا على علو مترين ونصف من أرض الغرفة المراد إضاءتها إذا كان الطابق أرضياً وعلى علو متر وتسعين سنتمتراً من أرض الغرفة إذا كان الطابق علوياً.
كيفية حساب مسافة المطل أو الشبابيك
أما المادة "971"، فتجري على أنه: "لا يجوز لصاحب عقار أن يكون له مطل جانبي أو منحرف على أرض مسورة أو غير مسورة للمالك المجاور، ما لم يكن بين الحائط المحدث فيه المطل وبين الأرض المذكورة مسافة نصف متر، وطريقة حساب المسافة عينتها المادة 973 إذ نصت على: "تحسب المسافة المعينة في المادتين 970 و971 ابتداء من ظاهر الحائط الخارجي حيث تكون النوافذ، أما بشأن الشرفات وما سواها من النتوءات، فابتداء من خطها الخارجي حتى الخط الفاصل بين العقارين"، وهناك استثناءات من مبدأ التقيد بالمسافات نصت المادة 972 على: لا يسري المنع الوارد في المادتين 970 و971 على الأسطحة وعلى النوافذ المفتوحة على الطرقات العامة.
المقرر قانوناَ بنص المادة 806 من القانون سالف البيان أنه: "على المالك أن يراعى في استعمال حقه ما تقضى به القوانين والمراسيم واللوائح المتعلقة بالمصلحة العامة أو بالمصلحة الخاصة وعليه أيضاَ مراعاة الأحكام الأتية:
1- على المالك ألا يغلو في استعمال حقه إلى حد يضر بملك الجار.
2- وليس للجار أن يرجع على جاره في مضار الجوار المألوفة التي لا يمكن تجنبها، وإنما له أن يطلب إزالة هذه المضار إذا تجاوزت الحد المألوف على أن يراعى في ذلك العرف وطبيعة العقارات وموقع كل منهما بالنسبة إلى الأخر، والغرض الذي خصصت له، ولا يحول الترخيص الصادر من الجهات المختصة دون استعمال هذا الحق.
رأى محكمة النقض في نص المادة 806
كما أن محكمة النقض لها قضاء مستقر في هذا الشأن بأن مؤدى نص المادة "806" من القانون المدني أن حق الملكية ليس حقًا مطلقا، وأن المالك في استعماله إيّاه يجب أن يعمل في حدود القوانين واللوائح، فإذا أخلّ بأي التزامٍ فرضته عليه هذه القوانين واللوائح، كان الإخلال بهذا الالتزام خطأً يستوجب المسؤولية التقصيرية، ومن ثم فإن الجار الذى يخالف القيود القانونية، يرتكب خطأ، فإذا ترتب على خطئه هذا ضرر للجار، فإنه يلتزم بتعويض الجار عن هذا الضرر مهما كان ضئيلًا، ويستوى في ذلك أن يكون الضرر ماديًّا أصاب الجار في مصلحة ماليّة، أو أدبيًّا أصاب الجار في معنوياته، ومنها: شعوره بالاعتداء على حق له.
وأما عن الفعل الفاضح
الفعل الفاضح العلني يتطلب بالإضافة إلى توافر الفعل الفاضح المخل بالحياء توافر عنصري العلانية والقصد الجنائي، والعلانية في جريمة الفعل الفاضح العلني، فلم تحدد المادة 278 من قانون العقوبات المقصود بها في جريمة الفعل الفاضح العلني، ولم تحل هذه المادة إلى نص المادة 171 من قانون العقوبات والتي عنيت ببيان طرق العلانية في جرائم النشر، ومؤدى ذلك أن العلانية ليست واحدة في الطائفتين من الجرائم، والعلانية هي الجهر بالشيء أو إظهاره، أي إحاطة الناس علما به، وقد استقر الفقه والقضاء على أن العلانية تتحقق في جريمة الفعل الفاضح العلني إذا شاهد الغير فعل الجاني أو كان في استطاعته مشاهدته، وتكون العلانية في هذه الحالة الأخيرة علانية حكمية تعادل العلانية الفعلية.
عقوبة جريمة الفعل الفاضح العلني
والركن المعنوي لجريمة الفعل الفاضح العلني يأخذ صورة القصد الجنائي، ويتحقق ذلك باتجاه إرادة الجاني إلى ارتكاب الفعل المكون للجريمة علنا عالما بأن من شأنه أن يخدش الحياء، أما عقوبة جريمة الفعل الفاضح العلني فقد نصت المادة 278 من قانون العقوبات على: "عقاب الفعل الفاضح العلني بالحبس مدة لا تزيد على سنة أو بغرامة لا تتجاوز 300 جنيه مصري"، وعلانية الفعل معناها أن يشاهد الفعل أحد من الناس أو يسمعه إذا كان السمع يدل على مادة الفعل أو أن يكون من شأن الفعل بالكيفية التي وقع بها أن يراه أو يسمعه الغير ولو لم يرَ أو يسمع، أي ما كان المكان الذي تم فيه هذا الفعل الذي خدش الحياء طالما كان الفاعل يقصد بفعله هذا فعلا خدش الحياء، أما إذا كان القصد غير متوافر وكذلك المكان مستتر بفعل المسافة وتعمد الشاكي التلصص ومراقبة الفاعل لما يفعله، فلا يتحقق هنا الفعل الفاضح بطريق عام –هكذا يقول "البوادى".
هل يعتبر ارتداء "البكيني" فعل فاضح ويخدش الحياء العام للمجتمع؟
عندما نتحدّث عن ارتداء المايوه البكيني من كونه لباس الخادش للحياء العام أم لا، يجب أن نذكر هنا أن الاعتداء المزمع هنا يقع على الحياء العام المقيد بعرف البلاد، إذ يعد العرف ذا تأثير كبير في توصيف هذا الفعل الفاضح، فمثلا تبادل القبل في الأماكن العامة جريمة لخدش الحياء العام، وفعل فاضح تتوافر به أركان الجريمة، فيعاقب الجاني لكونه يعلم بأعراف البلاد، ومع ذلك اتجهت ارادته الى الظهور في الأماكن العامة بهذا الشكل، أما ارتداء الشورت القصير وملابس السباحة الخادش للحياء في الشواطئ وفي حمامات السباحة أمر مباح ولا يمس الحياء العام بشيء، فالقاعدة العامة القانونية للفعل الفاضح تجرّم ما يخدش الحياء العام في الأماكن العامة وفق ما تواتر عليه العرف واستقر لذا يجرنا الى السؤال الثاني: هل البلكونة يعد مكانا خاصا أم عاما؟ قبل الخوض بالإجابة علينا أن نعلم أن لكل مجتمع أفكاره وأعرافه وعاداته الخاصة الذي لا يسمح بأن يتعارض مع قانون الدولة.
والبلكونة تخضع لقاعدتين؛ الأولى الأماكن الخاصة، فهي ضمن منزل خاص وانتهاكها أو التعدي عليها يقع ضمن التعدي علي ممتلكات الغير فتعد بهذا ذات خصوصية لا يجوز التعدي عليها، والثانية كونها مرئية للغير إذا كانت المسافات تسمح بذلك فتعد من الأماكن العامة بالتخصيص التي تتيح لجميع الجيران القريبة من رؤية ما يجري بها فتعد من الأماكن العامة التي يجرم كلا الجنسين من لبس الملابس الخادشة للحياء العام، وختاماً، يرى الفقه أنه لا يلزم أن يكون الفعل مخلا بحياء كل الناس، ولكن يكفي أن يجرح عاطفة الحياء عند بعضهم طالما تعمد المتهم وكان قصده منصب علي ذلك.
هل يتحقق الفعل الفاضح داخل الشقة والنافذة مفتوحة؟
وفى سياق أخر – يقول المستشار عمر السمنى، نائب رئيس مجلس الدولة، أن الفعل الفاضح هو أي تصرف يخدش الحياء العام، والمادة "278" من قانون العقوبات تنص على: "كل من فعل علانية فعلاً فاضحًا مخلاً بالحياء يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر، وغرامة لا تقل عن 3 آلاف جنيه ولا تزيد على خمسة آلاف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين"، كما تعاقب المادة ذاتها: "كل من تعرض للغير فى مكان عام أو خاص أو مطروق بإتيان أمور أو إيحاءات أو تلميحات جنسية أو إباحية سواء بالإشارة أو بالقول أو بالفعل بأية وسيلة، بما فى ذلك وسائل الاتصالات السلكية أو اللاسلكية يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة وبغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولا تزيد على عشرة آلاف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين إذا تكرر الفعل من الجانى من خلال الملاحقة والتتبع للمجنى عليه، وفى حالة العود تضاعف عقوبتا الحبس والغرامة فى حديهما الأدنى والأقصى.
ويضيف "السمنى" في تصريح لـ"برلماني": ولا تقوم جريمة الفعل الفاضح العلني وفقًا لنص المادة 278 من قانون العقوبات إلا بتوافر أركان ثلاثة؛ الأول فعل مادى يخدش فى المرء حياء العين أو الأذن، سواء وقع الفعل على جسم الغير أو أوقعه الجانى على نفسه، والثانى العلانية ولا يشترط لتوافرها أن يشاهد الغير عمل الجانى فعلاً، بل يكفى أن تكون المشاهدة محتملة، أما الثالث فهو القصد الجنائى، وهو تعمد الجانى إتيان الفعل، والفعل الفاضح يتم فى أى مكان بإمكان المارة رؤيته كأن يكون فى السيارة أو الشارع أو المترو أو وسيلة مواصلات عامة، أو حتى فى المنزل ونافذته مفتوحة، ومن أبرز هذه الأفعال التى تعرضك للحبس الخروج عاريًا فى بلكونة منزلك، فنجد الكثير من المواطنين يخرجون فى شرفات منازلهم عرايا، ظنًا منهم أنها جزء من الخصوصية، وخاصة فى الطقس شديد الحرارة.
الأفعال التى تعتبر فعلاً فاضحًا
"السمنى" كشف عن الأماكن التي تتحقق فيها جريمة الفعل الفاضح وخدش الحياء مؤكداَ أن من ضمن الأفعال التى ترها بشكل يومى فى الشوارع والميادين العامة قضاء الحاجة، وهي من الأفعال التى تخدش الحياء العام ويصر البعض على إتيانها، وكذلك استخدام إشارات بذيئة وهي من الأفعال التى تنتشر بين جميع أفراد المجتمع، ولا فرق بين رجل أو أنثى فى الإتيان بها، حيث نجد بعض الفتيات والسيدات لا يستحين من استخدام هذه الإشارات البذيئة على سبيل المداعبة والهزار، ومن ضمن الأفعال التى تعتبر فعلاً فاضحًا هو إبراز جزء من جسدك حساس مثل خلع البنطلون، فيما تأتى القبلات الساخنة التى يتخطفها بعض الشباب والفتيات المراهقين فى الشوارع ومحطات المترو والمطارات والموانى من ضمن الأفعال التي يعاقب عليها القانون، بتهمة الفعل الفاضح، ومن أبرز هذه الأفعال التى تعرضك للحبس الخروج عاريًا فى بلكونة منزلك، فنجد الكثير من المواطنين يخرجون فى شرفات منازلهم عرايا، ظنًا منهم أنها جزء من الخصوصية، وخاصة فى الطقس شديد الحرارة، وبذلك تعتبر "البلكونة" خارج إطار المنزل، ومن ذلك يجب احترام قدسيتها لاعتبارها مكانًا عامًا، وارتكاب أي خطأ يعد جُرمًا يعاقب عليه القانون فوقوف المرء داخل البلكونة عاريًا يعد جريمة تحمل الفعل الفاضح داخل المكان العام.