في الواقع 99% من الدراسات الاستطلاعية والأبحاث، وكذا الأعمال الدرامية والسينمائية تتحدث في ظاهرة التحرش عن "تحرش الرجال بالنساء"، ورغم كونها حقيقة لا يمكن إغفالها بأن معظم الوقائع تقع من الرجل على المرأة، لأن هذا محل تصديق للجميع في المجتمعات العربية والإسلامية خاصة، إلا أن حكاية "تحرش المرأة بالرجل" ربما يراها البعض دربًا من الخيال في ظل مجتمع لا يعرف سوى التحرش بالنساء.
في التقرير التالي، يلقى "برلماني" الضوء على إشكالية في غاية الأهمية تتعلق بكيفية تصدى القانون المصرى لمسألة "تحرش المرأة بالرجل" دون أن يقف عند الرجل كما هو المعتاد، حيث أصدر المشرع المصرى تشريعا يجرم هذا الفعل سواء كان – رجل أو أنثى - بذل فيه قصارى جهده للقضاء عليه، محددا في هذا التشريع بداية ما يعتبره تحرشا جنسيا ثم قرر مقاومته عن طريق معاقبة من يقدم على ارتكاب أي تصرف من التصرفات التي اعتبرها تحرشا جنسيا لعل هذه العقوبة تشكل حائلا بين الأفراد وبين هذه التصرفات، فمتنعهم من الإقدام عليها من البداية – بحسب الخبير القانوني والمحامية فاطمة العياط.
في البداية - مازال حتى الآن الحال هو الحال، فالمجتمع يستكثر أن يكون الرجل فريسة للتحرش النسائي، وغالبا ما يفسر الرجل ذلك بأنه نوع من إعجاب المرأة المتحرشة به وبرجولته، بسبب كل هذا فإننا لا نسمع كثيرا عن تحرش النساء بالرجال بالرغم من وجوده الفعلي سواء في صوره المباشرة أو غير المباشرة، حيث إن التحرش هو التعدي أو التعرض من أجل الحصول على منفعة جنسية وقد يكون بالقول أو الفعل، وقد تم تعديل قانون العقوبات المصري في المادة 306 من قانون العقوبات حتى يتم تغليظ العقوبة على المتحرش، فقد قضت المادة 306 "فقرة أ": "يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنتين ولا تجاوز 4 سنوات وبغرامة لا تقل عن 200 ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من تعرض (للغير) في مكان عام أو خاص أو مطروق بإتيان أمور أو إيحاءات أو تلميحات جنسية أو إباحية سواء بالإشارة أو بالقول أو بالفعل أو بأية وسيلة بما في ذلك وسائل الاتصالات السلكية واللاسلكية الإلكترونية أو وسيلة تقنية أخري – وفقا لـ"العياط".
المشرع ذكر كلمة "الغير" في عقوبة التحرش
وفى هذا الإطار - نريد الوقوف أمام هذه المادة في "كل من تعرض للغير" ولم يقل المشرع كل من يتعرض إلى أنثى بل قال من "الغير" ليكن السؤال أسباب وكيفية نص المشرع في التجريم الخاص بالتحرش على كلمة الغير ولم يستبدلها بأنثى؟ لتكن الإجابة التي ذكرناها من قبل، ولأننا في هذا الوقت مع الأسف الشديد نجد أن ليس الرجل فقط بالمتحرش، بل صارت النساء كذلك، ونجد أن بعض الفتيات صارت تتجرأ على معاكسة الشاب، بل وتلقي عليهم العبارات غير المسموح بها في مجتمع، مما يدل على أنها متحرشة، وتلك النماذج موجودة بالمجتمع فعليا وليست من وحيا أو دربا من الخيال أو الابتكار – الكلام لـ"العياط".
إلا أن مثل هذه الأفعال تصدى لها المشرع المصري فلم يفرق بين رجل أو أنثى في التشريع حتى لا يكون هناك تمييزا ولإنزال القانون على الواقع المعاش في المجتمعات، وهنا تأتى حزمة من الأسئلة.. ماذا عن عقوبة هؤلاء النساء المتحرشة؟ وما دور القانون في ذلك؟ وهل حقا القانون يطبق على الرجال فقط أم على النساء أيضاً؟ وهل عندما سن المشرع قانون العقوبات وذكر كلمة "الغير" وليست كلمة "أنثي" هل كانت مقصودة حقا لتجريم الفعل على الجنسين أم سقطت عنه واهية وغير مقصودة؟ وغير من التساؤلات.
القانون لم يميز بين ذكر وأنثى في العقوبة
تقول الخبير القانوني: المشرع لم يخطئ لأن الجرم يعاقب عليه سواء كان من إمرأة أم من رجل، ولا مجال للتفرقة في ظل تطبيق القانون هدفه الرئيسي هو القضاء علي هذه الظاهرة الشاذة وحماية الأعراض، لذلك نرى أنه لابد من تطبيق العقوبة المنصوص عليها جنائيا علي النساء إذا ثبت أنها متحرشة.