التاريخ الإسلامي شهد على عديدين ممن ادعوا النبوة حتى في حياة الرسول، صلى الله عليه وسلم، كمسيلمة الكذاب في اليمامة والأسود العنسي في اليمن، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد فقد ازدادت الحالات في العهدين، الأموي والعباسي، وإن تلبست أحياناً طابعاً سياسياً فظهر طلحة بن خويلد وجندب بن كلثوم وحنظلة بن يزيد الكوفي والحارِث الدمشقى، وبابك الخُرمى وغيرهم، كل هذه الوقائع جعلت بعض الخلفاء يسأمون من كثرتهم فكانوا يأمرون عمالهم بقتلهم بلا محاكمة.
وفى الساعات الأخيرة – ظهر نشأت مجد النور رجل مجهول وبجانبه سيدة خرجا ليثيرا حالة من الجدل بين المواطنين عبر مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، وذلك بعدما ادعى النبوة من خلال مقطع فيديو قصير جاب الدول العربية أجمع، حيث أشعل نشأت مجد النور شرارة الغضب بين المواطنين بسبب حديثه الغير متزن ومزاعمه بادعاء النبوة لإنقاذ البشر، موجهًا عدة رسائل مختلفة للمواطنين، فقد ظهر نشأت مجد النور الرجل اللبناني، حاملًا عصا يزعم أنها تشفي المرضى، ورسم على جبهته أشكال غير مفهومة، حيث بدأ يهدد جميع المصريين الذين سخروا منه ليحل عليهم زلزال قبرص، ودون على الجروب مقولة: "ممنوع دخول المصريين".
أشهر 5 شخصيات أدعوا النبوة في العصر الحديث
والغريب والعجيب أن ظاهرة ادعاء النبوة لم تتوقف حتى في عصرنا الحديث الذي يزخر بحالات عجيبة من مدعي ومدعيات النبوة أو من مدعى أنهم المهدى المنتظر، منهم أناسٌ عاديون، وربات بيوت، ومعلمات، وأساتذة جامعات، وعاطلون عن العمل، ممن زعموا تنزّل الوحي عليهم بدافع الجنون والطمع وحب الشهرة والسلطة، ونجحوا في فتنة الكثيرين، وذلك في الوقت الذي تطالب أطراف وجهات عدة المجتمع الدولي بتبني قانون أممي لتجريم ازدراء الأديان، يطالب المجتمع الدولي الدول العربية والإسلامية بتعديل مواد تجريم ازدراء الأديان وإيقاف إساءة استخدامها لقمع الأفكار والآراء، وذلك بحجة أن هناك العديد من قوانين تجريم ازدراء الأديان في العالم العربي تتيح بصياغتها الفضفاضة امكانية استخدامها لقمع الحريات، ولكن هبل التطرق لتلك الإشكالية، فمن هم أشهر مدعى النبوة في العصر الحديث؟
في التقرير التالي، يلقى "برلماني" الضوء على أشهر من أدعوا النبوة في العصر الحديث، وهل تصدى القانون لمثل هذه الوقائع؟ وهل تدخل تلك الوقائع ضمن جريمة إذراء الأديان؟ وهل هناك ظرف مشدد لتلك الجريمة؟ وهل هناك عقوبة لازدراء الأديان في التشريعات العربية؟ فضلاَ عن الجانب النفسي المدعي النبوة، وذلك بعد أن ظهرت في الفترة الأخيرة في مصر مجموعة من مدعى النبوة أنكروا صحيح الدين وأسقطوا عن الناس التكاليف وعملوا على استقطاب الأتباع، البعض منهم دفعه مرضه النفسي إلى ذلك وآخرون لتحقيق أهداف دنيوية، حيث يختلف البعض حول ظهور مثل تلك الإشكاليات التي تطفو على السطح من وقت لأخر هل هي لمصالح شخصية أم سياسية في بعض الدول مثل لبنان.
في البداية - قال الرسول صلى الله عليه وسلم فى ذلك الامر: "إنه سيكون فى أمتي كذابون ثلاثون كلهم يزعم أنه نبى، وأنا خاتم النبيين لا نبى بعدي"، رواه أبو داود والترمذى وغيرهما، وفى الحقيقة الأنبياء والرسل اختارهم الله لهداية الناس إلى عبادته وتعليمهم أصول الدين الصحيح ودعوتهم إلى الأخلاق والفضيلة، وعلى مر التاريخ ظهر مجموعة من ضعاف النفوس ادعوا النبوة وأمروا الناس باتباعهم بل ذهب البعض لأبعد من ذلك فادعوا الألوهية كـ"المقنع الخرسانى"، الذى عاش فى صدر الدولة العباسية وأمر الناس بالسجود إليه إلى أن تمكنت الدولة من القضاء عليه.
سيدة مصرية تدعى النبوة
حين كان عمرها 42 عاماً، ادعت المصرية منال مناع النبوة، وأن الرسول محمد، عليه الصلاة والسلام، هو من بشرها بذلك، ثم زعمت ربة المنزل ذات الخمسة أبناء، أن بيتها قبلة للصلاة وللأولياء وكان سبقها إلى هذا الدجل عمّها عمر حسانين الذي ادعى النبوة ومات في السجن بعد اعتقاله، مدعية أنه يؤدي مناسك الحج عن أتباعها بالنيابة فأسقطت عنهم هذه الفريضة.
منال مناع
ورغم حياتها الشخصية العادية، فإن مناع بقيت على دعوتها هذه مدة 9 سنوات، تدعي خلالها أن الملائكة وآل البيت يظهرون لها في حلقاتها، وكانت تعتزل في يومي الخميس والجمعة من كل أسبوع، من أجل ما تسميه بالمشاهدات، التي كانت من خلالها تنقل تعاليم الله إلى مصدقيها وأتباعها مدعيةً هبوط الوحي عليها، وبقيت على هذه الحال، إلى أن قُبض عليها العام 1999، وحكم عليها بالسجن لعدة سنوات، وخلال فترة "دعوتها" تبعها ما لا يقل عن 250 شخصاً، متنوعي الأفكار والثقافة والمستوى الاجتماعي، وكان بعضهم يرى أنها خلطت الصوفية بالإسلام، وبالمذهب الشيعي.
مصري أمريكى يدعى النبوة
بعد ولادته في مصر العام 1935، ودراسته للكيماء، ثم انتقاله إلى الولايات المتحدة ليصبح أحد الكيميائيين العرب المعروفين هناك، قام رشاد خليفة، بتسجيل مقاطع فيديو، ادعى فيها أنه يعرف القرآن الكريم أكثر من مفسريه أياً كانوا عبر التاريخ، وأنّه "أعلم من أي شخصٍ بالمعادلات الرياضية الموجودة في القرآن الكريم"، وأنه لأجل علمه "هبط عليه جبريل".
رشاد خليفة
ثم توجه إلى الناس عبر مسجدٍ أسسه في ولاية أريزونا الامريكية، قائلاً إنّه "مرسلٌ من الله، وأن الأنبياء انقطعوا لكن الرسل باقون"، ثم أخذ يدعي "تزوير الصحابة للقرآن" متهماً كذلك أي شخصٍ يتبع شيئاً غير القرآن، حتى لو كان السنة، بأنه "كافر"، كما كفر الشيعة وغيرهم، وقال إنهم جميعاً في النار، ولم يطل به الأمر، حتى قتل نهاية الثمانينيات من القرن الماضي، ويشاع أن السلطات الأمريكية ألقت القبض على قاتليه بعد سنوات، دون أدلةٍ دامغة.
الشيخ أحمد.. المنشق الإخوانى مدعى النبوة
"الشيخ أحمد" واحد من هؤلاء الذين دفعتهم نفوسهم الضعيفة لادعاء النبوة، فبعد تخرجه من جامعة الأزهر، تزوج من إحدى بنات قريته بمحافظة كفر الشيخ ورزقه الله بـ5 أبناء، عمل الشيخ أحمد كإمام لأحد المساجد، وخلال تلك الفترة شهدت حياته العديد من التحولات الفكرية المتطرفة إلى حد جعله ينكر السنة النبوية ويهاجم علماء الأزهر، مما دفع مديرية الأوقاف بكفر الشيخ بإيقافه عن العمل، انضم بعدها لفترة إلى جماعة الإخوان ثم تركها، وتفرغ لفكرة جديدة تطرقت إلى ذهنه وهى أن يدعى النبوة وبدء يعقد اجتماعاته فى منزل أحد أتباعه بحى ميت علوان بمدينة كفر الشيخ، وأقنع أتباعه أنه مبشر به فى القرآن معترفاً بنبوة "الرسول" محمد- صلى الله عليه وسلم- إلا أنه أنكر اعترافه بأنه آخر المرسلين، وأنكر اعترافه بالسنة واستنكر مناسك وشعائر الحج.
كانت بداية سقوط الشيخ أحمد، حينما تقدمت والدة أحد أتباعه ببلاغ لمباحث أمن الدولة ومباحث قسم أول كفر الشيخ، أكدت فيه أنها لاحظت تغييرا فى فكر ابنها، وانحرافه عن صحيح الدين وترديده كلمات غير مفهومة عن وجود رسول جديد، وعدم اعترافه بالسنة وهجومه على قيادات الأزهر، مدعيًا أن الشيخ أحمد، إمام المسجد الذى يتردد عليه هو الرسول الجديد فحرر محضر قيد برقم 6581 سنة2014، تم القبض على الشيخ "أحمد" وعدد من اتباعه ووجهت له تهمة ازدراء الأديان وادعاء الرسالة.
صلاح شعيشع
يعد الطبيب صلاح شعيشع أشهر مصري ادعى النبوة في العصر الحديث قبل أن يُلقى القبض عليه العام 1985 ويحكم عليه بالسجن خمسة أعوام، وكان شعيشع المولود العام 1922 قد اشتهر قبل ذلك بإجراء عمليات الإجهاض في عيادته بالإسكندرية التي حوّلها في السبعينيات إلى مقر لدعوته التي بدأت بزعمه أن روح الرسول، صلى الله عليه وسلم، تلبّسته وجعلته يكمل دعوته بعد تفشي الفساد.
بدأ شعيشغ نشاطه "الديني" قبل ذلك في أوائل الستينيات حين اهتم بتحضير الأرواح، والالتقاء بمدعي التعامل مع الجان، ثم اتجه إلى الصوفية وأنشأ جماعة خاصة به، لكن لم يلبث أن انفض عنه أنصاره، ومكمن شهرة شعيشع أن أتباعه لم يقتصروا على البسطاء بل كان منهم أطباء وأساتذة جامعيون ومهندسون وبعض من كبار رجال الأعمال في الإسكندرية، وكانت له طقوس غريبة يمارسها مع أتباعه كتقبيل الرجال والنساء من أفواههم فيما كان يسميه "القبلة المحمدية القدسية"، كما أسقط عن أتباعه الذين كان يفرض عليهم الأتاوات وجاوز عددهم 1200 شخص فروض الصلاة والحج والزكاة والصيام.
بهاء الدين السودانى: أنتظر وحياً بكتاب بديل عن القرآن
"بهاء الدين.م" مهندس زراعي سوداني الجنسية، ادعى كغيره النبوة وأنه مرسل من عند الله وانه سيكون الرسول رقم 26، زاعما أن هناك كتاباً سينزله الوحى عليه بديلاً للقرآن الكريم حسب زعمه، وفى سبيل دعوته وزع منشورات على المواطنين بمطار القاهرة تروج لفكره وتؤكد صدق نبوته، وتحثهم على الانضمام لدعوته، وأكدت مصادر مقربة للمتهم فى ذلك الوقت أنه لا يبدو عليه آثار جنون إطلاقا بل فى حالة عقلية سليمة، ألقت سلطات الأمن بمطار القاهرة القبض عليه وأحيل للنيابة التى باشرت التحقيق معه.
عراقي يدعى "النبوة" ويترشح للانتخابات البرلمانية
وبتاريخ 29 أبريل 2018 – كان من غرائب الانتخابات التشريعية العراقية، ظهور رجل يدعي النبوة في مدينة الناصرية "مركز محافظة ذي قار"، ورشح نفسه للانتخابات البرلمانية، حيث ألقى القبض عليه ويدعى "ياسر ناصر حسين" بعد توزيعه منشورات دعائية يدعي فيها النبوة وأنه مكلف للترشح للانتخابات العراقية من قبل الوحي ثم تبين أنه مريضا نفسيا.
شخصى يمنى يدعى النبوة
وفى غضون 29 يناير 2021 - ادعى مواطن من محافظة ذمار بدولة اليمن، بأنه نبي آخر الزمان، داعياً المواطنين الى الإيمان به وإتباعه، في واقعة أثارت جدلا واسعا، واثارت دعواته سخرية واسعة لدى الناشطين ورواد مواقع التواصل الاجتماعي، كما أنهال رواد مواقع التواصل على منشوراته بتعليقات مختلفة ما بين ردود ساخرة وسب وشتم وتكذيب.
رأى الأطباء النفسيين
خبراء الطب النفسى يرون أن كل من ظهروا خلال الفترة السابقة من المدعين بأنهم أنبياء أو أنهم "المهدى المنتظر" يعانون من الفصام الذهنى واضطرابات نفسية يُطلق عليه "اضطراب وجدانى ثنائى القطب" المعروف بالهوس، يجعل المصاب به فى حالة اندفاع مستمر وكلامه غير مرتب ويدعى أشياء غير عقلانية مثل القوة الخارقة والسيطرة على العالم وأنه "نبى" أو "المهدى المنتظر"، ولا يقتصر المُصاب بالفصام الذهنى عند هذا الحد، بينما يدعى سماع أصوات لا يسمعها غيره وضلالات شك وعظمة ويكون منعزلا عمن حوله، و يتم التعامل مع هذه الحالات عن طريق العلاج الدوائى والجلسات ويفضل الحجز فى المستشفيات حتى لا يؤذى من حوله - حسب الخبراء.
الشخصيات التى تدعى الألوهية أو النبوة وغيرها، مرضى نفسيين يعانون من بعض الأمراض سواء الفصام أو البارانويا، وهى أمراض تتعلق باضرابات فى الشخصية، حيث يشعر فيها الشخص مدعى النبوة بالعظمة، وأنه شخص مهم ومتفرد ويحمل من السمات الشخصية ما تجعله يختلف عن غيره ويكن أعلى مكانة منهم على حد تفكيرهم و هؤلاء الأشخاص يحتاجون إلى علاج نفسى، لأنهم فى الغالب لا يقبلون النقاش، ويكونوا حادين فى الدفاع عن فكرتهم، لأنه يعانون من ضلالات معينة ويتخيلون أمور ليست لها علاقة بالواقع والمنطق، كما أن بعضهم يدفعهم مرضهم لحب الشهرة والظهور، فينسجون فى خيالهم هذه الادعاءات.
رأى الدين في مدعى النبوة
قال الله تعالى: (مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا)، [الأحزاب:40]، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن هؤلاء الكذابين فقال: " لا تقوم الساعة حتى يبعث دجالون كذابون قريب من ثلاثين، كلهم يزعم أنه رسول الله "، وفي مسند الإمام أحمد " في أمتي كذابون ودجالون سبعة وعشرون، منهم: أربع نسوة، وإني خاتم النبيين لا نبي بعدي "، وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي بن أبي طالب " أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي " إلى غير ذلك من الأحاديث الدالة على أنه صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين، وقد أجمع المسلمون على ذلك، فمن ادعى النبوة فهو كافر مكذب لله ورسوله صلى الله عليه وسلم .
رأى القانون في مدعى النبوة وأركان الجريمة
وعن رأى القانون في مدعى النبوة – يقول الخبير القانوني والمحامي حسام حسن الجعفري، جريمة ادعاء النبوة هي جريمة ازدراء الأديان المنصوص عليها بالمادة 98 والمادة 160 من قانون العقوبات، وتتحقق جريمة ازدراء الأديان بوقوع الفعل المجرم، وتوافر النية بغض النظر عن تحقق الهدف المرجو من هذا الفعل من عدمه ولابد من توافر ركنين:
أولا: ركن مادي
يتمثل في استغلال الأديان السماوية في الترويج والتحبيذ باستخدام أي وسيلة من وسائل النشر لأفكار متطرفة تحت ستار مموه أو مضلل من الدين.
ثانيا: ركن معنوي
ويقصد به توافر القصد الجنائي واتجاه الإرادة إلى ازدراء الأديان السماوية أو تحقيرها أو إثارة الفتن أو الإضرار بالوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي، لكي يخرج المنتمين إلى دين معين لي دخلوا في دين آخر ويعتنقوه، أي أن مناط الحماية القانونية بنص تلك المادة هو الوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي وليس الأديان السماوية أو الطوائف المنتمية إليها.
ما هي عقوبة ازدراء الأديان؟
ووفقا لـ"الجعفرى" في تصريح لـ"برلماني" - نصت المادة 98 من قانون العقوبات المصري على الآتي: "يُعاقب بالحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر ولا تجاوز 5 سنوات أو بغرامة لا تقل عن 500 جنية ولا تجاوز ألف جنيه لكل من استغل الدين في الترويج أو التحييذ بالقول أو بالكتابة أ بأي وسيلة أخرى لأفكار متطرفة بقصد إثارة الفتنة أو التحقير أو ازدراء أحد الأديان السماوية أو الطوائف المنتمية إليها أو الضرر بالوحدة الوطنية أو بالسلم الاجتماعي"، ووفقا لنص المادة 160 من قانون العقوبات على أنه: "مع عدم الإخلال بأي عقوبة أشد يعاقب بالحبس مدة ثلاث سنوات وبغرامة لا تقل عن ألف جنية ولا تزيد عن 5 آلاف جنية كل من شوش على إقامة شعائر ملة أو دين أو احتفال أو رموز أو أشياء أخرى لها حرمة عند أبناء ملة أو فريق من الناس".
هل هناك ظرف مشدد لتلك الجريمة؟
ويرى العديد من الدستوريين أن تلك المادة المطاطية في تركيبتها لأي شخص أن يستهدف أي صاحب رأي ببلاغات ودعاوى كيدية، متهماً إياه بازدراء أو تحقير أو إهانة الدين، فهو لا يضع مفاهيم واضحة للمصطلحات التي يذكرها، مثل "ازدراء وتحقير الدين" أو "الإضرار بالوحدة الوطنية"، الأمر الذي يتيح إمكانية تفسيرها بما تقتضيه المصلحة، فلا يعترض علي التجريم والعقاب بالتمسح بحرية الاعتقاد المكفولة بمقتضى الدستور، إذ تلك الحرية تكون بين الإنسان ونفسه ولا تخول لصاحبها إيذاء الناس فيما يعتقدوه أو يأمنوا به من أديان سماوية، فالإنسان حر مالم يضر، ولهذا قضت محكمة النقض بأنه حرية الاعتقاد لا تبيح لمن يجادل في أصول دين من الأديان أن يمتهن حرمته أو يحط من قدره أو يزدريه عن عمد منه ، فإذا ما تبين أنه كان يبتغي بالجدل الذي أثاره المساس بحرمة الدين والسخرية منه، فليس له أن يحتمي من ذلك بحرية الاعتقاد، طبقا للطعن رقم 21602 لسنة 84.
المشرع وضع قانونى العقوبات وتقنية المعلومات لمواجهة ازدراء الأديان
ولهذا وضع المشرع جريمة ازدراء الأديان في الباب الثاني من الكتاب الثاني من قانون العقوبات تحت عنوان - الجرائم المضرة بأمن الدولة من جهة الداخل - إذ نصت المادة 98 "و" على أن: "يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر ولا تجاوز 5 سنوات أو بغرامة لا تقل عن 500 جنيه، ولا تجاوز 1000 جنيه كل من استغل الدين في الترويج بالقول أو بالكتابة أو بأية وسيلة أخرى لأفكار متطرفة بقصد إثارة الفتنة أو تحقير أو ازدراء أحد الأديان السماوية أو الطوائف المنتمية إليها أو الإضرار بالوحدة الوطنية"، كما نصت المادة 25 من قانون جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018 علي أن: "يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر، وبغرامة لا تقل عن 50 ألف جنيه ولا تجاوز 100 ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من اعتدى على أى من المبادئ أو القيم الاسرية فى المجتمع المصرى"، وهذا النص يتسع في تاويله لمن ينتهك قيم الأسر المصرية التي يسود فيها الإسلام والمسيحية بل واليهودية من خلال ما يعتنقوه من إحدى هذه الأديان.
وجريمة ازدراء الأديان أو بالأحرى استغلال الدين في الترويج لأفكار متطرفة المنصوص عليها في المادة 98 " و " من قانون العقوبات تتطلب لتوافرها ركناً مادياً هو الترويج أو التحبيذ بأية وسيلة لأفكار متطرفة تحت ستار مموه أو مضلل من الدين آخر معنوياً بأن تتجه إرادة الجاني لا إلى مباشرة النشاط الإجرامي وهو الترويج أو التحبيذ فحسب، وإنما أيضا أن تتوافر لديه إرادة تحقيق واقعة غير مشروعة وهى إثارة الفتنة أو تحقير أو ازدراء أحد الأديان السماوية أو الطوائف المنتمية إليها أو الإضرار بالوحدة الوطنية أو السلام الاجتماعي، وذلك طبقا للطعن رقم 41774 لسنة 59 قضائية.
ازدراء الأديان في التشريع اللبناني
المادة 473 من قانون العقوبات اللبناني، تنص على أن: "من جدف على اسم الله علانية يعاقب بالحبس من شهر إلى سنة"، فيما تنصّ المادة 474 من قانون العقوبات اللبناني، أن من أقدم بإحدى الطرق المنصوص عليها في المادة 209 على تحقير الشعائر الدينية التي تمارس علانية أو حث على الازدراء بإحدى تلك الشعائر يعاقب بالحبس من 6 أشهر إلى 3 سنوات.
ازدراء الأديان في التشريع السعودي
تستند القوانين السعودية إلى الشريعة الإسلامية التي تجرم الردة، حيث أن قوانين الردة تجعل من كل أشكال الإساءة إلى الدين جريمة، قد تصل عقوبة بعضها إلى الإعدام، ففي غضون 9 يناير 2015، تلقى المدون السعودي رائف بدوي أول دفعة من 1000 جلدة حكمت عليه بها المحكمة السعودية إضافة للسجن مدّة 10 سنوات، بتهمة انتقاد هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونشر أفكار ليبيرالية على الإنترنت.
ازدراء الأديان في التشريع الكويتى
ينص قانون الجزاء الكويتي على أن: "كل من أذاع، بإحدى الطرق العلنية المبينة في المادة 101، آراء تتضمن سخرية أو تحقيراً أو تصغيراً لدين أو مذهب ديني، سواء كان ذلك بالطعن في عقائده أو في شعائره أو في طقوسه أو في تعاليمه، يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز سنة واحدة وبغرامة لا تجاوز ألف دينار (3,400 دولار) أو بإحدى هاتين العقوبتين".
اذدراء الأديان في التشريع السودانى
أما قانون العقوبات السوداني فهو يعاقب على جريمة "ازدراء الأديان" على أي تعبير عن الرأي، إذ لا يحدد الأفعال المكملة لأركان هذه الجريمة بل يكتفي بقوله "بأية طريقة"، والعقوبة هنا هي الحبس مدة 6 أشهر، أو الغرامة، أو الجلد 40 جلدة، إضافة لتلك المادة فإن القانون السوداني يضم مادة حول الردة، ويحكم بالإعدام على كل من يترك الإسلام أو يعلن ما يفيد تركه الإسلام، وهذا إذا لم يتراجع عن موقفه قبل تنفيذ الحكم، وهو الأمر الذي لا يقف عند الاعتداء على حرية العقيدة، بل يتجاوز ذلك إلى فتح الباب على مصراعيه لأي صاحب مصلحة- من الأفراد أو السلطة- لأن يأول تصريحات أو أقوالاً لخصمه ويجعله عرضة لهذه العقوبة.
ازدراء الأديان في التشريع الجزائرى
جريمة ازدراء الأديان وفق القانون الجزائري المادة 144 مكرر2 قانون العقوبات، وجدف أي كفر بنعمة الله سبحانه وتعالي والحديث عنه بازدراء هو الإهانة المنطوقة أو المكتوبة ضد إسم الله أو شخصيته أو عمله أو صفاته.
المادة 144 مكرر 2: يعاقب بالحبس من ثلاث (3) سنوات إلى خمس (5) سنوات وبغرامة من 50.000 دج إلى 100.000 دج أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط كل من أساء إلى الرسول (صلى الله عليه وسلم ) أو بقية الأنبياء أو استهزأ بالمعلوم من الدين بالضرورة أو بأية شعيرة من شعائر الإسلام سواء عن طريق الكتابة أو الرسم أو التصريح أو أية وسيلة أخرى.
ازدراء الأديان في التشريع الإماراتي
طبقاً للمادة 4 مِن المرسوم بقانون اتحادي رقم 2 لسنة 2015 في شأن مكافحة التمييز والكراهية، أنه يعد مرتكباً لجريمة ازدراء الأديان كل من أتى أياًّ من الأفعال الآتية: التطاول على الذات الإلهية أو الطعن فيها أو المساس بها، والإساءة إلى أي من الأديان أو إحدى شعائرها أو مقدساتها أو تجريحها أو التطاول عليها أو السخرية منها أو المساس بها أو التشويش على إقامة الشعائر أو الاحتفالات الدينية المرخصة أو تعطيلها بالعنف أو التهديد، والتعدي على أي من الكتب السماوية بالتحريف أو الإتلاف أو التدنيس أو الإساءة بأي وجه من الوجوه، والتطاول على أحد الأنبياء أو الرسل أو زوجاتهم أو آلهم أو صحابتهم أو السخرية منهم أو المساس بهم أو الإساءة إليهم، والتخريب أو الإتلاف أو الإساءة أو التدنيس لدور العبادة وللمقابر وللقبور أو ملحقاتها أو أي من محتوياتها.
كما أن المادة 5 مِن ذات المرسوم بقانون نصت على أنه يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن خمس سنوات وبالغرامة التي لا تقل عن مائتين وخمسين ألف درهم ولا تزيد على مليون درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من ارتكب فعلاً من الأفعال المنصوص عليها في البنود/2,3، 5/ من المادة/4/ من هذا المرسوم بقانون بإحدى طرق التعبير أو غيرها من الصور الأخرى أو باستخدام أي من الوسائل، كما نصت نفس المادة على أنه يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن سبع سنوات وبالغرامة التي لا تقل عن خمسمائة ألف درهم ولا تزيد على مليوني درهم كل من ارتكب فعلاً من الأفعال المنصوص عليها في البندين/1,4/ من المادة/4/ من هذا المرسوم بقانون، بإحدى طرق التعبير أو غيرها من الصور الأخرى أو باستخدام أي من الوسائل.
قوانين تجريم ازدراء الأديان في العالم
وفي الوقت الذي تلعب قوانين تجريم ازدراء الأديان عربياً دور "عصا السلطة" ضد أصحاب الآراء التي لا تناسبها، نرى قريناتها من مواد قوانين العقوبات في بعض الدول الأجنبية تلعب دور "صون المشاعر الدينية من الشعور بالإهانة، وحماية حريتى العقيدة والتعبد، والحفاظ على السلام المجتمعي"، فهناك دول مثل الهند، أيسلاندا، اليونان، جنوب أفريقيا، إسبانيا، سويسرا وغيرها تجرم بشكل مباشر وصريح الإساءة للأديان، ولكن من منطلق مراعاة مشاعر أهل كل دين وحمايتهم من التحريض على الكراهية أو ممارسة العنصرية.
ودول مثل كندا، البرازيل، فنلندا، الدنمارك، فرنسا وغيرها تعاقب بالحبس كل من يرتكب فعل التصريح بخطاب فيه تحريض على كراهية شخص أو أكثر بسبب لونه أو دينه أو عرقه أو انتمائه الإثني، وتتشدد ألمانيا في مراعاتها فتفرض العقوبة على الفاعل وإن لم يكن ألمانياً، وإن ارتكب هذه الجريمة خارج الأراضي الألمانية، وبذلك لا يجرم القانون هنا التعرض للأديان في ذاتها فحسب، بل التعرض بالأذى لأية فئة بسبب انتمائها الديني أو العرقي.