منذ يومين نظم مركز الأزهر العالمي للفلك التابع لمجمع البحوث الإسلامية، الملتقى الثقافي العلمي الأول تحت عنوان "صناعة التنجيم والتطرف الفكري.. الأبراج والتنجيم بين العرف والشرع والفلك"، وجاءت توصيات المؤتمر على ضرورة سن القوانين والتشريعات التي تحد من ظاهرة التنجيم وأثرها السلبي على استقرار المجتمعات، مع ضرورة أن تولي المؤسسات الدينية والمجتمعية اهتماما بالغا بظاهرة التنجيم من حيث أسبابها وآثارها وطرق معالجتها، وذلك من خلال الدراسات والبحوث العلمية المحكمة، وذلك استنادا العبارة الشهيرة: "كذب المنجمون ولو صدقوا" وهم المنجمين والعرافين والكهنة حتى لو اتخذ شكل العلم لتزييف وعى الأمة والمجتمعات.
ويظل "التنجيم والكهانة والعرافين" أحد الهواجس فى المنطقة العربية والأفريقية بشكل خاص، والعالم بشكل عام، لدرجة أن وسائل الاعلام التي يجب أن ترتقى بعقلية القارئ أو المشاهد أو المستمع تدعوا أمثالهم في مناسبات مثل "رأس السنة"، ويتعاملون معهم معاملة العلماء والمفكرين، ويرى السواد الأعظم من الجمهور أن "التنجيم" جريمة اجتماعية يعانى منها المجتمع، وذلك لأنها تدمر البيت والأسرة وهى من الملفات الشائكة التي يجب العودة إلى الاشتباك معها، ومواجهة تداعياتها الخطيرة على المجتمع، فقد انتشرت في الفترة الأخيرة على بعض القنوات الفضائية إعلانات عن برامج عن التنجيم والكهانة والعرافين لجلب الحبيب وجلب السعادة وجلب المتوفى وغيرها من الخرافات، وتقوم تلك القنوات أيضًا باستضافة هؤلاء الدجالين، والمنجمين، لأسباب لا نعلمها ربما لجذب متابعين لهم أو ليس عندهم ما يقدموه للمشاهد أو لتحقيق أرباح مالية لأنها تجارة رابحة، وذلك على حساب خداع المشاهدين البسطاء وتدمير المجتمع.
فى التقرير التالى، يلقى "برلمانى" الضوء على إشكالية "التنجيم والكهانة والعرافة" التي تستخدم بشكل كبير في العالم وبالأخص فى الوطن العربى، ودور التشريعات العربية وعلى رأسها مصر حيث يمس "التنجيم والكهانة" قضية حياتية شغل بها كثير من الناس دون وعي أو إدراك لخطورة هذه القضية، فقضية التنجيم اليوم اقتحمت كثيرا من البيوت عبر وسائل الإعلام المختلفة، التي تروج لظاهرة التنجيم ومعرفة المستقبل، لاستقطاب أكبر عدد من المتابعين لبرامجها، ولزيادة أرباحها، بعيدا عن قانون الإيمان، وميزان القيم والأخلاق – بحسب الخبير القانونى والمحامى بالنقض هانى صبرى.
فى البداية - بالرغم من أن ظاهرة "التنجيم والكهانة والعرافة" ليست حديثة العهد، وإنما لها جذور ممتدة بعيدة فى القدم إلا أنه لم يتم التصدى لها بشكل كاف، وظل القانون غافلا عن معالجتها، والتساؤل الذى يطرح نفسه هنا ما موقف التشريعات العربية من ذلك؟ هل وضعت نصوصا صريحا لذلك حيث أنها جريمة يصعب إثباتها وهي الجريمة التي تناولتها العديد من المسلسلات والأفلام السينمائية، والوطن العربى متورط في "التنجيم والكهانة والعرافة" بكل شرائحه، لاسيما طبقة المشاهير والسياسيين فى كثير من الأحيان، وكذا أهل المال والأعمال، وهو ما تناولته العديد من الأعمال السينمائية والدرامية وكان أبرزها فيلم "البيضة والحجر" للراحل أحمد زكى – وفقا لـ"صبرى".
"التنجيم والكهانة والعرافة" في التشريع المصرى
القانون المصرى لم يتطرق من قريب أو من بعيد لجرائم "التنجيم والكهانة والعرافة"، لكن يمكن ضم الأشخاص الذين يقومون بأعمال "التنجيم والكهانة والعرافة" إلى جريمة النصب في حالة وحيدة فقط وهى حال الاستيلاء على أموال الغير، طبقا لنص المادة 336 من قانون العقوبات المصرى، ويكون العقاب فيها الحبس من 24 ساعة إلى مدة 3 سنوات مع الشغل والنفاذ، مع الأسف الشديد إن المضرور أو الذى تم عمل "التنجيم والكهانة والعرافة" له لا يوجد قانون ينصفه؟.. ولا يستطيع أن يحرر أى محاضر ضد "المنجم"؛ لأنه لا توجد رابطة بينهما، حتى لو تم الإضرار به، ولكن الوحيد الذى يحق له الرجوع على "المنجم"، هو الشخص المتعامل مع "المنجم" بصفته أنه تم النصب عليه من "التنجيم والكهانة والعرافة"، وأنه تحصل منه على أموال نظير أعمال قد أوهمه بها ولم تتحقق – الكلام لـ"صبرى".
وفى الحقيقة إن الجريمة بلا قانون تتسبب فى نشر الفوضى لمعرفة مرتكبيها بقدرتهم على الإفلات من العقاب لعدم توافر شرط من الشروط التى يتطلبها القانون، لإثبات وقوع الجريمة وتوجيه التهمة، والإفلات من العقوبة أصبح ظاهرة فى مجتمعنا وواقعا نعيشه، وذلك يرجع إلى حالة من الفراغ التشريعى لتلك الجرائم، والتى جاء القانون خلوا من توصيف لها، وبالتالى لم يتم سن مواد توصف هذه الجرائم، وبالتالى لا يوجد تشريع يعاقب عليها، ولا يكيف اتهام محدد لمرتكبها، رغم أن المجتمع يلفظها ويعانى منها، هناك قصورا فى القانون الجنائى المصرى، الذى لم يتطرق لجرائم "التنجيم والكهانة والعرافة" التى تدمر الأسرة، بعكس بعض قوانين الدول العربية التى تعاقب عليها منها، وبناء عليه فإننا نناشد المشرع المصرى إيجاد نظام تشريعى خاص يجرم جرائم "التنجيم والكهانة والعرافة" حفاظًا على مجتمعنا ولمواجهة تلك الظاهرة الشيطانية الخبيثة التى تنال من صحة المجتمع وسلامته ونموه.
"التنجيم والكهانة والعرافة" في التشريع المغربى
أما المملكة المغربية فقد نص القانون المغربي في الفصل 609 من القانون الجنائي المغربي في فقرته 35 على أن: "من احترف التكهن والتنبؤ بالغيب أو تفسير الأحلام يعاقب بغرامة تتراوح بين 10 و120 درهما، ويعتبر هذا الفعل مخالفة من الدرجة الثالثة، وينص الفصل 726 من قانون الالتزامات والعقود على بطلان كل اتفاق يكون موضوعه تعليم أو أداء أعمال السحر والشعوذة أو القيام بأعمال مخالفة للقانون..".
"التنجيم والكهانة والعرافة" في التشريع السودانى
وفى دولة السودان نص قانون النظام العام الولائى لسنة 1996م في المادة "22" منه علي "التنجيم والكهانة والعرافة" أنه لا يجوز لأي شخص ممارسة "التنجيم والكهانة والعرافة والدجل"، ولم تفرد لها عقوبات محددة، وإنما ترك أمر العقوبة للنص المخصص للعقوبات في ذيل القانون ومحاكمته وفقا للمادة "26" التي تقول: "يعاقب كل من يخالف أحكام هذا القانون بالسجن أو الغرامة او العقوبتين معاً"، ومصادرة الأدوات المستخدمة أو سحب الترخيص وإغلاق المحل لفترة من الزمن، وتشديد في العقوبة في حالة العودة للجريمة.
التنجيم والكهانة والعرافة والدجل في التشريع السورى
في سوريا نص القانون على انه يعاقب بالحبس التكديري وبالغرامة من 500 – 2000 ليرة من يتعاطى بقصد الربح، مناجاة الأرواح، والتنويم المغناطيسي والتنجيم وقراءة الكف وورق اللعب وكل ماله علاقة بعلم الغيب وتصادر الألبسة والأدوات المستعملة، كما يعاقب في حالة العود بالحبس حتى 6 أشهر وبالغرامة حتى 2000 ليرة ويمكن إبعاده إذا كان أجنبياً، وإن المشرع اشترط لقيام الجرم أن يكون بقصد الربح فقط وهذا النوع فقط تتوجب معاقبته، لأنه يقبض المال، أما من لا يهدف للحصول إلى المال فلا تجريم له، وأن عقوبة من 500- 2000 ليرة والحبس التكديري الذي تصل مدته من يوم إلى 10 أيام ليست عقوبة رادعة ولا تتناسب مع خطورة الفعل وهذا يعد ثغرة في التشريع لأن هؤلاء يمثلون خطراً حقيقياً على المجتمع.
التنجيم والكهانة والعرافة والدجل في التشريع الأردني
في الملكة الأردنية الهاشمية بمطالعة نصوص قانون العقوبات الأردني نجد أن المشرع جرم التنجيم والكهانة والعرافة والدجل في المادة 471 منه والتي نصت علي يعاقب بالعقوبة التكديرية كل من يتعاطي بقصد الربح مناجاة الأرواح أو التنجيم أو قراءة الكف.. وكل ما له علاقة بعلم الغيب وتصادر الألبسة والنقود والأشياء المستعملة، وفِي تقديري يجب تغليظ العقوبة لتلك الجريمة كي تتناسب مع خطورتها.
التنجيم والكهانة والعرافة والدجل في التشريع اللبنانى
في دولة لبنان نصت المادة 768 من قانون العقوبات اللبناني: يُعاقب بالتوقيف التكديري وبالغرامة من 10 آلاف إلي 20 ألف ليرة لبنانية من يتعاطي بقصد الربح مناجاة الأرواح والتنويم المغناطيسي والتنجيم .. وكل ما له علاقة بعلم الغيب، وتصادر العدد المستعملة. ويُعاقب المكرّر بالحبس حتي 6 أشهر وبالغرامة ويمكن إبعاده إذا كان أجنبياً.
التنجيم والكهانة والعرافة والدجل في التشريع البحرينى
في مملكة البحرين جرم "التنجيم والكهانة والعرافة والدجل" في قانون العقوبات رقم (15) لسنة 1976 وتعديلاته في المادة (310 مكرراً ) علي أنه يعاقب بالحبس والغرامة أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من زاول على سبيل الاحتراف والتكسب أياً من أعمال "التنجيم والكهانة والعرافة والدجل والعرافة"، ويُعد من هذه الأعمال الإتيان بأفعال أو التلفظ بأقوال أو استخدام وسائل القصد منها إيهام المجني عليه بالقدرة على إخباره عن المغيبات أو إخباره عما في الضمير أو تحقيق حاجة أو رغبة أو نفع أو ضرر بالمخالفة للثوابت العلمية والشرعية"، وهناك مطالبات من البحرينيين وأعضاء في البرلمان بتغليظ تلك العقوبة.
أعمال "التنجيم والكهانة والعرافة والدجل والعرافة" في التشريع الإماراتي
في دولة الإمارات العربية المتحدة نص قانون العقوبات الاماراتي المعدل بالقانون الاتحادي رقم 7 لعام 2016 قد تطرق أعمال "التنجيم والكهانة والعرافة والدجل والعرافة"، حيث عرفت المادة 316 مكرر1 مفهومي السحر والشعوذة، والمادة 316 مكرر2 البين منها أنها لم تكتف بتجريم وتحديد عقوبة من يقصد أعمال منجما أو كاهنا أو عرافا أو دجالا استعانة به بقصد الإضرار بالغير، بل أنها جعلت العقوبة نفسها والتي هي الحبس والغرامة لكل من حاز أو احرز أو تصرف بأي نوع من أنواع التصرف في كتب أو طلاسم أو مواد أو أدوات مخصصة للسحر أو للشعوذة.
وبالتالي يكون القانون قد جرم 3 ممارسات وأفعال تتعلق بالكاهنة والعرافة والدجل والسحر والشعوذة، أولها الساحر أو المشعوذ، ثانيها من يقصد ساحرا أو مشعوذا ويستعن به بقصد الإضرار وإلحاق الأذى بالغير، وثالثها من يحوز أو يتصرف بأي شكل كان بمواد أو أدوات مخصصة للسحر أو الشعوذة بما في ذلك الكتب المخصصة لهذا الغرض، وذلك حفاظا على مجتمعهم.