التفتيش هو البحث عن الحقيقة في مستودع السر، ولقد أجازه المشرع في قانون الإجراءات الجنائية متى توافرت قرائن على أن المتهم يخفي معه أشياء تتعلق بجريمة وقعت، واكتفى في هذا الشأن بإذن النيابة العامة، وهو ما نصت عليه المادتان 94، 199 إجراءات جنائية، والأصل أن ينصرف التفتيش إلى المتهم إذا تم اتهامه بجريمة دلت القرائن أنه يخفي أدلتها، لكن قد يكون مبررا لتسلل إلى حياته الخاصة وانتهاك أسراره بالتفتيش.
وبنظره إلى الخلف من الناحية القانونية – نجد أنه عند صدور قانون الإجراءات الجنائية عام 1950 كان يجيز لمأمور الضبط القضائي القبض على الشخص، ومن ثمة تفتيشه في أحوال عديدة منها توافر دلائل كافية على الاتهام في جناية، ولهذا كانت محكمة النقض تقرر أن القوانين الجنائية لا تعرف الاشتباه لغير ذوي الشبهة على اعتبار أن سبق الاتهام قد يوفر دلائل كافية تجيز لرجل الضبط القضائي القبض على المتهم وتفتيشه.
مدى جواز تفتيش الشخص استنادا إلى سبق اتهامه؟
في التقرير التالي، يلقى "برلماني" الضوء على إشكالية في غاية الأهمية تتعلق بتفتيش المتهم استنادا إلى سبق اتهامه، حيث أنه بعد صدور دستور 1971 وما تضمنه من حظر القبض في غير أحوال التلبس إلا بأمر قضائى تم تعديل قانون الإجراءات الجنائية عام 1972، وأصبحت سلطة مأمور الضبط القضائي فى القبض وبالتالي التفتيش مقصورة على أحوال التلبس، ومن ثم فإن تحريات رجل الضبط القضائي، وكذا سوابق المتهم لا تجيز له القبض والتفتيش طالما لم تأذن به سلطة التحقيق – بحسب أستاذ القانون الجنائى والمحامى بالنقض ياسر الأمير فاروق.
في البداية - مع التطور التقني وشيوع إجراء الاستيقاف لاسيما العشوائي بات يحدث ظاهرة تضاربت بشأنها أحكام النقض دون سبب لهذا الاضطراب سوى ما كان التشريع عليه قبل عامي 1971 و1972 إذ راح رجال الضبط القضائي يستوقفوا المواطنين الذين يقودوا سيارات أو سيرا على الإقدام بطلب بطاقات تحقيق الشخصية أو رخص السيارة والتيسير ثم فحصهم فنيا من خلال جهاز الحساب الآلي المحمول المرتبط بمديريات الأمن، فيتبين وجود سبق اتهامات وليس أحكام واجبة التنفيذ، فينهض رجل الضبط القضائي بالقبض على المتهم وتفتيشه ويظهر عرضا جريمة متلبس بها ولقد وعرض الأمر علي محكمة النقض، فتضاربت أحكامها ما بين صحة القبض والتفتيش وبين بطلانه – وفقا لـ"فاروق".
أجازه المشرع في قانون الإجراءات الجنائية عام 1950
وامتد ذات الأمر لدى دلوف المواطنين أقسام الشرطة والمحاكم وإدارات المرور لإنجاز بعض الأعمال والمصالح، إذ درجت الجهات المختصة فى السنوات الأخيرة على رصد بيانات كل من سبق اتهامه في قضايا جنائية ولم تقصر هذا الرصد على من حكم ضده وكان مطلوب للتنفيذ عليه، وهو ما يتعارض من قرينة البراءة، لاسيما أن من شروط الإستيقاف ألا يستغرق الوقت اللازم للسؤال من جانب الضابط وتلقي الجواب من جانب المستوقف بحيث أن طال زمن تقييد الحرية تحول الإستيقاف إلي قبض باطل، وكان مقتضى القواعد القانونية السليمة أن يترك رجل الضبط القضائي الشخص عقب الاطلاع إلى حال سبيله طالما لم تتوافر حالة تلبس بجريمة – الكلام لـ"فاروق".
ولكن يجرى العمل على غير ذلك - إذ درج رجال الضبط على الكشف عن المتهم من خلال أجهزة الحاسب الآلي المتنقلة، وقد يستغرق ذلك كثير من الوقت والشخص مقيد الحرية، كما قد يسفر الفحص الفني عن سبق اتهام الشخص في جريمة، فيلجأ رجل الضبط إلى تفتيش الشخص استناداً لما أسفر عنه الكشف الفني، فيسفر التفتيش عن جريمة كحيازة أو احراز مخدر أو سلاح.. ومن هنا ثار التساؤول حول ما إذا كان سبق الاتهام في قضية يبيح القبض والتفتيش؟
وعاد المشرع وحظره في دستور 1971 وتم تعديل القانون
حدث في إحدي القضايا أن استوقف رجل الضبط القضائي متهمان حال استقلالهما سيارة خاصة وعند فحص التراخيص قام بالكشف الفني علي المتهمين من خلال جهاز الحاسب الآلي المحمول، وتبين له سبق اتهامهما في بعض القضايا، فقام بتفتيشهما وقائيا فعثر مع الأول على علبة سجاير تحوى أربعة لفافات من جوهر الهيروين، والذى أقر بأنها تخص المتهم الثاني وأنه حملها مقابل تذكرة منها لنفسه، فقدمت النيابة العامة المتهمين إلي محكمة الجنايات لحيازتها واحرازهما جوهر الهيروين المخدر، وحكم عليهما بالسجن لمدة 3 سنوات، فطعن المتهمان علي الحكم بطريق النقض بسند أن محكمة الموضوع التفت عن دفعهما ببطلان الاستيقاف لتخلف مبرراته، وأن القبض والتفتيش تما في غير أحوال التلبس وأن القضايا المزعوم اتهامهما بها جنح انقضت بالتصالح.
غير أن محكمة النقض رفضت الطعن تأسيسا على أن التفتيش الذى أجراه الضابط للطاعنين كان بناء على ما أسفر عنه الكشف الفني وتبين اتهامهما فى قضايا، بما يبيح لرجل الضبط التعرض لشخصهما وإجراء التفتيش الوقائي لشخصهما دون السيارة الخاصة قيادتهما، فإذا ما أسفر هذا التفتيش عن جريمة كان إجراء صحيحاً ويعوَّل عليه فى اتخاذ الإجراءات القانونية قبلهما ويكون ما ينعاه الطاعنان فى هذا الشأن غير سديد.
وقالت محكمة النقض في ذلك بأنه من المقرر عملا بالمادتين 34 ، 35 من قانون الإجراءات الجنائية المعدلتين بالقانون رقم 73 لسنة 1972 المتعلق بضمانات الحريات اللتين تجيزا لمأمور الضبط القضائي أن يقبض على المتهم الحاضر في أحوال التلبس بالجنايات والجنح المعاقب عليها بالحبس مدة تزيد على 3 أشهر إذا وجدت دلائل كافيــة على اتهامه، وقد خولته المادة 46 من ذات القانون تفتيش المتهم في الحالات التي يجوز فيها القبض عليه قانونا أيا كان سبب القبض أو الغرض منه، وكان سند إباحة التفتيش الوقائي في هذه الحالة، هو أنه إجراء تحفظي يسوغ لكل فرد من أفراد السلطة العامة المنفذة لأمر القبض القيام به درءا لما قد يحمله المتهم من سلاح أو أداه يلحق به أذى بشخصه أو يلحق مثل هذا الأذى بغيره ممن يباشر القبض عليه، فإنه بغير قيام مسوغ من القبض القانوني لا يجوز لمأمور الضبط القيام بالتفتيش كإجراء من إجراءات التحقيق أو كإجراء وقائي.
ومحكمة النقض تباينت في الأحكام بين الجواز والمنع
وإذ كان ذلك، وكان قد تبين لضابط الواقعة حال فحصه تراخيص السيارات والكشف الفني عن المتهمين اتهامهما في قضية الجنحة المشار إليها فقام بتفتيشهما وقائيا حتي يتمكن من فحص القضايا المتهمين فيها، فعثر مع المتهم الاول على علبة سجاير تحوى أربعة لفافات من جوهر الهيروين والذى أقر بأنها تخص المتهم الثاني وأنه حملها مقابل تذكرة منه لنفسه، بما يوفر حالة التلبس ويكون معه هذا التفتيش الوقائي قد توافر سنده القانوني ويكون قد تم صحيحا ولا يقدح في ذلك ما تضمنته الشهادة المقدمة من المتهم الأول بأن الجنحة المتهم فيها تم انقضاء الدعوى الجنائية فيها بالصلح .إذ توافر لضابط الواقعة سبب القبض حال إجراء التفتيش الوقائي، وذلك في الطعن المقيد برقم 46823 لسنة 85 قضائية.
وهذا الحكم له اتجاه مختلف عن بقية الأحكام الأخرى - إذ يخول لمأمور الضبط القضائي سلطتي القبض والتفتيش لمجرد سبق الاتهام، وهو ما يتعارض مع المادتين 54 من الدستور و34 من قانون الإجراءات الجنائية اللتين لا تجيزا في غير أحوال التلبس القبض على المتهم وتفتيشه إلا بأمر قضائي مسبب ولا يغني عن التلبس أو الأمر القضائي مجرد سبق الإتهام في جريمة، وهذا الحكم يقرر الحكم أمور تختلف عن بعضها البعض، إذ تقرر تارة أنه بدون توافر سند القبض لا يجوز التفتيش الوقائي ولا القانوني حال أن سند القبض وهو التلبس لم يتوافر إلا بعد التفتيش الباطل.
شروط الاستيقاف والتفتيش
ثم تقرر النقض تارة أخري أن غرض التفتيش الوقائي هو التأكد من عدم حمل المتهم لسلاح أو اداة يؤذي بها نفسه أو غيره، مما ينفذ القبض ورغم ذلك تجيز للضابط تفتيش المتهم بإخراج علبه سجاير من جيبه، وفتحها وفض ورقه بها هيروين حال أنه يستحيل أن تحوي علبه سجاير بداخلها ورقة علي سلاح أو أداه اعتداء، حيث أن هذا الأمر الذى – فيه نظر - اعتري منطق النقض يؤكد أن محكمة النقض تقرر قواعد ومبادئ في "متباينة"، نهيك عن اغفال محكمة النقض ما دفع به المتهمين من انتفاء مبررات الاستيقاف الذي أدي الي الكشف الفني المسفر عن سبق الاتهام في بعض القضايا رغم جوهريته، إذ بدون توافر مبررات الاستيقاف بحسب قضاء النقض ذاتها يضحي قبض باطل.
ولعل الصحيح هو ما قضت به محكمة النقض في حكم آخر لها بأن من شروط الاستيقاف أن يضع الشخص نفسه طواعية واختيارًا فى موضع الشبهات والريب وأن ينبئ عن ضرورة تدخل المستوقف للكشف عن حقيقته، ومن ثم فإن استيقاف الضابط للطاعن دون بيان الحالة التي كان عليها وما إذا كانت تستلزم تدخله لاستطلاع جلية أمره هو قبض لا يستند إلى أساس فى القانون يترتب عليه عدم الاعتداد بما يسفر عنه من دليل، ولما كان الحكم المطعون فيه قد انتهي لمشروعية استيقاف الضابط للطاعن فإنه يكون قد أخطأ فى تطبيق القانون ولا يرفع هذا الخطأ و لا ينال منه تذرع ضابط الواقعة أنه بالكشف عن الطاعن لدي استيقافه تبين أنه مطلوب للتنفيذ في أحكام صادرة ضده مادام أن هذا المنكشف تم عقب استيقاف باطل ومن ثم يكون تخلي الطاعن عن الكيس الذي يحمله عقب استيقافه وبيان ما يحتويه من مخدر إجراء باطل، وذلك في الطعن رقم 28469 لسنة 85 قضائية.