هناك العديد من المصطلحات القضائية والقانونية التى تغيب عن المواطن العادى، وذلك رغم أهميتها فى الحياة العملية اليومية، وقد يكون الجهل بها يُعرض الشخص لإهدار حقوقه، أو قد يتسبب الجهل بها فى الوقوع فى جريمة – وعندها لن ينفع العذر بالجهل – وضمن هذه المصطلحات "الفضالة"، وهى واحدة من أهم وأبرز الأنظمة القانونية التى بموجبها يستطيع الشخص أن يتصدى لتحقيق منفعة للغير، وأن يستطيع الحصول على ما قد ينفعه من أموال مقابل ذلك الإجراء من الشخص الذى تحققت المنفعة لأجله.
ومبدأ "الفضالة" من النظم القانونية التى تفتح المجال أمام الأشخاص للقيام بأعمال غاية فى الأهمية لغيرهم ودون أن يكونوا مطالبين بها لحفظ الحقوق وممتلكات الغير، وبدون أن يتحملوا قيمة ما قد يبذلونه من أموال فى سبيل تحقيق هذا الهدف السامى، وتعريف الفضالة هو تولى شخص يقال له "فضولى" عن قصد بشأن عاجل لحساب شخص آخر يقال له رب العمل، دون أن يكون ملزما بذلك، وهى بذلك من التفضل لا عن التطفل.
هل يجوز للشخص التقاضى للغير بدون توكيل ودون الرجوع له؟
فى التقرير التالى، يلقى "برلمانى" الضوء على إشكالية فى غاية الأهمية تتعلق بـ"الفضالة" فى التقاضى، ومدى جوازها فى رفع وإقامة الدعوى، والطعن فى الأحكام، وإشكالات التنفيذ، وكيف تكون الفضالة هى الطريق الوحيد لإنقاذ حقوق المواطنين، وذلك فى الوقت الذى تعمل فيه الفضالة مقاصد عدة غير التطفل، والتدخل فى شؤون الغير، فهى استدراك ما قد يحدث من مخاطر وأضرار وتجنبها، على الرغم من أن الفائدة تعود على صاحبها، لا المتدخل لدرء عواقبها – بحسب الخبير القانونى والمحامى مختار عادل.
فى البداية – الفضالة تقوم حين يتفضل شخص بالعناية بشؤون الآخر والمحافظة عليها، لأن العناية بها لا تطيق الانتظار، وعليه فإن الفضالة تقوم على قاعدة من قواعد السلوك الحسن فى المجتمع – على سبيل المثال – كأن يترك مالك المسكن الغائب حنفية الحمام مفتوحة، لتتسرب المياه للخارج فيدخل أحد الجيران ليكسر قفل الباب ويقفل الحنفية، ويصلح ما يجب إصلاحه، فهنا يسمى المتدخل بالفضولى، أما صاحب المسكن برب العمل، الذى يجب عليه بدوره أن يرد للأول جميع المصاريف التى كان قد أنفقها للإصلاح أو الترميم وغيرها من الأعمال التى لا تستحق التأجيل – وفقا لـ"عادل".
المشرع أجازها باسم "الفضالة"
والفضالة كما عرفتها المادة 188 من القانون المدنى هى: "أن يتولى شخص عن قصد القيام بشأن عاجل لحساب شخص آخر، دون أن يكون ملزماً بذلك"، وتوسع نص المادة (189) من ذات القانون فى تعريف الفضالة إلى: "تتحقق الفضالة ولو كان الفضولى أثناء توليه شان لنفسه قد تولى شأن غيره لما بين الشأنين من ارتباط لا يمكن معه القيام بأحدهما منفصلا عن الآخر"، ومن هذا التعريف يمكن حصر أركان الفضالة فى 3 أركان هى – الكلام لـ"عادل".
1- أن يقوم الفضولى بشأن عاجل لشخص آخر "الركن المادى".
2- أن يقصد الفضولى فى قيامه بهذا الشأن العاجل مصلحة رب العمل "الركن المعنوى".
3- ألا يكون الفضولى ملتزما بالشأن العاجل ولا موكولاً فيه ولا منهياً عنه "الركن القانونى".
والشأن العاجل قد يكون عملا مادياً، أو تصرفاً قانونياً وفى الحالتين يشترط أن يكون عاجلاً، ويستوى فى التصرف القانونى أن يكون من أعمال الإدارة أو من أعمال التصرف، ومن صور قيام الفضولى بتصرف قانونى باسم رب العمل ولحسابه: أن يقبل الفضولى هبة صدرت من الواهب لرب العمل، أو أن يؤجر عيناً شائعة بينه وبين رب العمل، أو أن يبيع محصولات زراعية لرب العمل قبل تلفها، أو أن يفى بضريبة واجبة لرب العمل توقياً للحجز الإدارى.
فيما يصلح الفضالة؟
يثور التساؤل عن مدى صحة الفضالة فى التقاضى كأن يقوم الفضولى برفع دعوى باسم ولحساب رب العمل، أو يقوم بالطعن فى حكم صدر ضده، أو أن يستشكل فى حجز على منقولاته؟ للإجابة على هذا التساؤل يجب التفرقة بين عدة حالات أولها الفضالة فى الترافع أمام القضاء، وثانيها الفضالة فى رفع الدعوى، وآخرها الفضالة فى الطعن على الأحكام القضائية.
1- الفضالة فى التقاضى
وضعت المادة (702) من القانون المدنى شرط الترافع أمام القضاء، ونظمت المادتين 72 و73 من قانون المرافعات اجراءات المثول أمام القضاء عن الخصوم على النحو الآتى: تنص الفقرة الأولى من المادة 702 من القانون المدنى على أنه: "لا بد من وكالة خاصة فى كل عمل ليس من أعمال الإدارة، وبوجه خاص فى البيع والرهن والتبرعات والصلح والإقرار والتحكيم وتوجيه اليمين والمرافعة أمام القضاء"، وتنص المادة (72) من قانون المرافعات على أنه: "فى اليوم المعين لنظر الدعوى يحضر الخصوم بأنفسهم أو يحضر عنهم من يوكلونه من المحامين وللمحكمة أن تقبل فى النيابة عنهم من يوكلونه من أزواجهم أو أقاربهم أو أصهارهم إلى الدرجة الثالثة".
وتنص المادة 73 من ذات القانون على أنه
"يجب على الوكيل أن يقرر حضوره عن موكله وأن يثبت وكالته عنه وفقاً لأحكام قانون المحاماة، وللمحكمة عند الضرورة أن ترضى للوكيل فى اثبات وكالته فى ميعاد تحدده على أن يتم ذلك فى جلسة المرافعة على الأكثر"، ولما كان الركن الثالث من أركان الفضالة قد اشترط ألا يكون الفضولى منهياً عن القيام بالشأن العاجل، وكان نص المادة (702) من القانون المدنى قد نهى عن الترافع أمام القضاء إلا بوكالة خاصة عن الخصم فى الدعوى، الأمر الذى لا تقوم معه الفضالة فى الترافع أمام القضاء.
2- الفضالة فى رفع الدعوى
استقرت أحكام محكمة النقض على أنه: "الوكالة ليست شرطاً لرفع الدعوى ايذاناً ببدء استعمال الحق فى التقاضى باعتبار أن هذا الحق رخصة لكل فرد فى الالتجاء إلى القضاء"، وذلك طبقا للطعن رقم 593 لسنة 55 قضائية، وحيث أن الشأن العاجل الذى يقوم به الفضولى باسم رب العمل يستوى فيه أن يكون مادياً او تصرفاً قانونياً طالما أن الفضولى قد قصد القيام به لمصلحة رب العمل، وكان الشأن العاجل ليس ملزماً به الفضولى "برابطة تعاقدية" وليس موكولا فيه، وليس منهياً عنه سواء من رب العمل أو بحكم القانون.
كما أن القانون لم يشترط وكالة خاصة فى رفع الدعوى، فإذا قام شأن عاجل لشخص يستلزم رفع دعوى جاز لآخر فضولى أن يقوم برفع الدعوى طالما أنه ليس ملزماً بالقيام بهذا الإجراء ولا وكيلا عنه ولم يمنعه رب العمل من القيام بهذا الشأن، وتطبيقاً لذلك فى الدعوى – ومن أمثلة ذلك - قضت محكمة تنفيذ الإسكندرية فى الدعوى رقم 838 لسنة 2019 تنفيذ شرق الإسكندرية قبول إشكالاً أقامته زوجة المحكوم ضده، وقت اتخاذ إجراءات الحجز على منقولات زوجها، وقالت المحكمة إن الزوجة التى أقامت الاشكال لصالح زوجها هى فضولية عنه.
3- الفضالة فى الطعن فى الأحكام
وتنص المادة (211) من قانون المرافعات على أنه: "لا يجوز الطعن فى الأحكام إلا من المحكوم عليه ولا يجوز ممن قبل الحكم أو ممن قضى له بكل طلباته ما لم ينص القانون على غير ذلك"، إذن يشترط فى الطاعن الشروط الآتية:
1- أن يكون طرفاً فى الخصومة التى صدر فيها الحكم.
2- أن يكون محكوماً عليه.
3- ألا يكون قد قبل الحكم صراحة أو ضمناً.
القانون لم يمنع الفضولى من الطعن فى الأحكام
ظاهر النص يوحى بأنه لا فضالة فى الطعن فى الأحكام، ولكن حقيقة الأمر أن القانون لم يمنع الفضولى من الطعن فى الأحكام ونستدل على ذلك بالآتى:
1- الفضولى حينما يقوم بالطعن فى الحكم إذا وجد شأن عاجل يبرر ذلك كأن يتخذ المحكوم له اجراءات التنفيذ على أموال المحكوم عليه، وتوافرت باقى أركان الفضالة فإنه لا يطعن فيه لحسابه الشخصى وإنما لصالح المحكوم عليه وهذا هو جوهر الفضالة، فالطعن هنا يرتب أثره فى جانب المحكوم عليه لا فى جانب الفضولى، وهذا هو الحكم المنصوص عليه فى المادة 195 من القانون المدنى "يعتبر الفضولى نائب عن رب العمل....."، وهو ما يتفق مع النص المتقدم.
2- القانون لم يشترط الوكالة فى رفع الدعوى والطعن وإنما اشترط الوكالة فى تمثيل الخصوم أو الترافع عنهم أمام القضاء، وبالتالى فإن الفضولى ليس منهياً عن الطعن فى الحكم لحساب المحكوم عليه، وإنما منهياً عن الترافع أمام المحكمة فى موضوع الطعن.
خلاصة القول
تجوز الفضالة إذا توافرت أركانها فى رفع الدعاوى القضائية لحساب رب العمل، فضلاً عن الطعن فى الأحكام القضائية بالاستئناف والنقض والإشكال فى تنفيذ الأحكام، ولا تجوز الفضالة فى تمثيل الخصوم فى المرافعة أمام القضاء.