ضجة كبيرة أثارها الكاتب الصحفى إبراهيم عيسى بعد تصريحات تليفزيونية أنكر فيها حدوث واقعة "المعراج" للنبى "محمد"، الأمر الذى حمل معه غضب شعبى وجدل واسع عبر مواقع التواصل الاجتماعى، تم ترجمته في الساعات التالية للواقعة إلى بلاغات ضد الكاتب الصحفى تطالب بوقفه عن العمل الإعلامى ومحاسبته بتهم استغلال الدين الإسلامي في الترويج لأفكاره المتطرفة والمغلوطة.
تلك التهم طرحت تساؤلات عديدة حول هل يواجه الكاتب الصحفى عقوبة ازدراء الأديان؟، وهل تصريحات عيسى تندرج تحت بند حرية الرأي والتعبير أم تصل لحد الازدراء للدين ونشر الفتن في المجتمع، بل وفتحت جدلا أوسع لا ينتهى عن قوانين ازدراء الأديان في الدول العربية، وتعريف تلك التهمة من قبل المشرعين، والعقوبات التي قد تطال المتهمين بتلك التهم والتي تصل إلى حد الإعدام في بعض الدول.
وبشكل عام، يشير ازدراء الأديان إلى الكلام بشكل مسيء عن الذات الله أو الأنبياء، أو عدم إبداء احترام تجاه شخصيات مقدسة ورموز أو معتقدات دينية، وتختلف دقة التعريف من دولة إلى آخرى على حسب رؤية المشرعين لها ونصوص الدساتير الوطنية في حين أنها مجرمه في غالبية الدول، وتعتبر جريمة يعاقب عليها بعقوبات مشدده تصل إلى حد الإعدام في عدة دول إسلامية وكذلك في بعض دول جنوب شرق آسيا، لا سيما أفغانستان وإيران ونيجيريا وباكستان والصومال.
عقوبات مشددة فى بعض الدول:
وفى المملكة العربية السعودية تستند القوانين إلى الشريعة الإسلامية التي تجرّم الردة، والتي تجعل من كل أشكال الإساءة إلى الدين جريمة، قد تصل عقوبة بعضها إلى الإعدام، أما السودان فتعاقب من يقوم بإزدراء الأديان بأى طريقة بالحبس مدة ستة أشهر، أو الغرامة، أو الجلد 40 جلدة، إضافة لتلك المادة فإن القانون السوداني يضم مادة حول الردة، ويحكم بالإعدام على كل من يترك الإسلام أو يعلن ما يفيد تركه الإسلام، وهذا إذا لم يتراجع عن موقفه قبل تنفيذ الحكم.
وفى العام 2018 شهدت باكستان التي تمتلك قانونا مشددا في هذه التهمة جدلا كبيرا بعد إصدار المحكمة قرارا بإعدام الباكستانية آسيا بيبي المتهمة بـ"الكفر والازدراء" بعد لفظها لاسم النبي محمد، إلا أنها اضطرت إلى إلغائه بعد موجة استنكار للجهات الحقوقية الداخلية والمنظمات الدولية، ويعود القانون الباكستانى إلى العام 1986 وتصل العقوبة فيه إلى حد الإعدام.
دول تعتمد الحبس أو الغرامة عقابا للازدراء:
وينص قانون الجزاء الكويتي على أن "كل من أذاع، بإحدى الطرق العلنية آراء تتضمن سخرية أو تحقيراً أو تصغيراً لدين أو مذهب ديني، سواء كان ذلك بالطعن في عقائده أو في شعائره أو في طقوسه أو في تعاليمه، يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز سنة واحدة وبغرامة لا تجاوز ألف دينار (3,400 دولار) أو بإحدى هاتين العقوبتين".
وحدد المشرع المصرى في المادة 98 من قانون العقوبات المصري عقوبة السجن مدة تراوح بين 6 أشهر و5 أعوام وغرامة تراوح بين 70 و140 دولاراً لكل “من استغل الدين في الترويج أو التحبيذ بالقول أو بالكتابة أو بأية وسيلة أخرى لأفكار متطرفة بقصد إثارة الفتنة أو تحقير أو ازدراء أحد الأديان السماوية أو الطوائف المنتمية إليها أو الإضرار بالوحدة الوطنية".
وفى المغرب يعاقب الفصل 267 من مجموعة القانون الجنائي بالحبس من ستة أشهر إلى سنتين، وغرامة من 20 ألفا إلى 200 ألف درهم، أو بإحدى العقوبتين “كلّ من أساء إلى الدين الإسلامي أو النّظام الملكيّ أو حرّض ضدّ الوحدة التّرابيّة للمملكة.
ازدراء الأديان في أوروبا:
ويعتقد البعض أن تهمة إزدراء الأديان لها وجود في الدول العربية والإسلامية فقط، بل على العكس هناك العديد من الدول الأوروبية تحمل في جعبتها التشريعية مواد تٌعاقب مزدرى الأديان، وعلى الرغم من أن العقوبات تم تخفيفها بشكل كبير في الفترة الماضية على خلفية حملات حماية حرية الرأي والتعبير من جانب، وتراجع قبضة الكنيسة عن الدول المدنية من جانب آخر، إلا أن العقوبات لاتزال موجوده ولو بالغرامة أو الحبس.
ومنذ العام 2015 قامت أغلبية الدول الأوروبية بمراجعة قوانينها التي كانت تٌقر عقوبات مشدده على إزدراء الأديان،ووفقا للتعديلات الحديثة أصبحت الدول الأوروبية تتعامل مع الازدراء على أساس أنه جناية يعاقب عليها القانون بغرامة أو سجن لكن دون اللجوء إلى عقوبة مشددة، كما هي الحال في 12 دولة أوروبية.
وفى العام 2018 أجرت أيرلندا استفتاء تم التصويت فيه على إلغاء جريمة الازدراء والكفر وتمت إزالته من الدستور بعد أن أيد 65% من الناخبين هذا التغيير، أما في المملكة البريطانية، ألغت إنجلترا جريمة التجديف منذ نحو 10 سنوات في حين بقي القانون ساريا في اسكتلندا وإيرلندا الشمالية.
وفى إيطاليا يحظر القانون الحالي التشهير بشأن الأديان التي تعترف بها الدولة الإيطالية، وفي الدنمارك، صوت البرلمان في العام 2017 لصالح إلغاء القانون الذي يرجع إلى نحو مئة عام تقريبا، ويقضي بمعاقبة من تثبت إدانته بإهانة أو تشويه شخص أو شيء يعتبر دينيا أو محرما أو مقدسا، بالسجن لمدة أربعة أشهر أو الغرامة.
وخلال العشر سنوات الماضية برز خلافا أكبر يتجاوز الحدود والقوانين الوطنية، بين الدول الغربية التي اتجهت نحو تخفيف أو إلغاء عقوبات ازدراء الأديان باعتبارها تقتص من حرية الرأي والتعبير، وبين الدول الإسلامية التي طالبت المجتمع الدولى في المقابل بتبني قانون أممي لتجريم ازدراء الأديان في ظل ظهور بعض القضايا التي تسئ إلى الأديان تحت زريعة حرية الرأي، في مقدمتها قضية صحيفة شارلى إيبدو الشهيرة التي أعادت نشر صور مسئية للرسول.