آثار الإعلامي إبراهيم عيسى، عاصفة انتقادات فى الشارع المصرى وعلى مواقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك – تويتر"، بعد نفيه صحة حدوث واقعة المعراج للنبي "محمد" في برنامجه التليفزيوني على إحدى القنوات المصرية، قال عيسى إن الإسراء والمعراج "قصة وهمية كاملة، كتب السيرة والتاريخ والحديث هي من تقول ذلك، لكن هو يصدر لك الكتب التي تقول إنها حدثت، أما التي تنفي حدوث المعراج لا يتم الإشارة لها"، واصفا ما ورد عن "المعراج" بأنه "دعائي وغير حقيقي".
وفى تلك الأثناء – قامت الدنيا ولم تقعد من جراء هذه التصريحات المتلفزة وهو الأمر الذي يثار في كل عام مع اقتراب ذكرى الاحتفال بتلك المناسبة يوم 27 رجب باعتبار أنه "جدل موسمى"، ما أدى إلى خروج دار الإفتاء المصرية في حسابها في تويتر لتؤكد: "رحلة الإسراء والمعراج حَدَثت قطعًا ولا يجوز إنكارها بحال من الأحوال"، ورد مركز الأزهر العالمى للفتوى الإلكترونية، في صفحته على فيسبوك بأن: "الإسراء والمعراج من معجزات سيدنا رسول الله ﷺ المتواترة، الثابتة بنص القرآن الكريم فى سورتى "الإسراء" و"النجم"، وبأحاديث السنة النبوية المطهرة فى الصحيحين والسنن والمسانيد ودواوين ومصنفات السنة.
الأزهر يدخل على الخط للرد على إبراهيم عيسى
مركز فتوى الأزهر أضاف أن رحلة الإسراء والمعراج انعقد على ثبوت أدلتها ووقوع أحداثها إجماع المسلمين فى كل العصور، بما لا يدع مجالا لتشكيك طاعن، أو تحريف مرجف، وأن محاولات الطعن البائسة فى صحابة سيدنا رسول الله... جرم محرم، وجرأة مستهجنة ومرفوضة، ودرب من التجاوز البغيض والمستنكر"، بينما خرج المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام ليسجل موقفه هو الأخر بقوله إنه بصدد إعداد تقرير بشأن ما ورد في البرنامج الذي يقدمه إبراهيم عيسى، تمهيداً لاتخاذ إجراء قانونى حال وجود مخالفة للأكواد الإعلامية التى أصدرها المجلس، حسب بيان له.
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد – بل خرج العديد من نواب البرلمان المصري ليستنكروا ما قاله "عيسى" وعلى رأسهم زميل المهنة وصديق رحلة الكفاح في بلاط صاحبة الجلالة وعضو مجلس النواب، مصطفى بكري الذي أكد أن هذا الكلام خطير، وأنه محاولة هدفها "إشاعة أجواء من الفتنة، والتشكيك في ثوابت الدين، وإهانة الرموز، بما يخالف نصوص الدستور والقانون"، ودعا بكري في حسابه على تويتر، إلى تحرك فوري لمحاسبة عيسى على ما اعتبره "جرائم علنية"، حسب تعبيره.
فنانون وبرلمانيون يتخلون عن إبراهيم عيسى
وكانت المفاجأة بالنسبة للإعلامي إبراهيم عيسى حينما أعلن الممثل المصري مصطفى درويش، اعتذاره عن فيلم "الملحد"، الذي جاء من تأليف الكاتب إبراهيم عيسى الذي تناول عدد من القضايا الدينية باستهزاء وسخرية من الدين الاسلامي، عبر موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، حيث علق درويش:" قررت أنا مصطفي درويش بمقاطعه اي برنامج لإبراهيم عيسي، والاعتذار عن فيلم الملحد اللي صورت فيه 4 أيام بسبب أن مؤلف القصة هو ابراهيم عيسي لان واضح أن الحرب دي ممنهجة وانا مقبلش ابدا اكون اداه للحرب ضد ديني ولو الثمن هيكون ايه، اسف جدا وبعتذر لكل فريق العمل مش هاكمل في القرف ده"، مضيفا: "فيلم الملحد قصة مافيهاش أي حاجة تشجيع على الإلحاد، علشان بس احترام لصناع العمل وأبطاله".
ومن هنا كانت نقطة الانطلاقة والشرارة الأولى التي انهالت العديد من البلاغات والشكاوى للنيابة العامة من خلال وحدة الرصد الإلكتروني التابعة لمكتب النائب العام المستشار حماد الصاوى، حيث تقدم كل من المحاميون فهمي بهجت ومحمد رشوان والدكتور أسلام خضير والدكتور فرج الخلفاوى، للتحقيق مع الإعلامي ابراهيم عيسى يتهمون فيه بازدراء الدين الإسلامي ونشر الفتنة والتعدي على قيم المجتمع المصرى، وذلك على خلفية إثارة "عيسى" الجدل وحديثه عن حقيقة الإسراء والمعراج مؤخرًا التى أثارت الرأي العام المصرى.
بلاغات للنيابة العامة.. وجهات التحقيق تفتح التحقيق
وبسبب التحرك القانوني وعلى الفور - أمر المستشار حمادة الصاوى النائب العام باتخاذ إجراءات التحقيق فى البلاغات التي قُدّمت إلى النيابة العامة ضدَّ الإعلامي "إبراهيم عيسى "، وستُعلِن النيابةُ لاحقًا عما ستُسفر عنه التحقيقات.
اعتناق ما يشاء من الأفكار والمعتقدات
بينما أكد الخبير القانوني والمحامي بالنقض الدكتور ياسر الأمير فاروق – أن للإنسان الحق في اعتناق ما يشاء من الأفكار والمعتقدات أو حتى الأديان السماوية سواء أكان الإسلام أم المسيحية أم اليهودية وتنبع تلك الحرية من حرية الاعتقاد المكفولة دستوريا، كما أن من حقه باعتباره أحد أفراد المجتمع ألا يتهكم أحد أو يسخر مما يعتنقه من دين أو يحط من شأن وقدر الرسل والأنبياء الذين بلغوا الدين الذي يعتنقه للبشرية، إذ يعد التهكم والانكار والسخرية من الرسل والمعتقدات طعن في الدين ذاته.
وبحسب "فاروق" في تصريحات لـ"برلماني": غير أن كل ذلك لا يستدعي استعداء القانون لفرض جزاء جنائي علي المخالف، إذ لا ينشط القانون لفرض ذلك الجزاء إلا إذا ترتب على الإنكار والتهكم والسخرية زعزعة استقرار المجتمع من خلال ترويج الجاني أو تحبيذه لمثل هذا الطعن في الأديان، ولو تحت ستار مموه أو مضلل من الدين وقصد الجانى من الطعن إثارة الفتنة أو تحقير أو ازدراء أحد الأديان السماوية أو الطوائف المنتمية إليها أو الإضرار بالوحدة الوطنية أو السلام الاجتماعي بغض النظر عن وسيلة هذا الطعن، ولو كان من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، غاية الأمر أن المشرع قد يجرم الطعن بوجه عام في الأسس التي تنهض عليها الأسر المصرية أن حدث من خلال هذه المواقع بما يشمل ازدراء ما تعتنقه تلك الأسر من أديان سماوية وهو ما نحاه المشرع في قانون جرائم تقنية المعلومات.
ازدراء الأديان من خلال مواقع التواصل الاجتماعي
ووفقا لـ"فاروق": ازدراء الأديان سواء من خلال شاشات التلفاز أو الجرائد أو حتى من خلال مواقع التواصل الاجتماعي حيث أنه لا يعترض علي التجريم والعقاب بالتمسح بحرية الاعتقاد المكفولة بمقتضى الدستور، إذ تلك الحرية تكون بين الإنسان ونفسه ولا تخول لصاحبها إيذاء الناس فيما يعتقدوه أو يأمنوا به من أديان سماوية، فالإنسان حر مالم يضر، ولهذا قضت محكمة النقض بأنه حرية الاعتقاد لا تبيح لمن يجادل في أصول دين من الأديان أن يمتهن حرمته أو يحط من قدره أو يزدريه عن عمد منه ، فإذا ما تبين أنه كان يبتغي بالجدل الذي أثاره المساس بحرمة الدين والسخرية منه، فليس له أن يحتمي من ذلك بحرية الاعتقاد، طبقا للطعن رقم 21602 لسنة 84 قضائية.
ولهذا وضع المشرع جريمة ازدراء الأديان في الباب الثاني من الكتاب الثاني من قانون العقوبات تحت عنوان - الجرائم المضرة بأمن الدولة من جهة الداخل - إذ نصت المادة 98 "و" على أن: "يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر ولا تجاوز 5 سنوات أو بغرامة لا تقل عن 500 جنيه، ولا تجاوز 1000 جنيه كل من استغل الدين في الترويج بالقول أو بالكتابة أو بأية وسيلة أخرى لأفكار متطرفة بقصد إثارة الفتنة أو تحقير أو ازدراء أحد الأديان السماوية أو الطوائف المنتمية إليها أو الإضرار بالوحدة الوطنية" – الكلام لـ"فاروق".
المشرع وضع قانونى العقوبات وتقنية المعلومات لمواجهة ازدراء الأديان
كما نصت المادة 25 من قانون جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018 علي أن: "يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر، وبغرامة لا تقل عن 50 ألف جنيه ولا تجاوز 100 ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من اعتدى على أى من المبادئ أو القيم الأسرية فى المجتمع المصرى"، وهذا النص يتسع في تأويله لمن ينتهك قيم الأسر المصرية التي يسود فيها الإسلام والمسيحية بل واليهودية من خلال ما يعتنقوه من إحدى هذه الأديان.
وجريمة ازدراء الأديان أو بالأحرى استغلال الدين في الترويج لأفكار متطرفة المنصوص عليها في المادة 98 " و " من قانون العقوبات تتطلب لتوافرها ركناً مادياً هو الترويج أو التحبيذ بأية وسيلة لأفكار متطرفة تحت ستار مموه أو مضلل من الدين آخر معنوياً بأن تتجه إرادة الجاني لا إلى مباشرة النشاط الإجرامي وهو الترويج أو التحبيذ فحسب، وإنما أيضا أن تتوافر لديه إرادة تحقيق واقعة غير مشروعة وهى إثارة الفتنة أو تحقير أو ازدراء أحد الأديان السماوية أو الطوائف المنتمية إليها أو الإضرار بالوحدة الوطنية أو السلام الاجتماعي، وذلك طبقا للطعن رقم 41774 لسنة 59 قضائية – هكذا يقول "فاروق".
ويضيف: غير أنه ينبغي أن يلاحظ في هذا الشأن أن المشرع الجنائي لم يشرع بالمادة 98 "و" للعقاب على من يفكر في الدين ويجتهد برأيه ولو أسلمه التفكير إلى الخطأ، وإنما وضعت المادة 98 لعقاب من يستغل الدين في الترويج لأفكار متطرفة بقصد تحقير الدين وازدراءه مثل قتل من يخالف الدين أو يعتنق دين آخر أو من يومن بمذهب معين وإحلال العنف محل المجادلة بالحسنى والتصفية الجسدية، ولكنها لم تشرع لعقاب من يخالف رأي فقية أو أمام مهما بلغ قدره وعلي شأنه علم، ليس هذا فحسب بل يجب أن تكون غايه الجاني آثاره الفتنة أو تحقير الدين أو الإضرار بالوحدة الوطنية، ويجب التفرقة بين النص الديني وتأويله، فالاعتراف بالنص مع الشذوذ في تأويله لا غبار عليه.
والمشرع اعتبر الجريمة من جرائم "أمن الدولة"
ولهذا فإن الطعن في صواب رأي آئمة السلف بشأن بعض المسائل الدينية وانتقادهم أو ما نقلوه من أحاديث نبوية شريفة ولو كان بالتجريح ليس محل عقاب سواء تحت نصوص القذف والسب، لأنه لا قذف في حق الأموات ولا تحت نص ازدراء الأديان لأنه لا يستغل الدين في الترويج لازدرائه، ولكن الأمر يختلف بالنسبة للرسل والانبياء، إذ التجريح فيهم بما يؤثر علي ما حملوه من رسالة رب العالمين إلي البشرية يعد طعن في الدين ذاته من خلال احتقاره، كمن يطعن في أن المصطفي صلي الله عليه وسلم دجال أو لم يتلق القرآن من السماء، وإنما اصطنعه من عنده أو نقله من بشر مثله.
ولكن إنكار بعض الأحاديث النبوية التي وردت في كتب السلف والجهر بذلك لا ينطوي على استغلال الدين ولا ازدراءه ذلك أن أئمة المسلمين ذاتهم اختلفوا في تلقى السنة حقاً أننا جميعاً كمسلمين متفقون على أن السنة هي الأصل الثاني للدين، وما كان لمسلم أن يرفضه بعد قوله تعالى "من يطع الرسول فقد أطاع الله"، ولكن الخلاف بين الأئمة نشأ من أن بعضهم قد يصل إليه حديث لا يصل إلى غيره، كما أنهم يختلفون في شروط قبول الحديث، فالشيعة الأمامية - مثلاً - لم يقبلوا إلا الأخبار التي تعود بإسنادها إلى آل البيت ولم يقبل الخوارج إلا الأحاديث التي رويت قبل الفتنة في عهد عثمان بن عفان - رضي الله عنه - أما جمهور أهل السنة، فإنهم يقبلون الأحاديث الصحيحة كلها لكنهم اشترطوا شروطاً، فمنهم من قبل روايات الآحاد، ومنهم من اشترط موافقة الحديث لعمل أهل المدينة، ومنهم من اشترط شروطاً في الرواة أو شروطاً في المتن "نص الحديث"، وكما وقع الخلاف في قبول الأحاديث وقع الخلاف في فهم معناه.
لا اعتداد بالوسيلة التي لجأ اليها الجنائي في ازدراء الدين
ويلاحظ أنه إذا وقعت جريمة ازدراء الأديان من خلال وسائل الاعلام أو مواقع التواصل الاجتماعي كان نص المادة 98 "و" عقوبات هو المرشح للتطبيق دون نص المادة 25 من قانون جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لسنه 2018 علي اعتبار أن نص المادة 98 وعقوبات من النصوص الخاصة، إذ صرح المشرع في تلك المادة بأنه لا اعتداد بالوسيلة التي لجأ اليها الجنائي في ازدراء الدين محدد نمط محدد في الانتهاك وهو الاعتداء على أحد الأديان السماوية في حين أن نص المادة 25 من قانون جرائم تقنية المعلومات جاء عام في انتهاك قيم المجتمع دون تحديد نمط انتهاك بعينه ومن المعلوم أن الخاص يقيد العام.
وعلى الرغم من أن مثل هذه الصراعات مازالت قائمة إلا أنه يمكن القول بأن القرن العشرين قد شهد بعض التقدم حيث تم الإقرار ببعض المبادئ المشتركة الخاصة بحرية الديانة أو المعتقد واحترامها، وقد اعترفت الأمم المتحدة بأهمية حرية الديانة أو المعتقد فى الإعلان العالمى لحقوق الإنسان الذى اعتمد عام 1948، حيث تنص المادة 18 منه على أن: "لكل إنسان حق فى حرية الفكر والوجدان والدين ويشمل ذلك حريته فى أن يدين بدين ما، وحريته فى اعتناق أى دين أو معتقد يختاره".