لما صارت الزوجة صاحبة حق خالص وأصيل فيما تعلق بالخلع، يقابل حق الزوج في الطلاق بإرادته المنفردة، فإن احتمال تعسفها وخروجها عن سلوك الزوجة السوية أمر وارد، واحتمال تضرر زوجها منه أيضا وارد وبشدة في ظل انتشار ظاهرة المشاكل الأسرية التي يقابلها تطور في التشريعات للتصدي لكل ما هو جديد من ألاعيب الطرفين ضد بعضهما البعض.
لكن ورغم ذلك، فالعديد من التشريعات العربية لم تفرض على الزوجة أي تعويض نتيجة التعسف في استعمال حق الخلع، بل بالعكس من ذلك، فقد أعفاها من تسبيب طلبها له، فيكفي أن تؤسسه على كونها لا تطيق زوجها فحسب - سواء كان ذلك صحيحا أم لا - وبالتالي إقصاء عبارة التعسف من دائرتها مطلقا، مما ينجر عنه حرمان الزوج من إمكانية مطالبته بالتعويض عن الضرر الذي قد يلحقه.
هل من حق الزوج التعويض عن التعسف في استعمال حق الخلع؟
في التقرير التالي، يلقى "برلمانى" الضوء على إشكالية في غاية الأهمية تهم ألاف إن لم يكن ملايين الأزواج المتضررين تتعلق بحق الزوج في التعويض عن التعسف في استعمال حق الخلع، وذلك في الوقت الذي يعد فيه الخلع هو حل عقدة الزوجية بلفظ الخلع أو ما في معناه في مقابلة عوض تلتزم به الزوجة كأن يقول الزوج: "خالعتك على 100 جنيه"، فتقول: "قبلت"، فبمجرد قبولها تطلق طلقة بائنة وتلزمها الـ 100 جنيه وتترتب سائر أحكام الخلع – بحسب الخبير القانوني المتخصص في الشأن الأسرى والمحامي هشام الكودى.
في البداية - إذا كان الخلع مقرر ومباح في الشريعة الإسلامية إذا ما بغضت الزوجة العيش مع زوجها فأباح لها الشرع طلب مخالعة الزوج على بدل يتم الاتفاق عليه إلا أنه في وقتنا الحاضر والمتتبع لقضايا الخلع أمام المحاكم المصرية والتي هي كل يوم في ازدياد نجد أنه قد تم إساءة استعمال هذا الحق من قبل الزوجة، فأصبح الخلع القناع الذي تخفي وراءه المخالعة رغبتها في فك رابطة الزوجية لأسباب شرعية وغير شرعية – وفقا لـ"الكودى".
الخلع القناع الذي تخفي وراءه المخالعة رغبتها في فك رابطة الزوجية بسبب وبدون سبب
والعديد من الدستوريين والقانونيون يرون أن قانون الأحوال الشخصية الحالي سلب كل سلطة للزوج، وقاضي الموضوع في النظر في أسباب الخلع أو تقدير قيمة البدل، فأصبحت دعوي الخلع أقرب إلى كونها دعوي اجرائية تنحصر سلطة القاضي فيها في التحقق من استيفاء إجراءاتها الشكلية والتي يسبقها إنذار من الزوجة برد مقدم الصداق - والذي يكون عادة مبلغ زهيد لما جري عليه العرف - إذ لا يتجاوز في أغلب الحالات بضعة جنيهات - ثم أثناء نظر الدعوي يثبت القاضي إقرار الزوجة المخالعة بالتنازل عن مؤخر الصداق ورغبتها في الحكم لها بالخلع والتنازل عن المؤخر والحقوق الأخرى مثل العدة والمتعة – الكلام لـ"الكودى".
وبعد ذلك لا يملك قاضي الموضوع سلطة إلا الحكم بإيقاع الخلع، وبناء على ما سبق يبقي السؤال.. هل يحق للزوج المخلوع المطالبة بتعويض عن حل رابطة الزوجية عن طريق الخلع إذا ما ثبت أن الزوجة تعسفت في استعمال حقها؟ ولاسيما وأن الزوج في كثير من الحالات قد يصاب بأضرار مادية ونفسية كبيرة نتيجة هذا الخلع.
للإجابة على هذا التساؤل – يقول "الكودى" - أنه وأن كان من حق الزوجة طلب الخلع مستعملة في ذلك حقها الذي أعطاه لها الشريعة والقانون تماشيا مع القاعدة الفقهية التي تقول الجواز الشرعي ينافي الضمان، وبالتالي فإن الأصل أنه لا مسئولية عليها لأن الإنسان إذا ما استعمل حقه بإذن الشارع واباحته، فإن ذلك الإذن ينافي الجزاء والعقوبة، ولكن من جهة أخرى نجد أن الحق شئ واستعماله شئ آخر، بمعنى أنه وإن كان القانون قد اعطي حقا معينا إلا أنه يجب أن يتم استعمال هذا الحق في الحدود المقررة له بعيدا عن التعسف في استعماله.
رأى محكمة النقض في التعسف في استعمال الحق
وفي هذا الشأن – سبق لمحكمة النقض وأن قضت في حكم لها بأن: "المسألة بالتعويض قوامها خطأ المسئول وأنه وإن كان استخلاص الخطأ الموجب للمسؤولية من مسائل الواقع التي يقدرها قاضي الموضوع إلا أن وصف الفعل أو الترك بأنه خطأ يخضع لرقابة محكمة النقض وأن النص في المادة الخامسة من القانون المدني جرت على أن: يكون استعمال الحق غير مشروع في الأحوال الاتية: إذا كانت المصالح التي يرمي الي تحقيقها قليلة الأهمية بحيث لا تتناسب البتة مع ما يصيب الغير من ضرر بشأنه"، يدل على أن المشرع اعتبر نظرية إساءة استعمال الحق من المبادئ الأساسية التي تنظم نواحي وفروع القانون والتعسف في استعمال الحق لا يخرج عن إحدى صورتين، إما بالخروج عن حدود الرخصة أو الخروج عن حدود الحق ففي استعمال الحقوق، كما في اتيان الرخص يجب عدم الانحراف عن السلوك المألوف للشخص العادي"، وذلك طبقا للطعن 10904 لسنة 81 ق جلسة 6/5/2018.
وعلى ذلك فإن مفاد المادتين الرابعة والخامسة من القانون المدني تدلان على أن التعسف في استعمال الحق المتمثل في صورة الانحراف عن حدود الرخصة يعد خطأ يوجب التعويض وفقا لأحكام المسئولية التقصيرية، ولما كان الأمر كذلك وكان القانون قد اعطي للزوجة الحق في طلب الخلع دون توقف على ارادة الزوج أو إعطاء سلطة للقاضي في تقدير مبرراته وكان هذا الحق - والرجوع الي القواعد العامة في القانون المدني - يجد حده في الاستعمال المشروع له وألا يتم استعماله بصورة تعسفيه، وبالتالي فإنه إذا ما ثبت أن المخالعة قد تعسفت في استعمال حقها فإنه يحق للزوج المخلوع في هذه الحالة طلب التعويض.
أضرار تصيب الزوج نتيجة المخالعة تستحق التعويض
ولا شك أن الزوج المخلوع يصاب بالكثير من الأضرار جراء هذا الأمر ولاسيما إذا كانت الزوجة المخالعة حاضنة، إذ أنها سوف تنفرد بمسكن الزوجية وعلى الزوج في هذه الحالة البحث عن مسكن بديل بديلا لذلك المسكن الذي اسسه وجهزه وأنفق عليه، فانفردت به من خلعته، هذا بالإضافة إلى طلب الزوجة المخالعة قيمة منقولات الزوجية أو ردها جديدة وإن لم يفعل الزوج فسوف يحكم عليه بالحبس.
ولا ننسى في هذا المقام الأطفال الذين يعتبروا في رأيي أكثر المضرورين في هذه العلاقة، ونحن في هذا المقام نتحدث فقط عن الزوجة التي تسئ استخدام هذا الحق وتتعسف فيه ليس بسبب خطأ من الزوج، وإنما لرغبتها في فك رابطة الزوجية لأسباب شرعية وغير شرعية، فلا يسعنا في هذا المقام إلا المطالبة بتقرير حق الزوج في التعويض عن هذا الخلع.