أعادت واقعة القبض على المتهم أحمد أبو النصر، الشهير بـ"طبيب الكركمين"، فتح ملف تداول الأدوية والنباتات والأغذية المغشوشة وطرحها وعرضها للبيع، فضلا عن مستحضرات ومستلزمات طبية لم يصدر قرارٌ من وزير الصحة أو أيّ جهة معنية أخرى بتداولها، واحالته للمحاكمة الجنائية، ما يؤكد معه أن ظاهرة غش الادوية لازالت ظاهرة تعكس وجهًا قبيحًا لسلوك بعض بني البشر ترتكبها قلة، فتعاني منه الكثرة وتثرى منه فئة جشعة مجرمة لتدفع فئات شريفة كادحة ثمن ذلك الثراء السريع والربح الوفير مالًا ودمعًا ودمًا دون وازع من ضمير أو دين، ولو كان ذلك على جثث الآخرين.
وغش الأدوية في حقيقة الأمر يرتب آثارا وانعكاسات ضارة ليس على صعيد الاستقرار التِّجاري فحسب وإنما على صحة الإنسان والبيئة، فضلًا عن إضراره بسمعة الدول الائتمانية؛ ولذلك تحرص الدول على مواجهة هذه الظاهرة بشتى السبل والوسائل للحد منها ومعالجتها حفاظًا على الإنسان والبيئة وحمايةً لمراكز الدول وسمعتها التجاريَّة، والحقيقة أن الدولة تسعى خلال الفترات الأخيرة للسيطرة على فوضى بيع الأدوية المغشوشة، وغير المطابقة للمواصفات، التي يُقدرها خبراء الصحة بأنها تمثل 10% من حجم سوق الدواء، وللحفاظ على صحة المواطنين ومحاسبة مرتكبي الجرائم والتصدي لمصانع بير السلم.
الكركمين والأدوية المغشوشة بين التشريع وانفاذ القانون
فقد سبق - وأن تقدم أكثر من 60 نائبًا بمجلس النواب بمشروع قانون لتغليظ عقوبة الغش في الدواء، واعتبارها جريمة "قتل عمد"، ومشروع القانون، المطروح تحت قبة البرلمان، أدخل تعديلات على قانون قمع الغش والتدليس رقم 48 لسنة 1941، لتكون العقوبة غرامة 500 ألف جنيه والحبس مدة لا تقل عن 3 سنوات، وتصل إلى الأشغال الشاقة المؤبدة، حسب الضرر الناتج، وذلك بدلًا من الحبس سنة وغرامة 5 آلاف جنيه، حسب الضرر الذي يترتب عليه تعاطى الدواء، كما نص مشروع القانون على اعتبار جريمة بيع وتداول أدوية مغشوشة جريمة "قتل عمد".
جاءت التعديلات الأخيرة فى ظل انتشار واسع للأدوية مجهولة المصدر والمغشوشة فى سوق الدواء المصري، خاصة وأن "مافيا الدواء" يستغلون أزمة نقص بعض الأدوية التي تظهر بين حين وآخر للترويج لبضاعتهم المغشوشة وخداع بعض المواطنين بالحملات الترويجية التى يتم الاستعانة بها عبر مواقع التواصل الاجتماعي لبيع هذه الأدوية، حيث أصبح الإنترنت ساحة كبيرة لتسويق الأدوية المجهولة التى لا تتكيف مع المواصفات الصحية والتى يتم بيعها أحيانًا بمضاعفة قيمتها الحقيقية أو أرخص من الأسواق بهدف الترويج.
أول قانون صدر لمواجهة الغش والتدليس 1948
من جانبه - يقول الدكتور فرج الخلفاوي، أستاذ القانون بكلية الحقوق، جامعة حلوان - إن غش الدواء من أخطر الجرائم التي تعرض صحة الإنسان وروحه للخطر، وينعكس أثره سلبا بصورة مباشرة على قدرة الشعب على العمل والبناء، ويقوض الجهود التي تبذلها الدولة في سبيل كفالة أداء الخدمات الصحيَّة، وينال من سمعة الجودة والفعالية التي يتمتع بها الدواء المصري في السوق العالمية؛ مما يلقي بظلال سيئة على التصدير والاقتصاد الوطني.
وبحسب "الخلفاوى" في تصريح لـ"برلماني": منظمة الصحة العالمية أكدت في إحصائية حديثة أن حجم الأدوية المغشوشة في الدول المتقدمة يصل إلى حوالي "1%"، وفي إفريقيا يصل إلى "30%"، وأن حجم الأدوية المغشوشة في العالم يتراوح ما بين "10% وحتى 30%" ، وهي تؤدي إلى وفاة ما يقرب من 2000 شخص يوميا؛ وتنتشر الأدوية المغشوشة في كل مكان في العالم ، وتمثل مشكلة أكبر بكثير في المناطق التي لا تتوافر فيها أنظمة رقابية ووسائل إنفاذ متعلقة بتداول الأدوية، وفي الدول الصناعيَّة ومع توافر أنظمة تشريعية فعالة وآليات مراقبة للأسواق تنخفض آثار تلك الأدوية لدرجة كبيرة لتصل إلى "1%" من القيمة السوقية.
عدم كفاية قانون العقوبات لمواجهة جريمة غش الأدوية
ووفقا لـ"الخلفاوى": وعلى الرغم من أن قانون العقوبات هو القانون العام في مجال التجريم والعقاب، إلا أنه قد تبين في بعض الأحوال عدم كفايته لمواجهة صور وأشكال الجرائم الجديدة في الوقت الحالي، ولذلك كان لا بد من تدخل المشرع بطرق أكثر منهجية ومنطقية تسمح بمواجهة كل حالات الغش والخداع عن طريق سن القوانين التي تضرب بيد من حديد على أيدي الغشاشين في كل مكان، وقد أدرك المشرع المصري خطورة التدليس والغش منذ بداية أربعينيات القرن الماضي، فأصدر في شأن مكافحته القانون رقم 48 لسن 1941 بشأن قمع الغش والتدليس، وجعل نطاقه شاملا لكافَّة السلع، بما في ذلك أغذية الإنسان والحيوان والعقاقير والنباتات الطبية والأدوية والحاصلات الزراعية والمنتجات الطبيعية والمنتجات الصناعيَّة .
وعلى أثر زيادة حالات الغش في الأدوية وتنامي خطورتها أصدر المشرع المصري القانون رقم 281 لسنة 1994 لتعديل بعض أحكام قانون قمع الغش والتدليس رقم 84 لسنة 1941، ونص المشرع المصري في قانون قمع الغش والتدليس رقم 281 لسنة 1994 في المادة الثانية من القانون - على أن الغش ينصب على 6 أنواع من الأشياء والمواد لتكون محلًّا للحماية الجنائيَّة، فلم يكتفِ بأن تكون الحماية من الأضرار المهددة للصحة العامة من المنتجات الضارة فقط، بل تطرقت الحماية إلى مكافحة الغش الواقع على كل المواد التي لها اتصال بحياة الإنسان أو الحيوان لتصبح الحماية شاملة النباتات الطبية، والأدوية – الكلام للخبير القانوني.
قانون قمع التدليس والغش رقم 281 لسنة 1994
وقد جاءت أحكام قانون قمع التدليس والغش رقم 281 لسنة 1994 تسري على غش الأدوية والعقاقير والنباتات الطبية وكافَّة المستحضرات الصيدلية، وجرمها وشدد العقوبات في جرائم غش الأدوية، سواء السالبة للحرية أو الغرامة؛ فجعل عقوبة الحبس وجوبية، وزاد عقوبة الغرامة في حديها الأدنى والأقصى عن جرائم غش الأدوية المنصوص عليها بالقانون، وهي:
1- جريمة التدليس وخداع المتعاقدين.
2- وجريمة غش الأدوية وما يتصل بها من جرائم، ومنها: "جريمة بيع الأدوية المغشوشة، وجريمة غش المواد والعبوات والأغلفة التي تستعمل في ذلك، وجريمة التحريض على غش المواد أو العبوات أو الأغلفة".
3- وجريمة استيراد أو حيازة أو تركيب الأدوية المغشوشة.
المشرع لم يضع تعريف محدد للدواء
وقد ساوى القانون في المسئولية الجنائيَّة بين الشخص الطبيعي والشخص الاعتباري، ولم يضع المشرع المصري: تعريف محددا للدواء، وإنما تناول الأحكام المتعلقة بالدواء من خلال القانون رقم 127 لسنة 1955 بشأن تنظيم مهنة الصيدلة، ونصت المادة "28" من القانون على أن: " كل ما يوجد بالمؤسسة الصيدلية من أدوية ومستحضرات صيدلية أو نباتات طبية أو كيميائية ينبغي أن يكون مطابقا للمواصفات المذكورة بدساتير الأدوية المقررة وتركيباتها المسجلة ويحتفظ بها حسب الأصول الطبية"، وقد اكتفى المشرع المصري بوضع الشروط العامة لما يوجد بالمؤسسات الصيدلية من أدوية دون تحديد المقصود بالدواء.
وكذلك يقتصر نص القانون المصري على أغراض العلاج والوقاية بالنسبة للإنسان فقط، وقد تدارك المشرع المصري هذا الأمر حيث عدل نص المادة "58" من القانون رقم 253 لسنة 1955، وأدخل بموجب هذا التعديل المنتجات التي تعالج أمراض الحيوان ضمن مفهوم الدواء، ولم يأت المشرع المصري بنص خاص بمنتجات التخسيس، وهل تعد من الأدوية أو ضمن المنتجات الغذائيَّة؟، وقد اعتبر المشرع المصري منتجات التطهير من المستحضرات الصيدلية الخاصة إذا لم تُذكر في دساتير الأدوية وصدر بها قرار من وزير الصحة، ويدخل في ذلك صبغات الشعر التي تحتوي على مواد سامة وكذلك المركبات التي قواعدها من العنبر.
المشرع فرق بين المستحضرات الصيدلية العامة والدستورية
وفرق المشرع المصري بين المستحضرات الصيدلية العامة والمستحضرات الصيدلية الدستورية، وجمع بينهما فيما يتعلق بالتسويق والتخزين والتعبئة والتغليف، وضيق المشرع المصري من مفهوم الدواء تضييقا يقلل من الحماية القانونيَّة لهذا المنتج؛ نظرا لأهمية هذا المنتج وعلاقته بصحة الأفراد وأمن المجتمع، أما المادة 62 من ذات القانون فعرفت المستحضرات الصيدلية الدستورية بأنها: "تعتبر مستحضرات صيدلية دستورية في أحكام هذا القانون المتحصلات والتراكيب المذكورة في أحدث طبعات دساتير الأدوية التي يصدر بها قرار من وزارة الصحة العمومية، وكذلك السوائل والمجهزات الدستورية المعدة للتظهير...".
وبذلك التعريف فقد فرق المشرع بين المستحضرات الصيدلية والمستحضرات الصيدلية الدستورية، إلا أنه جمع بينهما فيما يتعلق بالتغليف والتخزين والتسويق والتعبئة، وعلى الرغم من أن المشرع لم يضع تعريفًا جامعا مانعا للدواء، إلا أنه عمل على بيان الفروق بين المنتجات الدوائيَّة لمستحضرات التجميل؛ حيث نصت المادة الأولى من قرار وزير الصحة والسكان رقم 106 لسنة 1996بشأن تنظيم تداول مستحضرات التجميل على أنه: " يعتبر مستحضر تجميل أي مادة أو مستحضر يخصص للاستعمال الظاهري لجسم الإنسان....".
المشرع المصري يتوسع في ذكر كلمة "عقاقير"
اما إضافة النباتات الطبية والأدوية فقد كان تزيدًا من المشرع، وتوسع المشرع المصري بذكره لكلمة العقاقير؛ لأنها تشمل النباتات الطبية والأدوية طبقًا للمادة الأولى من قانون رقم 127 لسنة 1955 فى شأن مزاولة الصيدلة تنص على: "........."، وبذلك يدخل تحت مفهوم العقاقير الطبية كل المواد التي تستخدم في الصيدليات أو محلات العطارة والنباتات أو الاعشاب الطبية، كما يشمل أيضا المركبات اللازمة لأدوات التجميل ومواد الزينة كمساحيق تجميل الوجه وأحمر الشفاه والروائح العطرية.
جرائم غش الدواء والجرائم المتصلة بها في التشريع المصرى
عاقب المشرع بنص المادة "الثانية" الفقرة "1" من القانون رقم 48 لسنة 1941 والمعدل بالقانون رقم 281 لسنة 1994 بشأن قمع التدليس والغش كلَّ من غش العقاقير أو النباتات الطبية أو الأدوية أو شرع في ذلك، وأضاف المشرع المصري إلى المادة الثانية من قانون قمع الغش والتدليس في تعديله الأخير غش الأدوية لتكون محلا للحماية الجنائيَّة، فلم يكتفِ بأن تكون الحماية من الأضرار المهدمة للصحة العامة من المنتجات الضارة فقط، بل تطرقت الحماية إلى مكافحة الغش الواقع على كل المواد التي لها اتصال بحياة الإنسان أو الحيوان؛ لتصبح الحماية شاملة وأهمها: "غش العقاقير أو النباتات الطبية أو الأدوية أو الشروع في ذلك"، أما إضافة النباتات الطبية والأدوية فقد كان تَزَيُّدًا من المشرع، وتوسع المشرع المصري بذكره لكلمة العقاقير؛ لأنها تشمل النباتات الطبية والأدوية طبقًا لقانون الصيدلة.
اولا: جريمة بيع الأدوية المغشوشة:
نصت المادة "2 الفقرة 1" من القانون رقم 48 لسنة 1941 والمعدل بالقانون رقم 281 لسنة 1994 بشأن قمع التدليس والغش على أن يعاقب من طرح أو عرض للبيع أو باع شيئا من العقاقير أو النباتات الطبية أو الأدوية مغشوشة أو فاسدة أو انتهى تاريخ صلاحيتها مع علمه بذلك، فبمجرد انتهاء تاريخ صلاحية الدواء تقع جريمة بيع أدوية مغشوشة أو منتهية الصلاحية ولو ثبت من التحليل أن الدواء صالح للاستعمال، وكذلك مد المشرع المصري نطاق التجريم إلى المواد منتهية الصلاحية في القانون رقم 281 لسنة 1994 بشأن قمع الغش والتدليس بعدم كان مقتصرًا على الغش والفساد في القانون رقم 48 لسنة 1941، وقد سوى بينهم في التجريم.
ثانيا: جريمة حيازة الأدوية المغشوشة:
نص المشرع المصري المادة "3" من قانون قمع التدليس والغش على جريمة حيازة الأدوية المغشوشة؛ حيث نصت المادة "3" على: "كل من حاز بقصد التداول لغرض غير مشروع شيئا من المنتجات أو المواد المشار إليها في المادة (2)"، ومنها العقاقير أو النباتات الطبية والأدوية المغشوشة أو الفاسدة أو منتهية الصلاحية، ويلاحظ أن المشرع المصري في القانون رقم 281 لسنة 1994 شدد عقوبة الحيازة بغير سبب مشروع لشيء من الأشياء المشار إليها في المادة "2" دون أن تشترط العلم بحالتها على خلاف ما ذهب إليه مشروع هذا القانون وأيضًا فيما نص عليه القانون رقم 48 لسنة 1941 حيث كان كل منها يشترط العلم بهذه الحالة.
وقضت محكمة النقض بأنه: "قد رأى المشرع أن تجريم الحيازة الكاملة أو الناقصة غير كاف، بل يجب أيضًا تجريم مجرد إحرازه للسلعة، رغم أن يد الشخص عليها ليست إلا يد عارضة وليس له أن يباشر أي حق على السلعة لا لحسابه كما لو كان ماله، ولا لحساب غيره كما لو كان وكيلا عنه، ويعتبر اتصاله بالسلعة مجرد اتصال مادي لا أكثر"، وقد أضاف المشرع فعل الإحراز إلى الأفعال الأخرى؛ حتى يضمن المزيد من الحماية للمستهلكين، وحتى يكون رادعا للجاني أي: كي لا يقدم على مجرد الإمساك المادي بالسلعة حتى وان كان عارضا.
ولا تقوم الجريمة إذا انتفت نية التداول، كما لو ثبت أن حيازة الأدوية المغشوشة أو الفاسدة أو الذي انتهى تاريخ صلاحيتها بقصد الاستعمال الشخصي، ويكون حيازتها لغرض غير مشروع إذا كان القصد من ذلك خداع المستهلك، وقد أضاف المشرع فعل الإحراز إلى الأفعال الأخرى؛ حتى يضمن المزيد من الحماية للمستهلكين، وحتى يكون رادعا للجاني أي: لكى لا يقدم على مجرد الإمساك المادي بالسلعة حتى وأن كان عارضا، ولا تقوم الجريمة إذا انتفت نية التداول، كما لو ثبت أن حيازة الأدوية المغشوشة أو الفاسدة أو الذى انتهى تاريخ صلاحيتها بقصد الاستعمال الشخصي، ويكون حيازتها لغرض غير مشروع إذا كان القصد من ذلك خداع المستهلك.
ثالثا: جريمة استيراد أدوية مغشوشة
استحدث المشرع المصري بالقانون رقم 281لسنة 1994 تجريم الاستيراد أو الجلب أو الإدخال لمادة من المواد المغشوشة أو الفاسدة أو التي انتهى صلاحيتها باعتبار أن هذه الأفعال تمثل المنبع لباقي الجرائم، حيث نصت المادة "3 مكرر" من قانون قمع التدليس والغش على جريمة استيراد الأدوية المغشوشة، فنصت على: " كل من استورد أو جلب إلى العقاقير أو نباتات طبية أو أدوية مغشوشة أو فاسدة أو انتهى تاريخ صلاحيته مع علمه بذلك"، وحددت المادة (15) من اللائحة التنفيذية للقانون رقم 48 لسنة 1941 والمعدل بالقانون رقم 281 لسنة 1994 بشأن قمع التدليس والغش بتحديد المقصود بالاستيراد والجلب كما يلي:
- يقصد بالاستيراد: إتمام إجراءات إدخال البضائع الأجنبية إلى جمهورية مصر العربية عبر المنافذ الرسمية.
- ويقصد بالجلب: إدخال البضائع الأجنبية إلى البلاد من غير الطريق الرسمي ودون اتخاذ أية إجراءات استيرادية أو خضوع السلعة الأجنبية للفحص.
وفى هاتين الحالتين يتعين أن تبدأ إجراءات تطبيق هذه المادة داخل البلاد بعد اجتياز السلعة للمنافذ الجمركية ومناطق الحدود.
ويستوي أن تكون هذه العقاقير أو النباتات الطبية أو الأدوية خاصة بالوقاية أو العلاج أو التشخيص الطبي، وسواء كانت تستعمل من الظاهر أو من الباطن.
وقد خول المشرع المصري للحكومة الحق في إعدام هذه البضاعة قبل خروجها من الدائرة الجمركية، وتتم الجريمة قانونا بإدخال المواد المنصوص عليها في المادة "3 مكرر" إلى الأراضي المصرية، وتعتبر هذه الجرائم من الجرائم العمدية.
ونحن نرى ضرورة تدخل المشرع المصري بإضافة كلمة "تهريب الأدوية" للمادة الثانية من القانون رقم 281 لسنة 1994 بشأن قمع التدليس والغش لمجابهة ظاهرة تهريب الأدوية إلى مصر أو منها واعتبارها من جرائم غش الأدوية وتشديد العقوبة على مرتكبيها، وكذلك على المشرع المصري التعرض للأدوية المهربة من خلال قانون حماية الملكيَّة الفكريَّة رقم 82لسنة 2002؛ لما لها من تأثير على مالك براءة الاختراع الدوائيَّة وحفاظًا على حقوق مالكها ودعمًا وحماية للإبداع والابتكار في مجال الدواء – هكذا يقول "الخلفاوى".
رابعا: جريمة تركيب أدوية مغشوشة
نصت المادة "5" من قانون قمع التدليس والغش على جريمة تركيب أدوية مغشوشة؛ حيث نصت على: " كل من رَكَّبَ أو أنتج بقصد البيع أو باع أو عرض أو طرح للبيع أو حاز أو أحرز بقصد البيع أو استورد مواد مركبة أو مصنوعة أو منتجة بالمخالفة لأحكام هذا القرار مع علمه بذلك"، وأجازت المادة "5" من القانون لوزير الصحة وضع حد أدنى أو حد معين من العناصر في تركيب العقاقير الطبية أو الأدوية.
وتقوم هذه الجريمة بمجرد مخالفة قرار وزير الصحة في شأن العناصر المحددة في تركيب العقاقير الطبية والأدوية، ولا تشترط أن يكون الدواء المركب أو المصنوع مغشوشا أو فاسدا أو انتهى تاريخ صلاحيته، وشدد المشرع العقوبة في حالة مخالفة القرار الصادر من الوزير الصحة بشأن فرض حد أدنى معين من العناصر في تركيب العقاقير الطبية أو الأدوية أو في المواد المستعملة في غذاء الإنسان أو الحيوان أو المعدة للبيع باسم معين.
وقضت محكمة النقض المصرية ذلك في أحكامها؛ حيث ذهبت إلى أنه: "يكفي لتحقق الغش خلط الشيء أو إضافة مادة مغايرة لطبيعته أو من نفس طبيعته ولكن من صنف أقل جودة بقصد الإيهام بأن المادة المخلوطة خالصة لا شائبة فيها أو بقصد إظهارها في صورة أحسن مما هي عليه ......"، كما أضاف المشرع المصري في القانون رقم 281 لسنة 1994 عبارة "وفي أية بضائع أو منتجات أخرى"؛ وذلك لمجابهة ما يُسْتَجَدُّ من منتجات أو سلع.
وأجازت المادة "6" من القانون لوزير الصحة فرض استعمال أوانٍ أو أوعية أو أشياء مختلفة أو تنظيم استعمالها في تحضير ما يكون معدا للبيع في العقاقير الطبية والأدوية أو في صنعها أو وزنها أو حزمها أو حفظها أو حيازتها أو توزيعها أو نقلها أو عرضها أو طرحها للبيع أو بيعها، وكذلك بيان شروط استهلاك هذه العقاقير أو الأدوية أو تسميتها أو حفظها أو حيازتها أو بيان الحالات التي تكون فيها غير صالحة للاستهلاك أو بيان مقدارها أو محل صنعها أو اسم صانعها أو غير ذلك من البيانات.
وقضت محكمة النقض المصرية في تعريفها للغش بأنه" يقع الغش بإضافة مادة غريبة إلى السلعة أو بانتزاع شيء من عناصرها النافعة، كما يتحقق أيضًا بإخفاء البضاعة تحت مظهر خادع من شأنه غش المشتري، ويتحقق ذلك بالخلط أو بإضافة مادة مغايرة لطبيعة البضاعة أو من نفس طبيعتها ولكن من صنف أقل جودة بقصد الإيهام بأن الخليط لا شائبة فيه أو بقصد إخفاء سوء البضاعة أو إظهارها في صورة أجود مما هي عليه في الحقيقة"، كما يجوز بقرار من وزير الصحة فرض قيود وشرط استعمال منتجات أيا كانت.
خامسا: جرائم الغش نتيجة الإهمال:
مد المشرع المصري نطاق التجريم إلى أفعال جديدة لم يجرمها القانون رقم 48لسنة 1941، ويرجع ذلك إلى رغبة المشرع في سد الثغرات التي كان من خلالها تقع جرائم الغش والخداع؛ حيث نصت المادة "6 مكرر" من قانون قمع التدليس والغش رقم 281 لسنة 1994على جريمة الغش بإهمال بأنه: " دون إخلال بأية عقوبة اشد ينص عليها قانون العقوبات أو أي قانون آخر إذا وقع الفعل بالمخالفة لأحكام المواد "2،3،3 مكرر" من هذا القانون بطريق الإهمال أو عدم الاحتياط والتحرز أو الإخلال بواجب الرقابة: " تقوم جريمة الغش بالإهمال، وتعتبر هذه الجريمة غير عمدية تقوم المسئولية فيها على الخطأ غير العمدي.
ويقصد بالإهمال حالة ما إذا نكل الجاني عن اتخاذ ما يقتضيه واجب الحيطة والتبصر لتفادي حصول النتائج الضارة، ويقف الجاني في هذه الصورة موقفا سلبيا فلا يتخذ احتياطات يدعو إليها الحذر وكان من شأنها أن تحول دون حدوث النتيجة الإجرامية، وجرمت المادة "6 مكرر" من القانون رقم 281 لسنة 1994 إخلال صاحب الشأن بواجب الرقابة مما يترتب عليه وقوع إحدى الجرائم المنصوص عليها في المواد "3،2،3 مكرر"، ورغبة من المشرع المصري في مكافحة كل سبل الغش رأى أن من المصلحة العامة منع الأعمال قبل وقوعها.
وأقر المشرع المصري عن مسئولية الشخص المعنوي جنائيا بنص صريح؛ حيث نصت المادة "6 مكرر" من القانون رقم 281 لسنة 1994 على أنه: "يسأل الشخص المعنوي جنائيا عن الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون إذا وقعت لحسابه أو باسمه بواسطة أحد أجهزته أو ممثليه أو أحد العاملين لديه، ويحكم على الشخص المعنوي بغرامة تعادل مثل الغرامة المعاقب بها عن الجريمة التي وقعت، ويجوز للمحكمة أن تقضى بوقف نشاط الشخص المعنوي المتعلق بالجريمة لمدة لا تزيد على سنة ، وفي حالة العود يجوز الحكم بوقف النشاط لمدة لا تزيد على خمس سنوات أو بإلغاء الترخيص في مزاولة النشاط نهائيًّا"، والواقع أن هذه الجزاءات يقصد بها تحقيق أغراض مختلفة منها الوقاية من العود إلى هذه الجرائم، ووقف نشاط الشخص المعنوي المتعلقة بالجريمة التي وقعت ينطوي على الإيلام المطلوب في العقوبة مما يحول دون تكرار الجريمة مستقبلا.
عقوبات جرائم غش الأدوية والجرائم المتصلة بها في التشريع المصري:
شدد المشرع العقوبة على جرائم غش الأدوية والجرائم المتصلة بها والمتضمنة جريمة بيع الأدوية المغشوشة وجريمة غش المواد والعبوات والأغلفة، وكذلك جريمة التحريض على غش المواد أو العبوات أو الأغلفة؛ حيث رفع الحد الأدنى لعقوبة الحبس من ستة أشهر إلى سنة والحد الأقصى من ثلاث إلى خمس سنوات، ورفع الحد الأدنى للغرامة من مائة جنيه إلى عشرة الاف جنيه والحد الأقصى من ألف إلى ثلاثين ألف جنيه، أو ما يعادل قيمة السلعة موضوع الجريمة أيهما أكبر.
كما ألغى المشرع المصري سلطة القاضي في التخيير بين الحبس والغرامة ليصبح توقيع عقوبتي الحبس والغرامة معًا وجوبيًّا، واتجه المشرع إلى إضافة وصف الطبية إلى تعبير العقاقير الوارد فيها والتي أسبقها بالنباتات، ثم أردف ذلك التعبير بتعبير الأدوية ليصبح النص "أو العقاقير أو النباتات الطبية أو الأدوية"، وينسحب التشديد العقابي الذي استهدفه القانون رقم 106 لسنة 1980 إلى العقاقير الطبية والأدوية، وعلى تقدير أن المراد بلفظ العقاقير في باقي النصوص القائمة هو العقاقير الطبية كما أضاف القانون المنتجات الصناعيَّة إلى المواد المقصود حمايتها من الغش.
كما اعتد المشرع المصري أيضًا بتاريخ الصلاحية أساسًا للتعامل مع المنتجات التي يحدد لها تاريخ صلاحية مسوِّيًا في ذلك بين فساد المنتج وغشه أو انتهاء تاريخ صلاحيته.
1- العقوبات الأصلية:
حدد المشرع المصري في المادة (2) من قانون قمع التدليس والغش عقوبة غش الدواء وما يتصل بها من جرائم؛ حيث عاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تجاوز خمس سنوات. وبغرامة لا تقل عن عشرة آلاف جنيه ولا تجاوز ثلاثين ألفا، أو ما يعادل قيمة السلعة موضوع أيهما أكبر.
2- الظروف المشددة للعقوبة:
أ- إذا كانت الأدوية أو العقاقير والنباتات الطبية المغشوشة أو الفاسدة أو التي تنتهي تاريخ صلاحيتها أو كانت المواد التي تستعمل في الغش ضارة بصحة الإنسان أو الحيوان تكون العقوبة هي الحبس مدة لا تقل عن سنتين ولا تجاوز سبع سنوات. وبغرامة لا تقل عن عشرين ألف جنيه ولا تجاوز أربعين ألف جنيه، أو ما يعادل قيمة السلعة موضوع الجريمة أيهما أكبر.
ب- إذا نشأ عن الجريمة إصابة شخص بعاهة مستديمة:
- تكون العقوبة السجن، وإذا طبقت المادة 17 من قانون العقوبات في هذه الحالة فلا يجوز النزول بالعقوبة المقيدة للحرية عن الحبس مدة سنة واحدة، وأما الغرامة فلا تقل عن خمسة وعشرين ألف جنيه ولا تجاوز أربعين ألف جنيه، أو ما يعادل قيمة البضاعة موضوع الجريمة أيهما أكبر أو بإحدى هاتين العقوبتين المادة "4" من القانون.
ج- إذا نشأ عن الجريمة وفاة شخص أو أكثر.
- تكون العقوبة السجن المؤبد، أما الغرامة فلا تقل عن خمسين ألف جنيه، ولا تجاوز مائة ألف جنيه. أو ما يعادل قيمة البضاعة موضوع الجريمة أيهما أكبر أو بإحدى هاتين العقوبتين المادة (4) من القانون.
وماذا في حالة العود؟
نصت المادة (10) من قانون قمع التدليس والغش رقم 281 لسنة 1994 على العقوبة في حالة تكرار ارتكاب الجريمة على ما يلي:
- مع عدم الإخلال بأحكام المادتين "46" و"50" من قانون العقوبات تكون العقوبة في حالة العود إلى ارتكاب الجريمة المنصوص عليها في المواد "2" و "3" و "3 مكرر" من قانون قمع التدليس والغش هي: السجن مدة لا تقل عن خمس سنوات، وغرامة لا تقل عن 30 ألف جنيه، ولا تجاوز 60 ألف جنيه أو ما يعادل مثلى قيمة السلعة موضوع الجريمة أيهما أكبر.
وإذا طبقت المادة 17 من قانون العقوبات في هذه الحالة فلا يجوز النزول بالعقوبة المقيدة للحرية عن الحبس مدة سنة واحدة. ويجوز للمحكمة أن تقضي بغلق المنشأة المخالفة لمدة لا تجاوز سنة، كما يجوز لها أن تحكم بإلغاء رخصتها، وذلك دون الإخلال بحقوق العمال قبل المنشأة.
وتقول محكمة النقض عن الغلق: "إن القانون؛ إذ نص على إغلاق المحل الذي وقعت فيه المخالفة لم يشترط أن يكون مملوكا لمن تجب معاقبته على الفعل الذي ارتكب فيه، ولا يعترض على ذلك بأن العقاب شخصي؛ لأن الإغلاق ليس عقوبة مما يجب توقيعها على من ارتكب الجريمة دون غيره، وإنما هي تكون آثارها متعدية إلى الغير، ولا يجب اختصام المالك في الدعوى عند الحكم بالإغلاق بأنه إنما كان يباشر أعماله فيه بتكليف من صاحبه".
وكذلك تعتبر متماثلة في العود الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون "قمع التدليس والغش" والجرائم المنصوص عليها في الكتاب الثاني من القانون رقم 82لسنة 2002 بشأن حماية حقوق الملكيَّة الفكريَّة والخاصة "بالعلامات التجاريَّة والمؤشرات الجغرافية والنماذج الصناعيَّة"، وتعتبر كذلك متماثلة في العود الجرائم المنصوص عليها في المادتين "18" و"19" من القانون رقم 1 لسنة 1994 بشأن الوزن والقياس والكيل، وكذلك الجرائم المنصوص عليها في أي قانون آخر بقمع التدليس والغش.
3-العقوبات التكميلية:
حدد القانون 281 لسنة 1994 بشأن قمع التدليس والغش عقوبتين وجوبيتين نصت عليهما المادتان "7،8" من القانون، وهما ما يلي: أ- المصادرة. ب- نشر الحكم .
وهنا نرى أنه على الرغم من حرص المشرع المصري على تعدد عقوبات جريمة الغش وتشديدها إلا أنها أصبحت غير ملائمة لجريمة غش الأدوية والجرائم المتصلة بها لما طرأ على هذه الجريمة من تطور مذهل نتيجة استخدام التكنولوجيا وتطور أساليب الغش والتَّقليد في مجال الدواء وزيادة حجم تجارة الأدوية المغشوشة والمقلدة في مصر وهي في تنامٍ مستمر وما ينتج عنها من تهديد لحياة الأفراد وأمن وسلامة المجتمع؛ لذا يجب على المشرع المصري التدخل سريعا بسن تشريعات أكثر صرامة وتعديل أحكام القانون رقم 281 لسنة 1994 بشأن قمع التدليس والغش وتشديد العقوبات السالبة للحرية وجعلها وجوبية والوصول بالعقوبة للإعدام لما لهذه الجريمة من آثار ضارة وبالغة على حياة الأفراد وأمن المجتمع ككل على أن يكون هدف القانون الجديد وغايته الأساسية حماية المستهلك جنائيًّا من الغش.
بالإضافة إلى فرض الغرامات الباهظة والجمع بين العقوبة السالبة للحرية والغرامات للحكم بها على كل من تسول له نفسه ارتكاب تلك الجرائم حفاظا على المستهلك والمجتمع من أخطار جريمة غش الأدوية، وكذا فأن المشرع المصري لم ينص في قانون قمع التدليس والغش رقم 281 لسنة 1994 إلى مصادرة الربح المتحصل من جرائم الغش، وهذا أمر ما كان ليلتفت عنه المشرع المصري بالرغم من أهميته وما فيه من فائدة تنحصر في رد قصد التاجر المخادع الغاش بمصادرة ما كان يبتغي أن يحققه من كسب غير مشروع؛ ولهذا نهيب بالمشرع المصري أن ينتبه لذلك لما فيه من ردع للجناة مرتكبي هذه الجرائم.