لا شك أن حماية المستهلك في المعاملات المتعلقة بالدواء يبدو مهما، وخاصة بعد أن تزايدت في الفترة الأخيرة حجم الأدوية المغشوشة المتداولة في الأسواق من قبل شركات الأدوية؛ مما دفع الكثير من دول العالم إلى تحديث التشريعات الخاصة بتحديد ماهية الدواء وبيان أحكام مسئولية المنتج عن أضرار الدواء المغشوش، وتعد مواقع الإنترنت غير الخاضعة للتنظيم والتي تعرض الأدوية المغشوشة وخصوصًا تلك التي تخفي عنوانها المادي، ورقم الهاتف الخاص بها تكون عادة مصدرا للمنتجات الدوائية المغشوشة، لذا ينبغي أن يتوخى المستهلكون الحذر إزاء التعامل مع مثل هذه المواقع.
وإذا قلنا إن ليس كل الناس منتجين، فهذا ممكن، ولكن لا يمكن أن نتصور أنسانا غير مستهلكا، والمستهلك دائما وأبدا العنصر الأضعف في المعادلة الاقتصادية وغالبا ما تعرض لأشكال من الاستغلال والغش وطمس حقوقه، مما جعل القوى الاجتماعية والمؤسسية تتحرك للدفاع عنه، فقد ظهرت هيئات لحماية المستهلك، كما أقرت الأمم المتحدة الحقوق الثمانية للمستهلك، ومن المعلوم أن حماية المستهلك هدف أساس للدول وقد مارسته المجتمعات منذ قديم الزمان، وسنت التشريعات والأنظمة اللازمة لهذه الحماية.
حماية المستهلك من الأدوية المغشوشة عبر الانترنت
في التقرير التالي، يلقى "برلماني" الضوء على إشكالية في غاية الأهمية تتعلق بكيفية حماية المستهلك من الأدوية المغشوشة عبر الانترنت في التشريع المصري، وذلك من خلال رصد الإحصائيات العالمية والمحلية لتجارة الأدوية، ولماذا القانون المصري لم يتعرض في بادئ الأمر للحماية المقررة للمستهلك من المنتجات الدوائية المغشوشة؟ وتناول التأصيل التاريخي للقوانين الطبية والصيدلانية، فكما ذكرنا من قبل الطرف الأضعف في معادلة التوازن الاستهلاكي هو المستهلك، وطالما تعرض للغش والتدليس وكل أنواع التعسف المادي والمعنوي، فقد حرم من حقوقه كانسان وكمستهلك – بحسب الدكتور فرج الخلفاوي، أستاذ القانون بكلية الحقوق، جامعة حلوان.
في البداية - تشير الإحصائيات العالمية أن قيمة الاستهلاك العالمي من الدواء تتجاوز "300 مليار دولار سنويًّا"، حيث تستهلك الدول الصناعية نحو "80%" من الدواء، كما ارتفعت المبيعات العالمية من الأدوية المحمية ببراءة الاختراع بنسبة "7%" خلال العام 2004 لتصل إلى "500مليار دولا سنويًّا"، وتستورد الدول العربية أدوية من الخارج بالرغم من وجود صناعة دواء لديها؛ حيث بلغت واردات هذه الدول أكثر من "55%" من احتياجاتها من الدواء بقيمة تصل إلى "5,2مليار دولار" – وفقا لـ"الخلفاوى".
احصائيات منظمة الصحة العالمية بشان سوق الأدوية
وتشير دراسة لمنظمة الصحة العالمية إلى أن "48,7%" من حالات غش الأدوية كانت في دول آسيوية هي "الصين ، والفلبين، وفيتنام" وفي الدول الإفريقية بنسبة "18,7%"، وبعض الدول الأوروبية بنسبة "13,6%"، وأكدت منظمة الصحة العالمية أن حجم الخسائر التي تحدث بسبب الغش الدوائي بلغت حوالي "60 مليار دولا" عام 2008 ، فيما وصلت إلى حوالي (75مليار دولا) خلال عام 2010وأن نسبة (35%) من الأدوية التي يتم تداولها في بعض الدول العربية في منطقة الشرق الأوسط مغشوشة ، وهي من أعلى النسب في العالم مرجعا السبب إلى ضعف الأجهزة الرقابية والتنفيذية الموكل إليها حماية الأسواق من هذه الأدوية.
وقد بلغت قيمة إنتاج مصر من الدواء عام 2003 حوالي "1,4مليار دولارا"، وقدرت نسبة مساهمتها من الإنتاج الكلى للدواء العربي بحوالي "34,6%" عام 2003، وبلغت عدد المصانع المنتجة للدواء بمصر حوالي "51" مصنعا عام 2003، وانخفضت قيمة الصادرات المصرية من الأدوية ومنتجات الصيدلة بنسبة "10,4%" ليصل لنحو "253,3مليون جنيه" عام 2006 مقارنة بنحو "282,6 مليون جنيه" عام 2005، وقدرت الأدوية المغشوشة في مصر بنسبة "7%" من الدواء العالمي، وأن نسبة "85%" من المكونات الدوائية التي تدخل في صناعة الدواء المصري مستوردة، وبلغت قيمة الأدوية المغشوشة في مصر بنحو "10 مليارات جنيه سنويًّا"، وليس هناك إحصائية دقيقة لحصر نسبة الأدوية المغشوشة في مصر، ولكن البعض يقدرها بنحو أكثر من "15%" من إجمالي الأدوية المتداولة داخل مصر عام 2017.
لا يوجد تنظيم تشريعي يستقل بإنتاج الدواء
وتتنوع المنتجات الدوائية المغشوشة التي تطرح للبيع عبر شبكة الإنترنت، ولكن هناك نوعًا خاصًّا من المنتجات الخطرة، وهو ما يطلق عليه منتجات الصيدلة والكيماويات الطبية، وتعتبر من أهم المنتجات التي يجب أن تولي عناية خاصة، لأنها ذو تأثير خطير على المستهلك، ولم يتناول القانون المصري الحماية المقررة للمستهلك من المنتجات الدوائية المغشوشة، حيث لا يوجد تنظيم تشريعي يستقل بإنتاج الدواء، وإن كان يوجد بعض التشريعات الصحية والعلاجية والوقائية وتنظيم معامل التشخيص – الكلام لـ"الخلفاوى".
ولم يضع القانون رقم 212 لسنة 1960 بشأن تنظيم تجارة الأدوية والكيماويات والمستلزمات الطبية تعريفًا للدواء، وإنما اكتفى ببيان المقصود بإبراز صورتين للدواء، وهما المستحضرات الصيدلية الخاصة، والمستحضرات الصيدلية الدستورية، فقد نصت المادة "58" من قانون مزاولة مهنة الصيدلي رقم 127 لسنة 1955 على أنه: "تعتبر في تطبيق أحكام هذا القانون مستحضرات صيدلية خاصة المتحصلات والتراكيب التي تحتوي أو توصف بأنها تحتوي على مادة أو أكثر ذات خواص طبية في شفاء الإنسان من الأمراض أو للوقاية منها، أو تستعمل لأي غرض آخر، ولو لم يعلن عن ذلك صراحة متى أعدت للبيع وكانت غير واردة في إحدى دساتير الأدوية وملحقاتها الرسمية" – هكذا يقول "الخلفاوى".
المشرع يسن القانون رقم 151 لسنة 2019 لضبط سوق الأدوية
وعرفت المادة "62" من ذات القانون المستحضرات الصيدلية الدستورية بأنها: "المتحصلات والتركيب المذكورة في إحدى طبعات دساتير الأدوية التي يصدر بها قرار من وزير الصحة العمومية وكذلك السوائل والمجهزات الدستورية المعدة للتطهير"، وقد استلزم المشرع المصري في القانون رقم 127 لسنة 1955 بشأن مهنة الصيدلة موافقة اللجنة الفنية لمراقبة الأدوية على تسجيل أي مستحضر صيدلي خاص مع حقها دائمًا في رفض أي تسجيل على أن يسجل ما توافق عليه بسجلات وزارة الصحة، وقد أصدر المشرع المصري قانون رقم 67 لسنة 2006 والمعدل بالقانون رقم 181لسنة 2018 بشأن حماية المستهلك والذى أقر في المادة "42" من القانون على إنشاء جهاز حماية المستهلك المصري.
وفى سبيل معالجة المشرع المصرى للسلبيات التى كانت تعترض العمل فى سوق الدواء ومنها التسجيل والتسعير ومنع الاحتكار، فقد أصدر المشرع المصرى القانون رقم 151 لسنة 2019 بإصدار قانون إنشاء الهيئة المصرية للشراء الموحد والإمداد والتموين الطبى وإدارة التكنولوجيا الطبية وهيئة الدواء المصرية.
المشرع يكلف بإنشاء هيئتين لضبط سوق الدواء
على أن تحل هيئة الدواء المصرية المنشأة وفقًا لأحكام القانون محل كل من الهيئة القومية للرقابة والبحوث الدوائية المنشأة بقرار رئيس الجمهورية رقم 382 لسنة 1976، والهيئة القومية للبحوث والرقابة على المستحضرات الحيوية المنشأة بقرار رئيس الجمهورية رقم 398 لسنة 1995، وغيرها من الجهات والكيانات الإدارية ذات الاختصاص بمجال الرقابة على المستحضرات والمستلزمات الطبية الخاضعة لأحكام هذا القانون والقانون المرافق له، وذلك فى جميع الاختصاصات المنصوص عليها فى قوانين أو قرارات إنشائها.
كما تحل هيئة الدواء المصرية محل وزارة الصحة والسكان، ويحل رئيس مجلس إدارتها محل وزير الصحة والسكان، وذلك فى الاختصاص المنصوص عليها فى القانون رقم 127 لسنة 1955 فى شأن مزاولة مهنة الصيدلة المتعلقة بتنظيم تسجيل وتداول ورقابة المستحضرات والمستلزمات الخاضعة لأحكام هذا القانون، ويؤل كل من الصندوق الخاص بهيئة الرقابة والبحوث الدوائية والمنشأ بقرار رئيس الجمهورية رقم 404 لسنة 1983، وكذا صندوق التخطيط والسياسات الدوائية إلى هيئة الدواء المصرية المنشأة وفق أحكام هذا القانون، فيما لهما من حقوق وما عليهما من التزامات.
نص القانون رقم 151 لسنة 2019 على إنشاء هيئتين
وتحدد اللائحة التنفيذية للقانون محل نقل الاختصاصات التنظيمية والتنفيذية والرقابية إلى الهيئة، واختصاصات كل مرحلة والبرنامج الزمنى اللازم لذلك بالتنسيق مع وزارة الصحة والسكان والجهات الأخرى ذات الصلة، وذلك كله بما يكفل للهيئة الحل التام فى جميع تلك الاختصاصات فى موعد أقصاه عام من تاريخ العمل بهذا القانون، ويجوز تجديد تلك المدة لمرة واحدة، بقرار من رئيس مجلس الوزراء.
ونصت المادة 5 من القانون رقم 151لسنة 2019 بأن يستبدل بنص الفقرة الأخيرة من المادة "23" من قانون نظام التأمين الصحى الشامل الصادر بالقانون رقم 2 لسنة 2018، النص الآتي: توفير المستحضرات والمستلزمات الطبية اللازمة لتقديم خدمات الرعاية الصحية، على أن تتولى الهيئة المصرية للشراء الموحد والإمداد والتموين الطبى وإدارة التكنولوجيا الطبية عمليات الشراء، ولهيئة الرعاية فى سبيل تحقيق أغراضها إنشاء الصيدليات داخل المستشفيات والتعاقد مع الصيدليات العامة والخاصة وفقًا لأحكام القانون رقم 127 لسنة 1955 بشأن مزاولة مهنة الصيدلة.
ونص القانون رقم 151 لسنة 2019 على إنشاء هيئتين، وهما الهيئة المصرية للشراء الموحد والإمداد والتموين الطبي وإدارة التكنولوجيا الطبية، وهيئة الدواء المصرية، ويهدف من ذلك تطوير المنظومة الصحية في مصر، كما يسعى إلى توفير الدواء بشكل منتظم وبأسعار مقبولة ويسهم في إصلاح منظومة الدواء في مصر، كما سيساهم فى تنظيم أوضاع الصناعة ومواجهة الممارسات الاحتكارية في سوق الدواء، وسيتيح تحقيق الرقابة الفاعلة على قطاع الدواء ويفتح الباب أمام المزيد من الاستثمارات بعيداً عن التلاعب بالمريض ولمواجهة أية ممارسات احتكارية.
المحكمة الادارية العليا تحسم الإشكالية
وفى هذا الشأن – سبق للمحكمة الإدارية العليا وأن قضت فى الطعنين رقمي 10464و10558 لسنة 59 قضائية عليا بجلسة 26 مايو 2018، بحجب المواقع الالكترونية على شبكة الانترنت حينما يكون هناك مساس بالأمن القومي أو الصحة العامة حيث تضمن الحكم على أنه: ولئن كانت التشريعات المصرية بما فيها قانون تنظيم الاتصالات لم تحدد الحالات التي تستدعى حجب بعض المواقع الإلكترونية، إلا أن ذلك لا يخل بحق الأجهزة الحكومية والجهاز القومي لتنظيم الاتصالات في حجب بعض المواقع على الشبكة الدولية للأنترنت حينما يكون هناك مساس بالأمن القومي أو المصالح العليا للدولة، وذلك بما لتلك الأجهزة من سلطة في مجال الضبط الإداري لحماية النظام العام بمفهومه المثلث، الأمن العام والصحة العامة والسكينة العامة للمواطنين تحت رقابة القضاء.