الجمعة، 22 نوفمبر 2024 04:42 م

ضرب الزوجة بين الشريعة والقانون.. تفاصيل قانون بـ"النواب" يعاقب الزوج المعتدى بالحبس 5 سنوات.. والأزهر: اللجوء له يسبب ضررا نفسيا

ضرب الزوجة بين الشريعة والقانون.. تفاصيل قانون بـ"النواب" يعاقب الزوج المعتدى بالحبس 5 سنوات.. والأزهر: اللجوء له يسبب ضررا نفسيا ضرب الزوجات - أرشيفية
الأحد، 27 فبراير 2022 12:00 م
كتب علاء رضوان

مما لا شك فيه أن تقرير حق لشخص يبيح له بالضرورة استعماله، ولو كانت صورة الاستعمال تعد جريمة في القانون لأن الحق الذي يمتنع استعماله لا يعتبر حقا، ورغم بداهة هذه المسألة إلا أن المشرع حرص في قانون العقوبات على تقريره صراحة منعا من اللغط والجهالة واللبس، فنص في المادة 60 من قانون العقوبات على أن أحكامه لا تسري على كل فعل ارتكب بنية سليمة عملا بحق مقرر بمقتضي الشريعة.

 

والعمد في إباحة الفعل الذي كان في الأصل مجرم هو حدوث ما يستوجب التأديب، ثم التزام حدود التأديب بأن لا تتجاوز أفعال التأديب مداها بأن لا تكون مهلكة أو شائنة فضلا عن حسن النية بأن يكون الغرض هو التأديب فقط وليس الانتقام أو التشفي، ومن الحقوق التي قررتها الشريعة الإسلامية الغراء حق الزوج في تأديب زوجته وهو حق مستمد من قوله تعالي في سورة النساء: "وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ۖ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا". 

2

 

حدود حق الزوج في تأديب زوجته ما بين الشريعة الإسلامية والقانون   

 

في التقرير التالي، يلقى "برلماني" الضوء على إشكالية في غاية الأهمية تتعلق بحدود حق الزوج في تأديب زوجته ما بين الشريعة الإسلامية والقانون، وذلك من خلال الإجابة على حزمة من الأسئلة تتمثل في كيفية التفريق أن مسألة التعدي من باب الضرب أم من باب التعسف في استعمال الحق ومنها الحق في تأديب الزوجة والصغار، وذلك في إطار المبادئ القانونية العامة التي تحكم نظام التجريم والعقاب في القانون المصري، وليس في ظل المفاهيم السلطوية للأعراف السائدة، المبنى على تفسيرات متشددة للنصوص الشرعية، والذى يعترف للرجل بحقوق مطلقة، يترتب عليها التعسف وسوء الاستغلال، فهل من الناحية الشرعية والقانونية تأديب الزوجة يعتبر حقاً للزوج أو هو سلطة يمارسها وفق ضوابط شرعية وقانونية؟ أو هي ولاية التأديب كما يذهب إلى ذلك بعض فقهاء الشريعة؟ - بحسب أستاذ القانون الجنائي والمحامي بالنقض ياسر الأمير فاروق.

 

 

وقد ترددت المحاكم المصرية في البداية في حق الزوج في تأديب زوجته بما يبلغ حد الضرب بدعوى أن القانون لم ينص علي حق الضرب صراحة وخوفا من إساءة استخدام هذا الحق، كما يحدث الآن وتتناقله وسائل التواصل الاجتماعي غير أن الرأي لم يلبث أن استقر في الفقه القضاء على التسليم بهذا الحق، ولكن بشروط صارمة أهمها أن يكون الضرب بسيط لا يترك أثر وأن يسبقه موعظة وتحكيم وهجر مؤقت – وفقا لـ"فاروق".  

Capture

 

رأى محكمة النقض فى الأزمة  

 

اذ استقر قضاء النقض علي أن التأديب حق للزوج مقرر بمقتضي الشريعة وهو لا يتجاوز مجرد الإيذاء الخفيف فان تجاوزه بإحداث أذى بجسم زوجته ولو لم يزد عن سحجات بسيطة يعد تعديا من الزوج على زوجته خارجًا عن حدود حقه المقرر بمقتضى الشريعة ومستوجبًا لعقابه، وذلك طبقا للطعن المقيد برقم 43948 لسنة 85 قضائية -  فإن كان للزوج حق تأديب زوجته تأديباً خفيفاً عن كل معصية لم يرد في شأنها حد مقرر فليس له أن يضربها ضرباً فاحشاً ولو بحق فإن اعتداء الزوج على زوجته المجني عليها اعتداءً بلغ من الجسامة حداً أودى بحياتها فليس له التعلل بحقه في إباحة ذلك لتجاوز حد التأديب المباح، طبقا للطعن رقم 4818 لسنة 80 قضائية.

 

لا يجوز للزوج أن يلجأ إلى التعدى البسيط على زوجته

 

وغني عن البيان أنه لا يجوز للزوج أن يلجأ إلي التعدي البسيط علي زوجته عند وقوع معصيه منها، وإنما عليه أن يلج الموعظة ثم الهجر أولا إذ أراد الشارع بالعَلاقة الزوجية أن تكون علاقة دائمة، ولهذا شرع من الأحكام ما يُحَقِّق مقصده، فأوجب على كلٍّ من الزوجين معاشرة الآخر بالمعروف، فقال سبحانه: "وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ"، ورغَّب الشارع في الإصلاح بين الزوجين، إذا احتدم النزاع، وخِيف من التنافُر المؤدِّي إلى الفُرْقة، فقال الله، تعالى: "وإنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بينِهما فابعَثُوا حكمًا من أهلِهِ وحكمًا من أهلِهَا إنْ يُريدَا إصلاحًا يُوَفِّقِ اللهُ بينَهُما" – الكلام لـ"فاروق".

4

 

إلا أنه قد يظهر من المرأة عدم اكتراث بحقوق زوجها عليها، فتضرِب بهذه الحقوق عُرْض الحائط، كأن تُسافر بدون إذنه، أو تعصي أمره، أو تُدخل في بيته مَن يكره، أو لا تحفظ ماله، أو تحتدُّ عليه في الحديث، أو تتعمَّد إهانته والإساءة إليه، ونحو ذلك، ففي هذه الحالة حرص الشارع على ألا يتفاقَم الخلاف بين الزوجين إلى الحدِّ الذي تستحيل معه المعاشرة بينهما، فأرشد مَن له القِوامة على هذه الأسرة، إلى ما ينبغي أن يكون بحفظ كيانها من التصدُّع أو الانهيار، وذلك بأن يعظ زوجتَه بالحسنى، فيُذَكِّرها بحقوقه عليها، وما ينبغي أن تكون عليه العلاقة بين الزوجين.   

 

3 مراحل لعملية التأديب وردت في كتاب الله

                                                                          

وهذه العِظَة هي أُولَى درَجات التأليف بين الزوجين، تتلوها درجتان أشد منها يتبعهما الزوج إذا دعت إليهما ضرورة الحِفاظ على كِيان الأسرة، وأكثر النساء اللاتي أظهرن عدم الاكتراث بحقوق أزواجهن، تكفيهن هذه الموعظة للعدول عما انطوت من هذه الاستهانة، إلا أن بعض النساء قد يستمرِئْن هذه الاستهانة بحقوق أزواجهن، وتُلقَى عليهن الموعظة فلا تجد منهن إلا آذانًا مُعرِضة نافرة، ونفوسًا ساخطة، وفي هذه الحالة لا تجدي موعظة، فكان لا بد من الالتجاء إلى وسيلة أخرى لحفظ بُنيان الأسرة من التصدُّع أو الانهيار، وهو إعراض الزوج عن زوجته، بأن يستدبِرَها في الفراش، حتى تستشعر عِظَم ما أهدرته من حقوقه عليها، وغالبًا ما تأتي هذه الوسيلة بالمقصود منها، خاصة مع ذوات الطِّباع الحادَّة، اللاتي يؤذيهن هذا الإعراض، وليس في هذه الوسيلة أو سابقتها امتهان لكرامة المرأة أو تحقير من شأنها، كما أنه ليس فيها عُنف أو تعنيف – هكذا يقول "فاروق".  

5

 

وهناك وسيلة ثالثة هي أشدُّها واقساها على النفس، قد يضطر الزوج إلى استعمالها عند الضرورة إليها، وهي الضرب غير أن الرأي مستقر علي أن المقصود بالضرب هنا الضرب غير المُبَرِّح، الذي لا يكسر عظمًا ولا يدمي جلدًا، ولا يُسَبِّب عاهة، وهذه الوسيلة، وإن كانت مشروعة بنصوص الكتاب والسنَّة، إلا أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ حضَّ على عدم استعمالها، فروي عنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال: "وخيرُكم لا يَضرِب"، وروي عن عائشة قالت: "ما ضرب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ امرأة له ولا خادمًا قط"، وهذا دليل على أفضلية عدم ضرب الزوج زوجته عند خوف نُشوزها.  

 

البرلمان مستمر في مناقشة مشروع التعدي على الزوجات

 

ومما يدل على مشروعية استعمال الوسائل السابقة قول الله، تعالى: "واللاتِي تخافونَ نُشوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ واهجُرُوهنَّ في المضاجعِ واضرِبُوهُنَّ"، وما رواه معاوية بن حيدة عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من قوله: "حق المرأة على الزوج أن يُطعِمَها إذا طَعِم، ويكسوَها إذا اكتسى ولا يضرب الوجه ولا يُقَبِّح، ولا يهجُر إلا في البيت"، وروَى عمرو بن الأحوص عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال: "استوصُوا بالنساء خيرًا؛ فإنما هن عندكم عوانٌ، ليس تملكون منهن شيئًا غير ذلك، إلا أن يأتين بفاحشة مُبَيَّنة، فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع واضربوهن ضربًا غير مُبَرِّح"، وهذا وغيره دليل على أن استعمال الزوج إحدى الوسائل السابقة مشروع عند الاقتضاء. 

 

8

 

ويناقش البرلمان خلال تلك الفترة مشروع قانون جديد، بمقتضاه تصل عقوبة تعدى الزوج على زوجته إلى الحبس لمدة تصل إلى 5 سنوات، مقدم من النائبة أمل سلامة، عضو لجنة الإعلام والثقافة بمجلس النواب، بعدما اقترحت إجراء عدة تعديلات جديدة على قانون العقوبات العام الماضي، تقضى بتغليظ عقوبة تعدى الزوج على الزوجة بالحبس مدة لا تقل عن 3 سنوات وتصل إلى 5 سنوات.

 

 مشروع قانون لتغليظ عقوبة ضرب الزوجة بالحبس 5 سنوات

 

سلامة خلال مقترحها كشفت أنها تجمع توقيعات النواب على مشروع القانون وفقا للائحة الداخلية للمجلس التي توجب توقيع عشر أعضاء المجلس على أي مشروع قانون مقدم من نواب، تمهيدا لتقديمه للمجلس خلال أيام، قائلة: "عدد كبير من النواب والنائبات أبدوا حماسا كبيرا، للتوقيع على تعديلات القانون"، وأوضحت أن هناك التزامًا من الدولة بحماية المرأة من كافة أشكال العنف، خاصة أن قضية ضرب الزوجات أصبحت خطرا يداهم الأسرة المصرية ويهدد السلم الاجتماعي، كما أنها اعتمدت في التعديلات على المادة 11 من الدستور التي تنص على تحقيق المساواة بين المرأة والرجل في جميع الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وفقا لأحكام الدستور، وتلتزم الدرك بحماية المرأة ضد كل أشكال العنف وتمكين المرأة من التوفيق بين واجبات الأسرة ومتطلبات العمل".

6

ضرب الزوجات بين التأويل والتطبيق

 

هذا المقترح تباينت حوله الآراء الفقهية والقانونية باعتباره رأى يتسم بالجرأة لإعادة وإحياء أحكام قديمة، سبق وأن قضت فيها محكمة النقض المصرية بأنه لا يوجد في القانون ما يسقط عقوبة الزوج عن ضرب زوجته، وإن لم يتجاوز في ضربها حدود حق التأديب، وبالتالي لا يجوز الطعن على الحكم بدعوى أن الزوج لم يتجاوز حدود التأديب، ومقتضى هذا القضاء القديم، الذي يحاول الحكم محل التعليق إحياءه، أنه لا وجود للتأديب بالضرب من الوجهة القانونية، أياً كانت درجة جسامته، وأياً كان الأساس الذي يستند إليه الزوج في ضرب زوجته.

 

ما أصل تصريحات شيخ الأزهر؟

 

وفى هذا الشأن – سبق لشيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب – التصدي لإشكالية ضرب الزوجات والمرأة الناشز خلال الحلقة 30 من برنامجه الرمضاني "حديث مع شيخ الأزهر"، والمذاعة يوم 4 يونيو لعام 2019، حيث قال "الطيب" في هذه الحلقة إن هناك فرقًا دقيقًا ما بين ضرب الزوج للزوجة الناشز وأن يلجأ الرجل إليه إذا تأكد أنه الدواء الوحيد لعلاج "نشوز المرأة"، والدواء يزيل الألم بالرغم من مرارته.

شيخ الازهر

 

ووفقا لـ"الطيب": مسألة ضرب الزوجة يكون من منطلق كونه العلاج الوحيد لـ"النشوز المرأة"، حيث أن الشرع لا يأمر الزوج باستخدام علاج الضرب في التعامل مع الزوجة الناشز، وتابع: "يباح له اللجوء للضرب ومن حقه ذلك، لكن لو لم يكن مريدًا لذلك فله الشكر ولو تحمل فهو شيء عظيم جدًا"، مستشهدًا بقول النبي محمد: "ليس من خياركم من يضرب زوجته".

 

شيخ الأزهر يحسم جدل الضرب

 

وذكر أن "البعض يرغب في اللجوء لعلاج الضرب حتى تنكمش الزوجة من تضخم موهون"، مشيرًا إلى أن "الضرب ليس واجبًا أو فرضًا أو سنة أو مندوبًا لكنه أمر مباح"، واستشهد بالقاعدة التي تقول: "لولي الأمر أن يقيد المباح إذا رأى أن المباح في بعض تطبيقاته يتسبب عليه ضرر"، مضيفًا: "لا ضرر أكبر من الذي تتأذى منه الزوجة الآن خاصة أن معظمهن مثقفات ومتعلمات، واللجوء للضرب ربما يسبب أذى نفسيًا وينعكس سلبا على الأسرة".

 

3
 
 
2022-02-03
أستاذ القانون الجنائى والمحامى بالنقض ياسر الأمير فاروق

الأكثر قراءة



print