الواقع والحقيقة يؤكدان أن للحرية الشخصية سقفاً، وحدوداً، وفيما يتعلق بالعلاقة الزوجية، فهناك مساحة لطرفيها عليهما فيها احترام خصوصية بعضهما، وتجنب تعدي أي منهما على حق الآخر، فلا يجوز من الناحية الشرعية – كما هو متعارف عليه - أن تستبيح الزوجة لنفسها حق تفتيش أغراض زوجها، أو التجسس على هاتفه، والاطلاع على أوراقه، وتفحص رسائله الهاتفية أو الإلكترونية، أو قراءة بريده، وغير ذلك مما يندرج في بند انتهاك سرية أموره الخاصة، بزعم أن علاقتهما تمنحها ذلك، غير مدركة أن في التعدي على الخصوصية، بداية لانفصام عرى الارتباط الزوجي، لدخول الشك، والريبة، مجرى العلاقة، التي تضيع منها الثقة، ويرحل عنها الاطمئنان النفسي لفقدان المصداقية.
ومما لا شك فيه أن الخطوة الأولى في سجل الطلاق والانفصال، واشتعال نيران الفرقة، والخلافات، تبدأ مع إقدام أحد شريكي مؤسسة الزواج على اختراق خصوصية الآخر، والحديث هنا يتعلق بالزوجة تحديداً كون الكثير من النساء وبحكم طبيعتهن يعتبرن الأكثر فضولاً، وغيرة، وريبة، حيث - والمحاكم شاهدة على ذلك - تتعدد دعاوى الخلافات الزوجية، جراء اطلاع هذه أو تلك على أمور خاصة بالزوج، بما يسفر عن استعار ألسنة الغضب، وتصاعد وتيرة الانتقام، لتأتي الإطاحة بالكيان الأسري، وهدم أعمدة الاستقرار، لينتهي الأمر إلى تشتت الأبناء، وضياعهم وما إلى ذلك.
هل يجوز للزوجة التجسس على هاتف زوجها في نهار رمضان بحجة حماية بيتها؟
فى التقرير التالى، يلقى "برلمانى" الضوء على إشكالية فى غاية الأهمية فى ظل الدعاوى القضائية المقامة بين الأزواج في المحاكم والتى تثبت كيف أصبح الشك والتجسس بداية لهدم عرى الأسرة واستقرارها، فالزوجة تتجسس على زوجها بسبب مكالمة بينه وبين صديقه كانت سبب في دخول الشك، وأخرى تتفحص البريد الإلكتروني للزوج للكشف عن الرسائل الموجودة على هاتفه، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا.. هل يجوز للزوجة التجسس على هاتف زوجها في نهار رمضان بحجة حماية بيتها؟ وهل يبطل هذا الفعل صومها؟ وذلك في الوقت الذي تؤكد فيه القاعدة القانونية بأنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص، فهل تجسس الزوجة على الزوج جريمة معاقب عليها بشكل عام؟ - بحسب الخبير القانوني والمحامي المتخصص في الشأن الأسرى عبد الحميد رحيم.
في البداية - لا يوجد في حقيقة الأمر ما يسمى جرائم خاصة بالزوجة بحق زوجها إلا ما نصت عليه القوانين من جرائم قد يرتكبها أي من الطرفين بحق الآخر، حيث لا يفرق القانون بين الرجل والمرأة، فهما سواسية أمامه، وفيما يشاع من أن الزوجة قد ترتكب جريمة، جراء تفتيشها هاتف زوجها، فهنا يمكننا القول إن هذا لا يعد جريمة، وإنما يقع ضمن بعض الممارسات الحياتية الخاطئة داخل الأسرة، ولكن في حال استغلال الزوجة لهذه الخصوصيات سواء بالابتزاز، أو التهديد بالنشر، أو القيام بفضح الزوج، فهنا تقع عليها الجريمة لأن ما فعلته بعد تفتيش الهاتف هو ما يعد جريمة، وليس التفتيش في حد ذاته – وفقا لـ"رحيم".
الخصوصية وحرمة الحياة الخاصة
والحق في الخصوصية من الحقوق اللصيقة بالإنسان وحرمة الحياة الخاصة وقد سيتها صانتها الحضارات القديمة والأديان السماوية والدساتير والقوانين المصرية، فلكل فرد الحق في المحافظة على حياته الخاصة وعدم جعلها عرضة لأن تلوكها ألسنة الناس أو أن تكون مصدر تهديد والتعدي عليها جريمة يعاقب عليها القانون وفقا لنص المادتين 309 مكرر و309 مكرر أ، فتنص المادة 309 مكرر من قانون العقوبات على: "يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة كل من اعتدى على حرمة الحياة الخاصة للمواطن، وذلك بأن ارتكب أحد الأفعال الآتية في غير الأحوال المصرح بها قانونا أو بغير رضاء المجني عليه، والتقط أو نقل بجهاز من الأجهزة أيا كان نوعه صورة شخص في مكان خاص" – الكلام لـ"رحيم".
"ولا يقتصر التجريم على الشخص القائم بالتقاط الصورة فقط وفقا للنص السابق، ولكن التجريم يمتد ليشمل كلا من سهل أو أذاع أو شارك في نشر الصورة"، والمادة 309 مكرر "أ" تنص على أن: "يعاقب بالحبس كل من أذاع أو سهل إذاعة أو استعمل ولو في غير علانية تسجيلا أو مستندا متحصلا عليه بإحدى الطرق المبينة بالمادة السابقة أو كان ذلك بغير رضاء صاحب الشأن، ويعاقب بالسجن مدة لا تزيد على 5 سنوات كل من هدد بإفشاء أمر من الأمور التي تم التحصل عليها بإحدى الطرق المشار إليها لحمل شخص على القيام بعمل أو الامتناع عنه".
معنى عدم إغلاق الهاتف برقم سري من قبل الزوجين
وهي نصوص تتوافق تماما مع نص المادة 57 من الدستور المصري الحالي التي تنص على أن: "للحياة الخاصة حرمة، وهي مصونة لا تمس، وللمراسلات البريدية، والبرقية، والإلكترونية، والمحادثات الهاتفية، وغيرها من وسائل الاتصال حرمة، وسريتها مكفولة، ولا تجوز مصادرتها، أو الاطلاع عليها، أو رقابتها إلا بأمر قضائي مسبب، ولمدة محددة، وفى الأحوال التي يبينها القانون، كما تلتزم الدولة بحماية حق المواطنين في استخدام وسائل الاتصال العامة بكافة أشكالها، ولا يجوز تعطيلها أو وقفها أو حرمان المواطنين منها، بشكل تعسفي، وينظم القانون ذلك".
ولم يفرق الدستور ولا القانون في التجريم بالتعدي على خصوصية الأخر بين زوج وزوجه ولم يستثني أحد من العقاب بل مجرد التهديد بإفشاء أمور مخدشه للشرف يعاقب عليها القانون، فكل ما يعد قذفا في المجني عليه طبقا للفقرة الأولي من المادة 302 من قانون العقوبات يعد التهديد بإفشاء جريمة وفقا للفقرة الأولي من المادة 327 عقوبات، كما يعاقب القانون على مراقبه الأخر والتجسس عليه مثل تركيب الزوج كاميرات داخل المنزل لرصد تحركات الزوجة أو لرصد تحركات الزوج.
مدى جواز اختراق البريد الإلكتروني وتفتيش الهاتف
وفى الحقيقة كل ما سبق يعد مخالفا للقانون فلا يجوز مراقبة شخص أو التصنت عليه أو متابعه تحركاته إلا بإذن قضائي مسبب يصدر من الجهات القضاة فقد غل الدستور والقانون عدم مراقبه رجل الضبط أو أي شخص لأخر إلا بإذن قضائي مسبق والقاعدة هنا عامة لا تفرق بين شخص آخر أو زوج وزوجه، ولكن عدم إغلاق الهاتف برقم سري من قبل الزوج أو الزوجة قد يعتبر موافقة ضمنية لكل من له حق الرقابة والإشراف والمتابعة مثل الزوج على زوجته والزوجة على زوجها والأب على ابنه.
ومن باب أولى لا يجوز للزوج أن يخترق البريد الإلكتروني لزوجته لالتقاط الرسالة، لأن فعله يعد في هذا الشأن جريمة طبقا لقانون العقوبات والقانون رقم 75 لسنة 2018 بشأن جرائم تقنية المعلومات، ولا يستقيم أن يكون دليل الإدانة مشروعا حال كونه جريمة، فضلا عن بث الثقة والأمانة فيما بين الزوجين وما يجب أن يسود العلاقة بينهما من احترام لا ينسجم مع التجسس بحيث أن شك أحد الزوجين في سلوك الآخر لجأ إلي إتباع الإجراءات القانونية في الإثبات وإلا تحولت الأسرة إلي مسرح مخابرات وعس وهذا ما أخذ به القضاء الأمريكي والفرنسي وأيدهم فيه الفقه.
رأى محكمة النقض في الأزمة
يأتي هذا كله علي الرغم من أن هاتف الزوجة وبريدها الالكتروني له حماية اسبغها عليه القانون وحرم علي الزوج تفتيشك أو الدخول اليه بأي طريقة غير مشروعه، إلا أن محكمة النقض في حكم قديم لها محل نظر أجازت للزوج تفتيش حقيبة زوجته الموجودة بالمنزل إذا ما اقتنع أن بها رسائل من عشيقها، وعللت لذلك بأن الزوج في علاقته بزوجته ليس من الغير في صدد المكاتبات لأن عشرتهما وسكون كل منهما إلي الآخر وما يفرضه عقد الزواج عليهما من تكاليف لصيانة الأسرة في كيانها وسمعتها يخول لكل منهما ما لا يباح للغير من مراقبة زميله في سلوكه وفي سيره وفي غير ذلك، مما يتصل بالحياة الزوجية لكي يكون علي بينه من عشيره، وهذا ما يسمح له عند الاقتضاء أن يتقص ما عساه أن يساوره من ظنون أو شكوك لينفيه فيهدأ باله أو ليتثبت منه فيقرر ما يرتئيه، وذلك طبقا للطعن رقم 259 جلسة 19 مايو 1941.
من الناحية القانونية لا يجوز للزوج أن يخترق البريد الإلكتروني لزوجته لالتقاط الرسالة الخاصة بالتدليل علي ارتكابها قمة جرائم او افعال مشينة، لأن مشروعية الدليل أهم من الدليل نفسه، استناداً الي نصوص الدستور المصري في ذات التوجه، ذلك لأن فعل الزوج يعد في هذا الشأن جريمة طبقا لقانون العقوبات والقانون رقم 75 لسنة 2018 بشأن جرائم تقنية المعلومات، ولا يستقيم أن يكون دليل الإدانة مشروعا حال كونه هو اصلاً جريمة معاقب عليها، فضلا عن ضرورة السعي نحو بث روح الثقة والأمانة فيما بين الزوجين والمودة والرحمة وهو توجه شرعي، وما يجب أن يسود العلاقة بينهما من احترام لا ينسجم مع التجسس، بحيث أن شك أحد الزوجين في سلوك الآخر لجأ إلي إتباع الإجراءات القانونية في الإثبات وإلا تحولت الأسرة إلي مسرح مخابرات وجاسوسية وهذا ما أخذ به القضاء الأمريكي والفرنسي وأيدهم فيه الفقه الشرعي المصري أيضاً.
رأى دار الإفتاء في الأزمة
وقدر أصدرت دار الإفتاء المصرية في ذلك بعدم جواز تعدى الزوج على خصوصية زوجته أو الزوجية على خصوصية زوجها حفاظا على الحياة الزوجية واحتراما لحرية وخصوصية الأخر وفي حالة أن عثرت الزوجة في هاتف زوجها على ما يثبت الخيانة الزوجية هنا تفتقر العشرة لحسن المعاملة، كما إن تجسس الزوجة على هاتف زوجها أو العكس يعتبر أشد إثماً في رمضان، فإن السيئة خلال هذا الشهر ليست كالسيئة في غيره، إلا أنه لا يفطر الصوم، لكن يُنقص أجره ويعكر صفوه، فيتعين تجنبه دائماً، وفي رمضان بالذات أكثر من غيره.
من جانبه، قال الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، إن تجسس الزوجة على هاتف زوجها ممنوع شرعًا، وهذا واضح في قوله تعالى: "وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا"، مؤكدا أن المسلم عليه أن يدق الجرس على باب منزله، حتى وإن كان معه المفاتيح، حتى لا يتخون زوجته، مشيرًا إلى أن الشرع يريد أن يقضي على التخوين وحبائل الشيطان، وحذر أيضا من قيام الزوج بالتجسس على هاتف زوجته، معقبًا: "دي خصوصيات، ممكن يكون في خصوصيات أو أسرار بينها وبين أختها أو أمها، إزاي يطلع عليها".
هل يحق للزوجة طلب التطليق للضرر بسبب تجسس الزوج؟
ومن حق الزوجة رفع لواء الخصومة لطلب التطليق للضرر، وليكون ما لديها قرينة تعزز ما لديها من أدلة أخري سببا للطلاق، وكذلك إذا حرر الزوج محاضر ضد زوجته وبلغ عنها، فمن المستقر عليه في أحكام محكمتنا العليا: "أن مجرد التبليغ من الزوج ضد الزوجة واستعداء السلطات عليها تتحقق به عدم الأمانة التي تسقط عن الزوجة واجب طاعة الزوج"، طبقا للطعن رقم 676 لسنة 66 قضائية.
وأن الطاعة حق الزوج على زوجته شرطة أن يكون أمينا عليها نفسا ومالا اتهام الزوجة بارتكاب الجرائم أو تبادل الاتهامات بين الزوجين اعتباره من قبيل تعمد مضرتها ومن صور الضرر الذي يتعذر معه دوام العشرة أثرة عدم التزامها بالطاعة كفاية ثبوت ذلك بالمحاضر الإدارية، ويثبت الضرر عليها الذي يوجب طلاقها.