تشكل الجرائم المالية خطرا يهدد الناس فى كل جانب من جوانب حياتهم: فى المنزل، فى مكان العمل، على الإنترنت وخارجها، حيث أن عمليات السرقة والاحتيال والخداع والابتزاز والفساد وغسل الأموال، واحتمالات كسب المال بشكل غير مشروع هى، على ما يظهر، لا حصر لها ولا عدّ، وبالنسبة للمعروفين باسم "المجرمون ذوو الياقات البيضاء"، تبدو المخاطر ضئيلة والعائدات مرتفعة.
وتتراوح الجرائم المالية بين أعمال السرقة العادية أو الاحتيال التى يرتكبها أفراد من ذوى النوايا السيئة وبين العمليات الواسعة النطاق التى يديرها مجرمون منظمون موجودون فى كل قارة، وهذه أفعال إجرامية خطيرة لا ينبغى التقليل من أهميتها لأنها، فضلا عن تداعياتها الاقتصادية والاجتماعية، كثيرا ما ترتبط ارتباطا وثيقا بجرائم عنف وحتى بأعمال متطرفة.
جرائم عابرة للقارات.. مصادرة أموال الجريمة بين التأويل والتطبيق
فى التقرير التالى، يلقى "برلماني" الضوء على إشكالية فى غاية الأهمية تتمثل فيما يعرف بمصادرة أموال الجريمة وهل خزانة الدولة لها حق التصرف فى تلك الأموال، وذلك فى الوقت الذى تعد فيه المصادرة آلية من ضمن الآليات المخولة للدولة لاسترجاع الأموال والممتلكات المكتسبة بصفة غير شرعية، وهى تندرج ضمن متطلبات المحاسبة ومقاومة الفساد، وذلك وفق ما نصت عليه اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد – بحسب الخبير القانونى والمحامى بالنقض الدكتور علاء مبروك.
فى البداية – المصادرة عقوبة جنائية توقع بمقتضى حكم جنائى، ونصت المادة 35 من دستور 2014 على أن الملكية الخاصة مصونة ولا يجوز فرض الحراسة عليها إلا فى الأحوال المبينة فى القانون وبحكم قضائى، ونصت المادة رقم 40 منه على أن المصادرة العامة للأموال محظورة ولا تجوز المصادرة إلا بحكم قضائى، ولما كانت المصادرة فى حكم المادة 20 من قانون العقوبات اجراء الغرض منه تمليك الدولة أشياء مضبوطة ذات صلة بالجريمة قهرا عن صاحبها وبغير مقابل وهى عقوبة تكميلية فى الجنايات والجنح – وفقا لـ"مبروك".
كيفية تنفيذ المصادرة لأموال الجرائم؟
كما نصت المادة 14 مكرر من قانون مكافحة غسيل الأموال رقم 17 لسنة 2020: "يحكم بمصادرة الأموال أو الأصول المضبوطة الناتجة عن جريمة غسيل الأموال ويحكم بغرامة إضافية تعادل قيمة الأموال أو الأصول فى حالة تعذر ضبطها أو فى حالة التصرف فيها الى الغير حسن النية"، كما نصت المادة 14 مكرر -1 يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز 3 أشهر وبغرامة لا تقل عن المبلغ المالى محل الجريمة ولا تزيد على أربعة أمثال ذلك المبلغ وفى جميع الأحوال تضبط الأشياء محل الدعوى ويحكم بمصادرتها فإن لم تضبط حكم بغرامة إضافية تعادل قيمتها – الكلام لـ"مبروك".
ووفقا لنص المادة 11 من القانون رقم 22 لسنة 2018 الخاص بتنظيم اجراءات التحفظ والحصر والإدارة: يكون للجنة متى صار حكم التحفظ نهائيا التصرف فى الأموال محل التحفظ على النحو المبين فى القانون المدنى والمرافعات المدنية والتجارية متى كان منطوق الحكم قد نص على التصرف فى المال، وذلك بنقل ملكيته الى الخزانة العامة بناء على طلب اللجنة من المحكمة المختصة التصرف فى المال.
هذا وتجدر الاشارة سابقا إلى صدور قرار من الجهات المختصة بالتحفظ على أموال العديد من الشخصيات العامة ورجال الأعمال، وذلك وفقا لنص المادة 208 مكرر (أ) من قانون الاجراءات الجنائية "فى الأحوال التى تقوم فيها من التحقيق أدلة كافية على جدية الاتهام فى أى من الجرائم التى تقع على الأموال المملوكة للدولة أو الهيئات أو المؤسسات العامة، وكذا الجرائم التى يوجب القانون فيها على المحكمة أن تقضى من تلقاء نفسها برد المبالغ أو قيمة الشئ محل الجريمة والتعويض وللنائب العام عند الضرورة أو فى حالة الاستعجال أن يأمر مؤقتا بمنعه أو زوجه أو أولاده القصر من التصرف فى أموالهم أو إدارتها ويجب أن يشمل أمر المنع من الادارة على تعيين من يدير الأموال المتحفظ عليها.
النقض: مصادرة الأموال يشترط وجوب تحصلها من الجريمة
هذا وقد سبق لمحكمة النقض التصدى لمسألة مصادرة أموال الجريمة فى الطعن المقيد برقم 6452 لسنة 87 قضائية، حيث ذكرت فى حيثيات حكمها أن مصادرة الأشياء سواء كانت أموال أو ممتلكات وفق قانون العقوبات يشترط وجوب أن تكون هذه الأشياء متحصلة من الجريمة لصحة القضاء بمصادرتها.
وخلال نظرها الطعن قضت المحكمة بإعادة سيارة لمتهم بعد أن كانت محكمة أول درجة قد قررت مصادرتها لإحرازه مخدر، إلا أن محكمة النقض قضت بنقض الحكم وإلغاء المصادرة حيث أن الحكم المطعون ضده نفى قصد الإتجار عن المتهم، مؤكدة ان القضاء بمصادرة السيارة، هو خطأ فى تطبيق القانون.
وقالت المحكمة فى حيثياتها، لما كانت المصادرة فى حكم المادة 30 من قانون العقوبات إجراء الغرض منه تمليك الدولة أشياء مضبوطة ذات صلة بالجريمة قهراً عن صاحبها وبغير مقابل وهى عقوبة اختيارية تكميلية فى الجنايات والجنح إلا إذا نص القانون على غير ذلك، وقد تكون المصادرة وجوبية يقتضيها النظام العام لتعلقها بشيء خارج بطبيعته عن دائرة التعامل وهى على هذا الاعتبار تدبير وقائى لا مفر من اتخاذه فى مواجهة الكافة.
المادة 42 من القانون رقم 182 لسنة 1960 فى شأن مكافحة المخدرات
وأضافت "المحكمة": وكانت المادة 42 من القانون رقم 182 لسنة 1960 فى شأن مكافحة المخدرات وتنظيم استعمالها والاتجار فيها والمعدل بالقانون رقم 122 لسنة 1989 - السارى على واقعة الدعوى - قد اشترطت لمصادرة الأموال أن تكون متحصلة من الجريمة، وكان الحكم المطعون فيه قد نفى قصد الاتجار عن الطاعن بما ينفى الصلة بين السيارة المضبوطة وإحراز المخدر مجرداً من غير قصد، فإنه إذ قضى الحكم بمصادرة السيارة يكون قد جانب التطبيق القانونى السليم.
وتابعت محكمة النقض، لما كان ذلك، وكان من المقرر أن لمحكمة النقض - طبقاً لنص المادة 35 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض الصادر بالقانون رقم 57 لسنة 1959 - أن تنقض الحكم من تلقاء نفسها لمصلحة المتهم إذا تبين مما هو ثابت فيه أنه مبنى على مخالفة للقانون أو على خطأ فى تطبيقه أو فى تأويله، فإنه يتعين إعمالاً لنص المادة 39 من القانون - المذكور - القضاء بتصحيح الحكم المطعون فيه، وذلك بإلغاء ما قضى به من مصادرة السيارة المضبوطة.